شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 19 ابريل 2024م06:20 بتوقيت القدس

رسوم الجامعة.. ضربةٌ على رأس النجاح بـ"توجيهي"

30 اعسطس 2021 - 13:25
صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

غزة:

تلاشت مظاهر الفرحة تدريجيًا؛ وأسدل القلق ستائره على قلب الطالبة المتفوّقة فاطمة أبو ضاهر التي أنهت الثانوية العامة بمعدّل 98.7%، عندما برز شبح "الرسوم"، ليهدد فرصة التحاقها بالجامعة.

الطالبة التي تسكن مع عائلتها في بيتٍ متواضع بقرية جحر الديك، أقصى الجنوب الشرقي لمدينة غزة، درست بجدّ طوال العام لتتوج سنوات تفوّقها ببصمة تميّز، متحدّيةً كل ظروف الحياة في القرية التي تفتقد حتى لشبكة مواصلات!

تقول لـ"نوى": "كانت سنةً صعبة. دراسةٌ تحت هدير طائرات الاحتلال الحربية، وأصوات القصف والانفجارات، كورونا، وضيق البيت، والحر الشديد، وانقطاع الكهرباء، زادت عليها ظروف الخوف التي عشناها في عدوان آيار/ مايو الماضي".

فاطمة:لا يزيد دخل أبي عن 40 شيكلًا يوميًا بالكاد تكفي نفقات البيت فما بالكم بالحاجة إلى دفع رسوم باهظة

تضيف: "لا يزيد دخل أبي الذي يعمل سائقًا عن 40 شيكلًا يوميًا -12$- وهي بالكاد تكفي نفقات البيت الأساسية"، متساءلة: "فما بالكم بالحاجة إلى دفع رسوم باهظة؟!".

الجامعة التي التحقت بها فاطمة، قدمت لها منحة بنسبة 50%، ومع ذلك، فإن عليها توفير قرابة 200 دينار كل فصل، بالإضافة إلى نفقات المواصلات إلى مركز المدينة من قريتها النائية، وتكاليف مستلزمات كليتها "التمريض" العالية –على حد توصيفها.

فاطمة التي أُجبرت على الدراسة بالفرع الأدبي كونه المتوفر في مدرسة القرية. "وكان علي إن أردت الدراسة في الفرع العلمي، السير يوميًا إلى مدرسة البريج البعيدة نسبيًا عن مسكن عائلتي" تزيد.

تخشى فاطمة أن تُجبر على ترك الجامعة أسوةً بالكثيرات من فتيات القرية، اللواتي حصلن على معدلات تزيد عن 90%، ولم يدخلن الجامعات بسبب ارتفاع الرسوم، وحالة الفقر الشديد التي يعاني منها أهل المنطقة، "وقد يلجأ والدي للاقتراض من أجل مساعدتي في إكمال تعليمي، وهذا ما لا أتخيله" تكمل.

ويعاني طلبة الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة، من ارتفاع قيمة الرسوم الجامعية، التي تفوق –حسب عددٍ كبير منهم- قدرة العائلات على توفيرها في مجتمعٍ يحاصره الاحتلال الإسرائيلي منذ 15 عامًا، وتزيد نسبة الفقر فيه عن 54%.

حال الطالب أحمد عليان من مدينة رفح جنوب قطاع غزة لا يختلف كثيرًا، فالشاب الذي حصل على معدّل 75% في الثانوية العامة لهذا العام، كان يأمل بالالتحاق بإحدى الجامعات المحلية لكنه لن يتمكن أبدًا!

يقول الشاب لـ"نوى": "بذلتُ قصارى جهدي هذا العام من أجل الحصول على معدّل يمكنني من دخول تخصص يطلبه سوق العمل، فهذا كان جوهر تفكيري، بالفعل معدلي معقول لكن ظروف عائلتي المادية لن تسمح لي بدراسة ما أريد".

أحمد :أقل تقدير للرسوم الجامعية هي 180 دينارًا للفصل الواحد وتفاصيل أخرى  حتمًا لا طاقة لي بتحملها

يضيف بعد أن قطب حاجبيه: "والدي لا يعمل منذ سنوات رغم أنه يحمل شهادة في اللغة العربية، ولا تتحصل أسرتي سوى على راتب الشؤون الاجتماعية الذي لا يزيد عن 1800 شيكلًا كل أربعة شهور، وهذا مبلغ لا يكفي متطلباتنا شهرًا واحدًا، فما بالكم وهو الذي يصلنا كل عدة أشهر؟!".

أقل تقدير للرسوم الجامعية هي 180 دينارًا للفصل الواحد، ناهيك (والحديث له) عن نفقات المواصلات يوميًا من مدينة رفح إلى غزة، ومعها ثمن الكتب الجامعية، معقبًا بقوله: "كلها تفاصيل، حتمًا لا طاقة لي أو لعائلتي بتحملها، وهو الأمر الذي دفع بي إلى التنازل عن حلمي في دراسة التخصص الذي أرغب، والاكتفاء بالتسجيل في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، بتخصص السكرتاريا كونه مجاني".

لكن حالة الإحباط التي لحقت بالشاب الذي كان يطمح إلى دراسة تخصص يحبه، دفعته مجددًا إلى البحث عن منحة للدراسة في الخارج، فربما يكون هذا -إن تم- خياره الأخير.

مرح الشنطي، هي طالبةٌ أنهت العام الدراسي الثالث في تخصص اللغة العربية. أخذت شهيقًا طويلًا قبل أن تروي تفاصيل الواقع النفسي المؤلم للطلبة، نتيجة وقوعهم تحت ضغط قيمة الرسوم الجامعية، وعدم قدرة عائلاتهم على توفيرها.

مرح:محاولات الجامعات للتخفيف ليست كافية، ومعظمها مرتبط بتخفيف عدد ساعات التسجيل، وليس في الرسوم ذاتها

تقول لـ"نوى": "الرسوم بوجهٍ عام مرتفعة في كافة الجامعات الفلسطينية، والأصل أننا شعب يعيش ظروفًا اقتصادية معروفة، وبالكاد تستطيع العائلات توفير قوت أبنائها اليومي"، ملفتةً إلى أن عددًا كبيرًا من الذين تعرفهم "يتدبرون أمور الرسوم بصعوبة، ما بين ديون، وبيع مقتنيات شخصية".

وتضيف: "محاولات الجامعات للتخفيف ليست كافية، ومعظمها مرتبط بتخفيف عدد ساعات التسجيل، وليس في الرسوم ذاتها".

مرح هي طالبة متفوقة في تخصصها الجامعي، معدلها حتى الآن 85% "ومع ذلك فالمنح لا تقدمها الجامعات إلا للمعدلات المرتفعة جدًا".

تؤكد الفتاة أن تأخّرها في دفع الرسوم، تسبب مرارًا في إغلاق الجامعة لصفحة التسجيل الخاصة بها وعدم قدرتها على تقديم الامتحان الإلكتروني "بسبب ظروف كورونا".

تكمل مرح: "سعر الساعة الدراسية في كلية التربية 18 دينارًا، وهي أعلى في الكليات الأخرى، وإذا حاولت الجامعة التخفيف عنا كطلبة، يكون علينا دفع 150 دينارًا في بداية الفصل، على أن نكمل باقي المبلغ قبل موعد الامتحانات، وهذا يجعلنا تحت ضغطٍ نفسيٍ دائم".

كثيرًا ما اضطر أهالي طلبة إلى الاقتراض –كما سيفعل والد فاطمة- أو لبيع مقتنيات شخصية، تمامًا كما فعلت مرح عندما باعت "سوارًا من الذهب" كانت تمتلكه، من أجل تسديد قسط الرسوم الدراسية لأحد الفصول. هذا يجعل من الضرورة بمكان، الحديث جديًا عن "حلول جذرية" تنتشل الطلبة من واقعٍ بائس، حيث أبسط الحقوق يتحكم فيها الحصار.. "حق التعليم الجامعي".

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير