الضفة الغربية/ شبكة نوى- فلسطينيات:
في الخامس والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، دُفن الطفل الشهيد محمد حمارشة، في مقبرة بلدة يعبد جنوبي مدينة جنين، شمالي الضفة الغربية.
أمام قبره، وقف والده ربيع يبكي، ويقول: "أعدموه بدم بارد. تركوه ينزف، ومنعوا الإسعاف من الوصول إليه حتى لفظ أنفاسه".
قُتل محمد (13 عامًا) على يد جنود الاحتلال، الذين أطلقوا النار عليه من مسافة قريبة، وبصورةٍ متعمدة، هو ومِن بعده الشاب أحمد زيد (20 عامًا)، الذي حاول الاقتراب منه لسحبه، وإيصاله لسيارة الإسعاف، فاستشهد هو الآخر.
الجنود، الذين كانوا أصلًا داخل جيب عسكري مصفح، وفق أحد الشهود من جيران العائلة، واصلوا إطلاق النار على جثمانَي الشهيدين، وفي الوقت ذاته، منعوا سيارات الإسعاف التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني من الوصول إليهما حتى تأكدوا من استشهادهما.
في الوقت الذي لا يمكن فيه إنكار تضحيات طواقم الإسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني، في الأراضي الفلسطينية عمومًا، ضمن مهامها في إنقاذ الحياة، في ظل المخاطر الميدانية الجمة المتعلقة بالاستهداف، والاعتقال، وعرقلة الوصول، إلا أن انتقادات كثيرة طالتها في الفترة الأخيرة، مردّها إلى سياسات "إدارية"، و"قرارات"، يرى مواطنون أنها فاقمت الواقع الحياتي الصعب أصلًا، لا سيما بالنسبة للمرضى والجرحى، في مناطق الضفة الغربية عمومًا والقدس على وجه الخصوص.
واحترامًا لمسيرة نحو 55 عامًا من الخدمة المواطنية للهلال الأحمر الفلسطيني، وجب التنويه، إلى أن هذا التحقيق، لا يحمل أي دعوةٍ لتقويض جهود المؤسسة العريقة، بل يدعم استمراريتها بشدة، وهي التي أنقذت مئات آلاف الأرواح بين زخات الرصاص، وتصدّت لجائحة كورونا، واستجابت لحروبٍ لم يشهد التاريخ أكثر وحشيةً منها كما يحدث في قطاع غزة اليوم. صيانة هذه المؤسسة وتعزيزها يتطلب شجاعةً في المساءلة. الروح أغلى من المجاملة، والمهنية أسمى من كل الشعارات.
جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، تأسست رسميًا، بتاريخ 26/12/ 1968م، وبدأت بتقديم خدماتها الصحية عبر عيادة صغيرة في مخيم (شنلر) للاجئين الفلسطينيين في الأردن.
جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، تأسست رسميًا، بتاريخ 26/12/ 1968م، وبدأت بتقديم خدماتها الصحية عبر عيادة صغيرة في مخيم (شنلر) للاجئين الفلسطينيين في الأردن. اكتسبت الجمعية شخصيتها الاعتبارية، بموجب قرار من المجلس الوطني الفلسطيني في دورته السادسة، التي عُقدت في القاهرة بتاريخ 1/9/ 1969م، لتصبح بعد ذلك مؤسسة صحية واجتماعية مهمة من مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، ضمت عشرات الآلاف من الكوادر والأعضاء والمتطوعين الفلسطينيين والعرب والأجانب.
وانطلقت الجمعية بخدماتها "الإسعافية"، في الضفة الغربية، خلال الانتفاضة الأولى عام 1987م، حتى جاءت السلطة عام 1993م، وتم تكليفها بقرار من الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، بتقديم خدمة الإسعاف "في المنازعات"، وفق المدير العام للإسعاف والطوارئ في الجمعية أحمد جبريل، "لكنه كان قرارًا شفهيًا فقط".
وبسبب عدم وجود بديل، تبنّت الهلال الأحمر (والحديث لجبريل)، التعامل مع الحالات المرضية وحوادث السير ونقل حالات السرطان والولادة وغيرها منذ ذلك الحين.
انطلقت الجمعية بخدماتها "الإسعافية"، خلال الانتفاضة الأولى عام 1987م، حتى جاءت السلطة عام 1993م، وتم تكليفها بقرار من الرئيس الراحل، ياسر عرفات، بتقديم خدمة الإسعاف "في المنازعات".
ولا ينفي جبريل تقليص الهلال خدماتها الإسعافية في السنوات الأخيرة، مرجعًا ذلك إلى أن "الجمعية تعمل حسب الإمكانيات، وقد تعرضت لانتكاسة بسبب وقف الدعم المالي، الذي كان يتدفق من قبل المنظمات الدولية والصليب الأحمر (بقيمة 40% من الميزانية)، بعد توجيهه لدعم المناطق العربية الساخنة.
"مش لحالنا هون"
تبدأ معدة التحقيق جولتها من مدينة القدس، إذ قررت إدارة "الهلال"، بعد بدء الإبادة في قطاع غزة، في السابع من أكتوبر/ تشرين أول للعام 2023م، وبشكلٍ مفاجئ، تقليص عدد سياراتها العاملة هناك، من 6 في الفترة الصباحية إلى سيارتين فقط!
يقول مسؤول مسعفي ومتطوعي المدينة سابقًا، علاء الأرناؤوط: "سيارات الإسعاف التابعة للهلال، كانت تنقل مرضى قطاع غزة من حاجز بيت حانون (إيرز) الإسرائيلي، إلى مشافي الضفة أو المشافي الإسرائيلية، وتنقل كذلك مرضى الضفة المحوّلين إلى القدس والمشافي الإسرائيلية من حاجز قلنديا".
"الإدارة وضعت موازنات وهمية تثبت أن الهلال يخسر جرّاء تقديمه خدمة الإسعاف في المدينة، رغم أن صيانة السيارات، ووقودها ممولان من الدول المانحة".
لكن منذ بدأت الحرب -يتابع- "تغيرت الإدارة، وأصبحت تتحدث بلغة الربح والخسارة، برغم أن الهلال الأحمر بالأساس جمعية غير ربحية".
هذا التقليص، أدى إلى قصور في تقديم إسعاف القدس، وفي تصريحات صادمة، تابع: "الإدارة وضعت موازنات وهمية تثبت أن الهلال يخسر جرّاء تقديمه خدمة الإسعاف في المدينة، رغم أن صيانة السيارات، ووقودها ممولان من الدول المانحة".
الذريعة التي كانت تسوقها إدارة الهلال -بحسب الأرناؤوط- "احنا مش لحالنا في البلد"، في إشارةٍ إلى وجود الإسعاف الإسرائيلي "نجمة داوود"، التي تقدم خدماتها أيضًا في القدس.
ويستدرك: "لكن هناك بعض المناطق مثل شعفاط وكفر عقب لا يمكن أن تدخلها نجمة داوود، إضافة إلى أن دخول جميع القرى في القدس، يحتاج إلى تنسيق مع جيش الاحتلال وشرطته؛ وهو ما يؤخر تقديم الخدمة، ويعرقل نجدة المرضى المقدسيين".
يتهم الأرناؤوط الإدارة، بتعمدها اتخاذ قرار تقليص عدد السيارات في القدس، "في الوقت الذي كانت فيه طواقم الإسعاف تحاول تطوير خدمة الإسعاف في المدينة وتحسين جودتها".
ويتهم الأرناؤوط الإدارة، بتعمدها اتخاذ قرار تقليص عدد السيارات في القدس، "في الوقت الذي كانت فيه طواقم الإسعاف تحاول تطوير خدمة الإسعاف في المدينة وتحسين جودتها"، قائلًا: "مع الأسف الإدارة لا تأبه بالمطلق بخدمة الإسعاف وتعدُّها عبئًا عليها".
نتيجة قرار التقليص، اتخذ الطاقم عدة خطوات احتجاجية، فطالبوا بحقوقهم النقابية "التي لا تلتزم بها الجمعية منذ سنوات" على حد قول الأرناؤوط، كما أن جميع أفراد الطاقم (وعددهم 22 مسعفًا وضابطًا) غادروا المقر، وتركوا العمل -يزيد.
قلة الإمكانيات في الضفة
وفي شمالي الضفة الغربية، التي تتعرض لاجتياحات وعمليات عسكرية متتالية منذ بدء الحرب على غزة، وعمليات تدمير وتهجير ممنهجة منذ كانون الثاني/يناير الماضي، لا سيما في طولكرم وجنين، وطوباس، لا يبدو الأمر أفضل.
يقول رئيس بلدية طمون، ناجح بني عودة: "زوّدتنا (الهلال) بسيارة إسعاف بعد بدء الإبادة بغزة، لكنها تحضر كل يوم تمام الساعة الرابعة عصرًا وتبقى حتى الثامنة صباحًا، ونحن بدورنا في البلدية زودناهم بطابق كامل في مقرنا حتى يقوموا بعملهم بأريحية".
المشكلة لم تُحل -وفق بني عودة- في البلدة الواقعة شمالي شرق نابلس، حيث أن السكان، بحاجة لوجود السيارة على مدار الساعة، "وأن تقوم الهلال بتجهيز مقر دائم لها في طمون لأنها تشهد إغلاقات متكررة لجميع الحواجز والطرق، ولا يستطيع أحد الخروج أو الدخول إليها" يضيف.
وأوضح أن هناك 29 شهيدًا ارتقوا بعد بدء الإبادة، من طمون وحدها، التي يبلغ تعداد سكانها 17 ألف نسمة.
أما في طولكرم، حيث الاجتياحات المتواصلة منذ إعلان "إسرائيل" الحرب على قطاع غزة، والنزوح والتدمير للمخيم ومحيطه منذ شهرين على الأقل، تخصص "الهلال" سيارة إسعاف وعربة صغيرة للدخول بين الأزقة، وسيارة دفعٍ رباعي، "وهذا غير كافٍ لخدمة مرضى وجرحى مدينة كاملة، ولا يتناسب مع احتياجاتها في الفترة الحالية" يقول مسؤول العلاقات العامة والإعلام في بلدية طولكرم، مهند مطر لـ"نوى".
ولا ينفي مطر، الدور الهام على صعيد الإغاثة والإسعاف، الذي تؤديه طواقم إسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني، "لكننا نستغرب إمكانياتهم الضئيلة، والتجهيزات غير الكافية للتعامل مع حالات الطوارئ" يستدرك.
ويقول مطر: "معظم طواقم الإسعاف، العاملة مع الهلال، هي من المتطوعين، أما عدد الموظفين المدربين جيدًا فهو قليل جدًا، وهذا ينعكس على جودة الخدمات المقدمة للمواطنين ككل"، مبينًا أن أحد أهم المشكلات تكمن فيما أسماه "مركزية التواصل"، "فأي مستغيث عندما يتصل بالهلال، تتلقى المكالمة وحدة العمليات في رام الله! أي أنه لا يوجد غرفة عمليات بها مقسم خاص بكل محافظة، يسهّل العمل والوصول على المواطنين وعلى الطواقم أيضًا".
ويشرح ذلك بقوله: "الموظف في رام الله لا يعرف بالضرورة الشوارع والأزقة في طولكرم بشكل دقيق، وخدمة الطوارئ يفترض أن تكون سريعة جدًا، بالتالي أي مشكلة في فهم المعلومات قد تتسبب في خسارة أرواح".
يثني مطر -في الوقت ذاته- على ما وصفه بـ"شجاعة متطوعي الهلال في الميدان"، كونهم يُعرّضون أنفسهم للخطر من أجل إغاثة المواطنين، في ظل استهدافهم المستمر من قبل قوات الاحتلال"، ملفتًا إلى أن حل "مشكلات التمويل التي تعاني منها الجمعية، سيُمكّنها من تقديم مستوى أفضل من الخدمات في كافة المحافظات".
إغلاق مراكز واحتجاجات كوادر
الحديث عن ضعف جهوزية الهلال الأحمر لتقديم خدمة الإسعاف في الكثير من المناطق التي تشهد أحداثًا ساخنة، داخل الضفة الغربية، لم يأتِ من فراغ، فوفقًا لشهادات مواطنين من مناطق مختلفة، قلصت الجمعية خدماتها، وأغلقت العديد من مراكز الإسعاف في أنحاء الضفة -تحديدًا خلال الحرب على قطاع غزة- وفي مناطق مهمة، وتخدم عشرات الآلاف من السكان، بينما لا بديل فيها يقدم خدمة الإسعاف.
وإلى جانب مركز نعلين، غربي رام الله، التي شهدت في السنوات الأخيرة -منذ إغلاق المركز- العديد من حالات الولادة على الحواجز وفي مركبات خاصة، وفقدان حياة عدة أشخاص لم يتلقوا خدمة الإسعاف في الوقت المناسب، فإن بلدة سنجل، شمالي رام الله والبيرة، أيضًا كانت تمتلك مركز إسعاف يعمل فيها على مدار السنة، أُغلق عام 2016م، وكانت تستفيد منه العديد من القرى التي يقطن فيها أكثر من 25 ألف نسمة.
يقول رئيس بلدية سنجل، معتز عبد الرحمن: "نهاية عام 2016 قرر الهلال الأحمر إغلاق المركز وسحب سيارة الإسعاف من بلدتنا بسبب الأزمة المالية"، موضحًا أن البلدية حاولت كثيرًا ثني الإدارة عن القرار باقتراح العديد من الحلول لإبقاء المركز والسيارة، وتحملت جزءًا كبيرًا من العبء المالي لشهور، "ولكن مع الأسف قررت الإدارة بشكل قاطع إغلاقه يا للأسف" يستدرك.
ويضيف: "الإسعاف ضرورة ملحة في منطقتنا، خاصة أننا نعاني من هجمات المستوطنين بشكل مستمر ونحن عند (شارع 60) الاستيطاني الذي تقع عليه العديد من الحوادث باستمرار، بالتالي لا يمكننا الإستغناء عن سيارة الإسعاف بالمطلق.
وعندما يئست البلدية من استعادة الخدمة توجهت للبحث عن بديل، فاشترت سيارة إسعاف وشغلت عليها موظفين، وحذت حذوها العديد من المجالس البلدية في المنطقة، مثل بلدة ترمسعيا التي اشترت أيضًا سيارة على نفقة مغتربيها، وشغلتها لخدمة أهالي البلدة.
ويظنُّ عبد الرحمن أن سحب الهلال سيارته "نابع من مشكلة إدارية أكثر مما هي مالية"، مبينًا أنه عندما كان يزور مقره في البيرة، كان يرى العديد من السيارات مصطفة على باب المقر "فلماذا لا يتم تشغيلها ولو جزئيًا لخدمة الناس، وتقليل حدة الأزمة".
"جمعية الهلال الأحمر وجّهت إنذارات متفرقة لضباط الإسعاف، وقلّصت أكثر من (50%) من الخدمة الإسعافية؛ الأمر الذي من شأنه التأثير على الخدمات المقدمة للجمهور الفلسطيني وحياته أيضًا".
ومن خلال البحث في المصادر المفتوحة، يستطيع المتصفح إيجاد عشرات الأخبار حول احتجاجات نظمها موظفون في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني خلال السنوات السابقة، "نتيجة الانتقاص من حقوقهم العمالية"، وفق تعبير نقابة ضباط الإسعاف والطوارئ قبل حلها (يجري التحضير حاليًا لتشكيل نقابة مهنية).
النقابة أضافت إلى السبب السابق، الذي دفع موظفي الجمعية للاحتجاج، "الشكاوى من تخفيض عدد سيارات الإسعاف بشكل كبير، وتقليص الخدمة في مختلف أنحاء الضفة، وفصل العديد من الموظفين وإنهاء عملهم".
وبحسب النقابة، فإن جمعية الهلال الأحمر وجّهت إنذارات متفرقة لضباط الإسعاف، وقلّصت أكثر من (50%) من الخدمة الإسعافية؛ الأمر الذي من شأنه التأثير على الخدمات المقدمة للجمهور الفلسطيني وحياته أيضًا.
الصحة: المشكلة في القانون
ويعدُّ دور وزارة الصحة في فلسطين، "إشرافيًا ومنظمًا لقطاع الإسعاف فقط"، كما يؤكد مدير دائرة الإسعاف والكوارث في وزارة الصحة عمر الشيخ علي.
ويقول: "الوزارة لا تقدم أي خدمة إسعاف في فلسطين. خدمات ما قبل المستشفى هي مسؤولية الهلال الاحمر الفلسطيني".
وبرغم أن تقارير توثيقية عديدة، أشارت إلى أن هذه المهة، أوكلت للهلال الأحمر عام 1993م، بتخويل شفهي من رئيس منظمة التحرير آنذاك ياسر عرفات، إلى شقيقه رئيس الهلال الأحمر الفلسطيني، فتحي عرفات، إلا أن الشيخ علي يؤكد: "لا يوجد أي نص دستوري أو قانوني يجبر الهلال الأحمر على تقديم هذه الخدمات، لا في القانون الأساسي ولا في قانون الصحة العامة الذي صدر عام 2004م".
وقال: "الجمعية كانت تقدم الخدمة بشكل جيد حتى عام 2010م، "ولكن اليوم يقولون إنه لا يوجد دعم مالي، لذلك تقلصت خدماتهم وأصبحت محصورة داخل المدن"، مشيرًا إلى أن الصندوق القومي كان يقدم للجمعية جزءًا من المصاريف سابقًا، ولكنه توقف عن ذلك.
ويلفت الشيخ علي إلى أنه، ونتيجة تراجع الخدمات المقدمة من قبل "الهلال"، أصبح هناك 60 مركبة إسعاف خاصة، و30 مركبة تابعة للهيئات المحلية موزعة في الضفة الغربية، وجميعها خدماتها مدفوعة.
وفق الشيخ علي، يصل وزارة الصحة يوميًا شكاوى حول غياب الإسعاف، ويتم التعامل معها من قبل دائرة الإسعاف والكوارث، "وفي حال كانت بحاجة لصلاحيات أكثر، تُحوّل إلى وحدة الشكاوى في وزارة الصحة" أضاف.
وحول وجود تدقيق إداري أو مالي من قبل وزارة الصحة على عمل جمعية الهلال، قال: "المؤسسة تتبع لمنظمة التحرير، ويفترض أن يقوم ديوان الرقابة المالية والإدارية بالتدقيق عليها".
تواصلت معدة التحقيق بدورها مع الديوان، الذي أكد أنه لم يُجرِ سابقَا أي تدقيق على خدمة الإسعاف في الهلال، "ولكنه يخطط لذلك في الفترة القادمة".
وفي متابعة دقيقة، نشر الديوان قبل نحو أسبوعين، تقريرًا تضمن تدقيقًا على جمعية الهلال الأحمر - المقر الرئيسي البيرة، فيما لا يزال العمل جاريا على تدقيق خدمات الإسعاف".
"نرى أنه مهم جدًا استمرار الجمعية في تقديم الخدمة، ولو بشكل محدود".
وحول الشكاوى من قلة أهلية متطوعي الهلال وضعف الخبرة اللازمة للعمل في الميدان، قال الشيخ علي "صحيح، المتطوعون غير مؤهلين"، مؤكدًا أنه تم توجيه أكثر من كتاب إلى إدارة الهلال حول ذلك، ولكن الرد عاد بأن "هذا ما نستطيعه، وإذا كان لا يعجبكم بإمكاننا أن نترك الخدمة". يعلق الشيخ علي: "نرى أنه مهم جدًا استمرار الجمعية في تقديم الخدمة، ولو بشكل محدود".
وأكد الشيخ علي أن دائرة الاسعاف والطوارئ في وزارة الصحة طالبت مرارًا بإصدار قرار بقانون، يُلزم "الهلال" بتقديم خدمات الإسعاف حال احتياجها، "لكن مع الأسف القرار الذي صدر جاء ليتيح للهلال استخدام كل موارد الدولة، دون أن يفرض عليها إلزامية الخدمة".
يقول: "هناك من التف على القانون في الهلال، وسعى لإصداره بهذا الشكل".
"لا يوجد أي رقابة على الهلال الأحمر ولا على خدماته، "وهذا دور منوط بالدولة، فبالإضافة إلى إلزامها بتقديم خدمة الإسعاف، يجب مساعدتها على حل المشكلات المالية إن وجدت".
ودعا الشيخ علي مؤسسات الدولة الرقابية للتفتيش والرقابة الدورية على الهلال الأحمر كونها منظمة فلسطينية، وليست عالمية، وعدم الاكتفاء بالتقرير السنوي "الذي لا يعكس حقيقة الوضع وتردي الخدمة".
وأكد أنه لا يوجد أي رقابة على الهلال الأحمر ولا على خدماته، "وهذا دور منوط بالدولة، فبالإضافة إلى إلزامها بتقديم خدمة الإسعاف، يجب مساعدتها على حل المشكلات المالية إن وجدت".
الإعفاء من الضرائب
في عام 2024م، أصدر الرئيس قرار بقانون (رقم 21 لسنة 2024م)، يتيح لجمعية الهلال الأحمر الانتفاع بجزء من ممتلكات الدولة؛ لإقامة مشافٍ أو مراكز صحية أو إغاثية.
جاء ذلك في الوقت الذي عملت فيه دائرة الإسعاف والطوارئ بوزارة الصحة -وفق الشيخ علي- من أجل إصدار قانونٍ بنصٍ مختلفٍ تمامًا؛ يُلزم الهلال بتقديم خدمة الإسعاف بالضفة الغربية وفق أسس واضحة.
فيما يلي نص القرار بقانون:
القرار بقانون، جاء ليؤكد ما كان قد منحه للجمعية قرارسابق صدر عام 1997م، بتوقيع الرئيس الراحل ياسر عرفات، وهذا نصه:
الهلال ترد
عودةٌ إلى المدير العام للإسعاف والطوارئ في "الهلال الأحمر"، أحمد جبريل، الذي تحدث عن امتلاك الجمعية فيما وصفه بـ"الظروف الطبيعية حاليًا داخل الضفة الغربية" (32) سيارة إسعاف، "يتم زيادتها وفق الاحتياج".
وأكد أن الجمعية لا تتلقَى أي دعم من السلطة أو الحكومة الفلسطينية، "باستثناء الدعم المالي الذي تحصل عليه من منظمة التحرير، الذي يتوزع على الضفة، وقطاع غزة، والدول التي تعمل فيها الجمعية، ولا يسد الحاجة أو النقص الموجود".
وحول إغلاق العديد من مراكز الهلال الأحمر في مناطق حيوية، أضاف: "الجمعية أعادت توزيع المراكز وفق أولوياتها ولم تغلقها".
ولدى سؤاله عن اسم مركز واحد تم افتتاحه بدل المغلقة، باستثناء مركز "طمّون" الذي يعمل جزئيًا، لم يُعطِ رد، واكتفى بالتوضيح أن الهلال لديه (11) مركز إسعاف في المحافظات الرئيسة، إلى جانب العديد من المراكز الفرعية في كل محافظة.
وعلى سيرة "طمّون"، وفي الوقت الذي لم تلبِّ فيه الجمعية، احتياجات العديد من القرى والبلدات في الضفة الغربية، وبعضها في نقاط تماس، زُوّدت بلدة "طمون" بسيارة إسعاف تعمل بدوام جزئي. ووفق موظف سابق تم فصله من الجمعية (رفض التصريح باسمه)، فإن "مسؤولة في الهلال الأحمر (وهي من بلدة طمون) سهّلت الأمر"، وهو ما يشكل مخالفة صارخة لأحد أهم معايير اللجنة الدولية للصليب الأحمر وهي تقديم الخدمة دون أي تمييز.
مدير الإسعاف في "الهلال"، رفض الاتهام السابق، مؤكدًا وجود معايير عالمية "تخضع لها الهلال في توزيع سيارات الإسعاف وفقًا لعدد السكان".
وقال: "الجمعية لا تستطيع نشر سيارة إسعاف في كل قرية، فتكلفة تشغيل سيارة الإسعاف الواحدة تصل إلى نصف مليون شيكل سنويًا".
جبريل: "الهلال هي المؤسسة الفلسطينية الوحيدة التي تتمتع بجهوزية عالية لحالات الطوارئ، ضمن الإمكانيات المتاحة".
وعن مدى جهوزية "الهلال" لحالات الطوارئ والتصعيد الأمني بالضفة الغربية، قال جبريل: "الهلال هي المؤسسة الفلسطينية الوحيدة التي تتمتع بجهوزية عالية لحالات الطوارئ، ضمن الإمكانيات المتاحة".
وفي هذا السياق تحدث عن نشر نحو 70 نقطة إسعافية في الضفة الغربية بعد بدء حرب الإبادة في قطاع غزة، موزعة في مناطق الاحتكاك مع الاحتلال.
وأشار إلى إنها -النقاط السبعون- مجهزة بمعدّات ومسعفين للتعامل مع الإصابات حال وقوعها، وحتى وصول سيارة الإسعاف، "وهذا الأمر يتم بالتعاون مع المجالس المحلية". في حين لم تذكر أي هيئة محلية قابلناها سابقًا هذه النقطة.
بخصوص المخيمات "فيتم تغطيتها بسيارات من القرى المجاورة لها؛ لأن إمكانيات الهلال لا تسمح بفتح مراكز خاصة فيها، أو تزويدها بسيارة إسعاف خاصة".
ولدى السؤال عن المخيمات مثل العروب والفوار، التي لا توجد فيها أي سيارة إسعاف، رغم أنها من أكثر المناطق سخونةً، وتعرضًا للمواجهات اليومية، أجاب: "يتم تغطيتها بسيارات من القرى المجاورة لها؛ لأن إمكانيات الهلال لا تسمح بفتح مراكز خاصة فيها، أو تزويدها بسيارة إسعاف خاصة".
وبالإضافة إلى ما سبق، برر جبريل تقليص خدمات الهلال الإسعافية، بترخيص عشرات سيارات الإسعاف التابعة للمجالس البلدية والقطاع الخاص، التي تقوم بتقديم الخدمة في كل أنحاء الضفة الغربية.
في حين أن جميع المجالس البلدية التي قابلناها في هذا التحقيق لجأت إلى ترخيص وامتلاك سيارات إسعاف، "نتيجة عدم استجابة الهلال لتوفير سيارات إسعاف لها، أو نتيجة سحب خدماته وسياراته وإغلاق مراكزه فيها"، كما حدث في سنجل ونعلين.
سيارات جديدة
وكان مجلس الوزراء في تقريره للأسبوع الأخير من شهر آذار/مارس 2025م، أشار إلى أن وزارة النقل والمواصلات سهّلت ترخيص سيارتين جديدتين "دفع رباعي" للهلال الأحمر، بالإضافة إلى أخبار عديدة منشورة عن استقبال الهلال تبرعات بسيارات إسعاف جديدة.
"عدد الموظفين متفاوت حسب الظروف، فالهلال لديها 216 ضابط إسعاف و97 متطوعًا، وهؤلاء ملتزمين بالإسعاف والطوارئ، بالإضافة إلى 25 ضابطًا في القدس، ونحو 500 متطوع ميداني".
سألنا مدير الإسعاف عن سبب استمرار استقبال تبرعات بسيارات إسعاف جديدة، رغم وجود (105) سيارات إسعاف مصطفة في مقراتها، بينما العدد الذي تشغله في الوضع الطبيعي هو فقط 32 سيارة إسعاف فقط، أي أن الجمعية لديها فائض 73 سيارة إسعاف، اختصر جبريل السبب بالقول: "نجدد سياراتنا".
وحول الكادر البشري في الهلال، ذكر جبريل أن عدد الموظفين متفاوت حسب الظروف، فالهلال لديها 216 ضابط إسعاف و97 متطوعًا، وهؤلاء ملتزمين بالإسعاف والطوارئ، بالإضافة إلى 25 ضابطًا في القدس، ونحو 500 متطوع ميداني.
وقال: "جميع المتطوعين لديهم شهادات لتقديم خدمات الاسعاف، ولكنها تتفاوت في الدرجة من فئة لأخرى"، مؤكدًا أنه لا يوجد متطوع لا يملك شهادة إسعاف.
ضابط مسعف رفض ذكر اسمه: "أكبر مشكلة تعاني منها الهلال هي توظيف المتطوعين، الذين لا يملكون الكفاءة اللازمة للتعامل مع الحالات".
هذا أيضًا يتناقض مع ما قالته العديد من الأطراف في هذا التحقيق، بما فيها بعض المجالس البلدية، التي لفتت إلى غياب الكفاءة لدى متطوعي الهلال الميدانيين.
ويقول أحد الضباط المسعفين الذي يعملون حاليًا في الهلال الأحمر، (ورفض الكشف عن اسمه كي لا يخسر وظيفته): "إن أكبر مشكلة يعاني منها الهلال هي توظيف المتطوعين، الذين لا يملكون الكفاءة اللازمة للتعامل مع الحالات".
وأشار في هذا السياق إلى المشاكل التي تعاني منها غرفة العمليات المركزية، التي يراعى في كل دول العالم توظيف الأكثر كفاءة وخبرة فيها؛ لتتعامل مع الحالة حتى وصول سيارة الإسعاف إلى المستشفى، "إلا في فلسطين، حيث يتم توظيف متطوعين دون خبرة طبية".
"كنت أتلقى أوامر استجابة، ثم يتم إلغاءها نتيجة خطأ في موقع الحادث، أو أتلقى أوامر إسعاف دون معلومات حول المريض، وبالتالي خسارة المزيد من الوقت اللازم للإسعاف".
وأوضح أنه في مرات عديدة تلقى أمر تحويل من الغرفة إلى حالات مرضية بناءً على أنها مصابة بجلطة أو نوبة قلبية، وعندما يصل إليها يجد أنها حالة مختلفة تمامًا، فلا يمتلك المعدات اللازمة لإسعافها بناءً على التشخيص الأولي الخاطئ.
ويضيف: "في مرات عديدة، كنت أتلقى أوامر استجابة، ثم يتم إلغاءها نتيجة خطأ في موقع الحادث (يمكن أن يكون الحادث في مدينة أخرى)، أو أتلقى أوامر إسعاف من المقسم دون معلومات حول المريض أو كونه طفلًا رضيعًا مثلًا، والتوجه إليه "دون حاضنة"، وبالتالي خسارة المزيد من الوقت اللازم للإسعاف".
أين منظمة التحرير؟
ولما أن "الهلال الأحمر الفلسطيني"، يتبع لمنظمة التحرير الفلسطينية، توجهت معدة التحقيق لعضو اللجنة التنفيذية للمنظمة واصل أبو يوسف، الذي قال خلال لقاء معه: "منذ إنشاء الجمعية، وأنا أتابع عملها، وأقدم تقارير بخصوصها لمؤسسات منظمة التحرير، التي تتابع أوضاعها".
وبين أن أهمية الهلال تكمن بأنها المؤسسة الفلسطينية الوحيدة التي تعمل في القدس، وفي مخيمات الشتات، ضمن الإمكانيات المحدودة.
وأكد أبو يوسف أن المنظمة تعطي تمويلًا للهلال، دون التصريح بقيمة هذا التمويل، مشيرًا إلى أن هناك دعمًا ماليًا للجمعية من جهات محلية ودولية وإقليمية، ومن منظمة التحرير كذلك.
وفيما يتعلق بالأزمة المالية، قال: "كل مؤسسات البلد تعاني بسبب الأوضاع وقرصنة الأموال والحصار الاقتصادي"، مبينًا أنه لم تصلهم أي شكوى من أي بلدة أو قرية، تتحدث عن تقليص الهلال لخدماته.
"المنظمة تعطي تمويلًا للهلال. هناك دعم مالي للجمعية من جهات محلية ودولية وإقليمية، ومن منظمة التحرير كذلك".
واعتذر أبو يوسف عن الإجابة عن أسباب إغلاق مراكز الهلال، مؤكدًا أنه لا توجد لديه أي معلومات حول هذا الموضوع، وهو ليس محاطًا بهذا الأمر، وقال: "شوفي الهلال".
وفق المعطيات التي أوردها التحقيق، فالحاجة ماسة لاستمرار عمل جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، ومن هنا تنبثق حاجة أكثر إلحاحًا للرقابة على عملها، ومحاولة فهم حقيقة المشكلات التي تعاني منها وعلاجها، ورفع جهوزيتها لحالات الطوارئ كمؤسسة وطنية وحيدة، تقدم خدمة الإسعاف في الضفة الغربية وقطاع غزة وتعمل في القدس أيضًا.