شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 16 ابريل 2024م08:51 بتوقيت القدس

حالتها خطيرة..

"صاروخٌ" اخترق حُضن "الأمان".. وغدَر بـ"غزالة"!

16 مايو 2023 - 15:08

غزة:

في "المكان الآمن" الذي ظنّت أنه سيحمي قلبها الصغير من مشاهد الألم التي خبرتها في عدواناتٍ إسرائيليةٍ سابقة، غدرَها "صاروخ"! تنادي الطفلة التي تبلغ من العمر (13 ربيعًا) أمها بنبرةٍ ترتعش خوفًا "ابقي بجانبي أرجوكِ، لا أريد أن أموت وحيدة".

غزالة نصير (13 عامًا)، صاحبة الروح المرحة، والضحكة الرنانة، تحدثت لـ"نوى" من على سريرها في مستشفى الشفاء بغزة، عن لحظة انقلبت حياتها رأسًا على عقب بقرارٍ إسرائيليٍ "ظالم"، فصارت مهددةً بالشلل أو الإعاقة، بعدما كانت فراشةً تحلّق في سماء الحلم.

"نفسي أرجع منيحة، أرجع على مدرستي، وأجيب عروسة باربي جديدة بدل اللي انكسرت" تقول وهي تبكي، ثم سرعان ما تضع يدها على رأسها الذي لفّه الأطباء بالشاش الأبيض، بعد عمليةٍ جراحيةٍ أجرتها قبل يومين.

بصعوبةٍ تحاول استجماع قواها؛ لتروي ما حدث معها عندما أصيبت بشظايا صاروخ إسرائيلي لحق بها إلى بيتٍ انتقلت إليه برفقة شقيقها منذ أول أيام العدوان، التاسع من مايو/ أيار الجاري.

وإلى جوارها تجلس أمها، وتتمتم بكلمات الرضا والحمد رغم كل شيء، فقد حاولت جهدها حماية أبنائها التسعة من مصيرٍ خبرته سابقًا مع إحدى بناتها وزوجها، خاصة وأنها تسكن قرب الحدود شمال بلدة بيت حانون، شمالي قطاع غزة (شارع الزراعة).

تقول أم محمد: "منذ اليوم الأول للعدوان أرسلت طفلتي وشقيقها الذي يصغرها بعدة أعوام إلى بيت أختهما المتزوجة في شارع القرمان وسط البلدة. يومها أعتقدتُ أن المكان هناك أكثر أمانًا من البيت، لكن صواريخ الموت لحقت بهما إلى هناك".

عبر إحدى الإذاعات المحلية، التي لا يغلقها الفلسطينيون في أوقات العداون، سمعت أم محمد خبر قصفٍ طال شارع القرمان. اتّصلت وقلبها يسبق لسانها للاطمئنان على طفليها، فردّت ابنتها إيمان وهي تصرخ بجنون: "غزالة، غزالة يما نقلوها ع المستشفى"، ولم تكن الأم بحاجة إلى أي تفسير، فهبّت مسرعةً صوب المستشفى تسبقها دموعها، وخفقات قلبها المتسارعة.

حُوّلت الطفلة سريعًا إلى مستشفى الشفاء بغزة، وأُجريت لها عملية جراحية عاجلة. كانت مصابة بكسرٍ في الجمجمة واخترقت الشظايا دماغها. وهنا، قرر الأطباء إبقاءها تحت الملاحظة، وعدم الشروع بأي إجراءٍ طبيٍ آخر خشية تعرض الطفلة للشلل حال حدوث أي خطأ.

تناشد الأم التي كانت طوال الوقت تمسح على رأس طفلتها، بالإسراع في نقلها للعلاج خارج قطاع غزة، فالإبطاء بالأمر قد يدمر حياتها ومستقبلها أيضًا.

قصة أم محمد طويلة ومرهقة مع الصواريخ والاستهدافات، وحتى مع النزوح القسري من بيتها الذي تعرّض مرارًا لأضرار، كانت المشاهد المؤلمة تلاحقها كل مرة. حتى غزالة، التي كانت بعد كل عدوان، تعود إلى البيت فتجد الصواريخ قد اخترقت غرفتها وحطّمت كل ألعابها، وأحرقت دفاترها وأقلام التلوين.

في بداية كل عدوان، تُسارع أم محمد إلى مغادرة البيت مرغمة. في عام 2014م تعرّض أحد أبنائها للإصابة، وفي عام 2004م، حدث إطلاق نار إسرائيلي استهدف شارعهم، أصيب خلاله زوجها بجراحٍ خطيرة ومعه طفلتها نور، التي كانت تبلغ حينها عامًا ونصف حين كان يحملها بين يديه.

هنا تبتسم شابة في العشرين من عمرها، وتقول: "أنا نور. يحدثونني عن إصابتي الخطيرة ولكني نجوت، وأتمنى أن تكتب النجاة لشقيتي التي لم تكن ولدت حينها، مثلما أصبنا وسلّمنا الله أتمنى ان تنجو غزالة من إصابتها الصعبة".

تتدخل أم محمد لتقول: "ثلاثة شهور وأنا في المستشفى مع نور، حينها لم أعد للبيت ولو للحظة حتى سلّمها الله. أصيبت حينها برصاصة متفجرة في بطنها، وتسببت في أضرار جسيمة لها، ولكنها نجت".

أما غزالة ذاتها، فقصتها مع الرعب من القصف تُبكي الحجر، فالطفلة كانت تصاب بالرعب كلما سمعت صوتًا صاخبًا خشية أن يكون قصفًا، وخبرت نشرات الأخبار وتفاصيلها قبل الأوان.

تقول أمها: "لا تفارق ابنتي نشرات الأخبار. تصابُ بالهلع الشديد كلما شَعَرت أن هناك قصفًا، وتسأل بشكلٍ دائم: هل تتوقعون أن تحدث حرب".

تعقّب شقيقتها إيمان بالقول: "غزالة كانت تتابع الأخبار منذ أن وصلت بيتي، وكانت كلما نطقتُ كلمة حرب، تقاطعني وتقول (أمانة ما تقوليها، يا رب ما يصير شي)، لكن في يوم إصابتها، استيقظت من النوم وأخبرتني أنها رأت في المنام صاروخًا يسقط في شارعهم، وأن هناك إصابات".

تمسح أمها دموعها، وتعقب بحرقة: "كابوسها صَدَق، والإصابة كانت من نصيبها هي".

في مرةٍ، وخلال تصعيدٍ إسرائيليٍ صعب، كانت أم محمد تنقل أطفالها من غرفهم إلى أكثر مكان تعتقد أنه آمن في البيت، وبمجرد أن نقلت غزالة، اخترقت رصاصة شباك المكان، وضربت المقعد الاسفنجي "الكنبة" حيث كانت غزالة. "هذه المفارقات، جعلت الطفلة أكثر خوفًا وهلعًا من أصوات القصف والصواريخ والرصاص، لا سيما تلك التي تعرف جيدًا أنها قادمة صوب بيوت الناس سكان الحدود.

تعود غزالة للحديث عن أُمنياتها في الحياة: "نفسي أكون مهندسة، أحب الهندسة، أحب البحر، أحب اللعب مع صديقاتي، ولعبة الباربي التي تكسّرت".

التعب منع إيمان من مواصلة الحديث، فتدخلت شقيقتها لتكمل: "تهتم بالمكعبات وبناء المجسمات والبيوت، تحب دراستها ومطيعة جدًا لأمي. كلما أحضَرَت شيئًا توزعه على الأطفال من حولها.  تحب غزالة اللعب في حلقات، وتتمنى لو أن الحرب لا تعود، وأن لا يموت الأطفال أو يصابوا بأذى".

تحب غزالة اللعب مع عددٍ كبير من الأطفال، لكنها اليوم ترقد وحيدة على سرير الشفاء. تتمنى العودة إلى المدرسة، وحضن أمها وألعابها الجميلة، وسريها الدافئ، الشاهد على أحلامٍ مهددّة بالشلل ما لم تُعالج بسرعة.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير