شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 ابريل 2024م19:34 بتوقيت القدس

ليان مدوخ.. قصة "عصافير الجنة" بغزة

14 مايو 2023 - 10:47

قطاع غزة:

"عصفورةٌ في الجنة"، وهل يصبحُ الإنسان طيرًا؟ ربما يحدث ذلك حقيقةً في الجنة. يواسي الناس أنفسهم في هذه البلاد عندما يفقدون "رجاء عيونهم".. "أطفالهم" الذين لا يعرفون عن الحياة إلا أنها مكانٌ يأكلون فيه السكاكر، ويلعبون الكُرة.

ليان مدوخ، أو "فراشة" البيت -كما تصفها أمها- قُتلت بنيران العدوان الإسرائيلي الذي استهدف قطاع غزة الثلاثاء الماضي بشظيةٍ اخترقت رأسها، عندما أفزعها صوت صاروخٍ قريب، فاختلست إليه النظر عبر شباك الغرفة دون وعي. "وهنا انتهت رحلتها القصيرة في هذه الدار، وغابت إلى دار الخلود" تقول.

ترثيها أختها الكبرى روان بالدمع، وتتمتم بصوتٍ بالكاد يُمكن سماعه: "راحت ليان.. آخر العنقود وفاكهة المنزل. الطفلة التي تُحب الحياة، الطيّبة التي تطبطب على أكتاف المتعبين منّا، و"الحبيبة" التي تهوّن الهموم، "الكبيرة" في عقلها، وطموحها، وأحلام المستقبل. راحت".

تدرس روان الطب البشري، وتعيش هول الصدمة التي لم تُفق منها بعد! نيران الفقد تشتعل في قلبها وقلوب أفراد العائلة الذين قدموا لـ"زّفة ليان"، نيرانٌ لا يستطيع أن يخمدها أحد. ولن يستطيع.

تضيف: "كانت تحب لبس "الكوت الأبيض" الخاص بي. كانت تتمنى أن تصير طبيبة، ولهذا كانت تهتم بكتبي، وتحاول القراءة فيها أحيانًا! جلست إلى جانبي قبل استشهادها بيوم لأشرح لها عن "مخ" الإنسان الذي كنت أدرسه، وقد سألتني عن أدق تفاصيله، ثم تساءلت بعد أن أدهشتها المعلومات: يعني أنا مخي فيه كل هادا؟، ضحكتُ لها ولكنني لم أعرف أنني سألتقط مخها بيدي بعد إصابتها".

تناثرت أجزاء من مخ ليان بفعل الشظية المباشرة، يبدو الأمر مفجعًا قاسيًا، ويقتل كل من عرف الطفلة. "كيف انتزعها الموت هكذا دون مقدمات؟ كيف يأخذ روح صاحبة الروح المرحة والطاقة الإيجابية؟ كيف سأدخل غرفة نومي أنا وأمها، ودمها عالق على الخزانة وعلى السقف وعلى الستائر والأرض؟" يتساءل والدها بلال بقهرٍ وغصة. 

ويزيد: "كانت تطلب الدعاء لها قبل أسبوعين، كأنها شعرت بأن الموت يدنو منها. لا أعرف كيف لهذا المعنى أن تفهمه هذه الفراشة، أو أن يكون جزءًا من قصتها القصيرة على سطح هذه البقة المدماة غزة".

يخبرنا والدها بأن ابنته "الملاك" كانت تحب المدرسة، وقد رأت نفسها طبيبة لتأثرها بشقيقتها. أحبت الشعر وألقته باستمرار في إذاعتها المدرسية، لكن مكانها اليوم تحوّل لجحيمٍ بذكريات الفقد، التي ستقتل شقيقاتها وأشقائها الأربعة، بل كل أبناء وبنات عمها الذين يعيشون في المنزل ذاته.

قاطعه عمها ياسر فقال وقد انفجر بالبكاء: "طفلي يرفض الدخول إلى المنزل بعد أن شاهد ليان تخرج بدمها منه نحو المستشفى. طوال الوقت يريد أن يبقى أحدنا معه، ويرفض الجلوس وحده ولو لدقيقة!"، وكأن لسان حاله يتوسل إليهم بأن لا يتركوه يموت وحيدًا.

ربما كان خيار الموت أمام الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة هو الأقرب للواقع، خيار إجباري لا ثاني له تحت العدوان الإسرائيلي الذي انتزع أرواح 35 فلسطينيًا، بينهم سبعة "عصافير".

ميار وعلي عزالدين، هاجر البهتيني وإيمان عدس، يزن عليان وليان مدوخ وتميم داوود. ليبقى التساؤل المر المتكرر: "من يحمي أطفال غزة؟ من يرمم انكسار الفقد في قلوب أحبابهم؟" أهالي قطاع غزة ينتظرون إجابة.

كاريكاتـــــير