شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 ابريل 2024م18:38 بتوقيت القدس

"غربان الظلام" تعصف بأحلام شباب غزة

26 مايو 2021 - 21:14

غزة:

تمضي الأيام منذ أن أطاحت غارات جوية إسرائيلية بـ"لمح البصر" بأحلامه البسيطة، والشاب الثلاثيني رمضان النجيلي لا يعرف من النوم إلا قليله، والدموع تكاد لا تفارق عيناه، حزناً على مكتبته الصغيرة التي أفنى عشرة أعوام من عمره من أجل امتلاكها وأصبحت "أثراً بعد عين".

خسر النجيلي (35 عاماً)، وهو مهندس حاسوب، مكتبة "رؤية" التي تقدم خدمات طباعة وخدمات جامعية، وكان يمتلكها في عمارة كحيل بمدينة غزة، وهي مبنى تجاري مؤلف من سبعة طوابق يضم عدداً من المشاريع الاقتصادية والتجارية الصغيرة، وقد انهار على ما فيه بفعل أربع غارات جوية إسرائيلية.

ويقول النجيلي لـ "نوى": "هذه الغارات لم تدمر الحجارة والجدران فقط، ولكنها أعادتني عشرة أعوام إلى الوراء، وعصفت بأحلامي وتعبي لسنوات طويلة من أجل تأسيس هذه المكتبة التي كنت أصل ساعات الليل بالنهار وأنا أتطلع لليوم الذي أحولها إلى شركة طباعة".

بكاء فوق الركام

عمل رمضان لسنوات طويلة كعامل بسيط في مؤسسة للخدمات الطلابية والجامعية من أجل توفير المال وتحقيق حلمه بامتلاك مكتبة وشركة طباعة، ويقول والدموع في عينيه: "رأيت سنوات عمري وأحلامي تنهار أمامي في جريمة غير مبررة".

وأضاف: "لم نعد نمتلك سوى الملابس التي نرتديها، فقد كنت أقيم وزوجتي وابني الوحيد هشام (3 أعوام) في شقة سكنية في العمارة ذاتها، وانهارت مع شركتي كما انهار كل شيء".

عبثاً حاول رمضان تقليب أكوام الحجارة؛ بحثًا عن أي شيء ربما يكون نجا من القصف، وقال: "أصبحت بلا مأوى وبلا عمل أو مصدر رزق".

منذ توقف الحرب مع إعلان وقف إطلاق النار، بعد 11 يوماً من القتل والتدمير، يأتي رمضان يومياً من مدينة رفح جنوب قطاع غزة حيث يقيم وأسرته حالياً لدى عائلته، ويقضي نهاره يتأمل "كومة الركام" التي دُفنت تحتها أحلامه و"شقاء السنين".

كان النجيلي قد اصطحب أسرته، قبل أيام معدودة من استهداف عمارة كحيل، بعدما شعر أن خطراً محدقاً يقترب منهم، ولجأ إلى عائلته في رفح، بعد ليلة مرعبة شنت فيها مقاتلات حربية إسرائيلية غارات مكثفة وعنيفة على شارع الثلاثيني، ومبان حكومية ومنشآت مدنية قريبة.

يقول النجيلي: "في تلك الليلة شعرت برعب حقيقي على أسرتي، وفي الصباح ورغم المخاطر وفي ظل تحليق مكثف للطيران الحربي في الأجواء توجهت بهم إلى عائلتي في رفح طلباً للأمان".

ورغم مشاعر الحزن الشديدة التي تسيطر على النجيلي، وتظهر جلية على قسمات وجهه واحمرار عينيه، إلا أنه يقول بإصرار: "سأبدأ من جديد ومن الصفر، ولن أستسلم".

انهيار حلم

كثيرون مثل النجيلي نجوا بأرواحهم وخرجوا من منازلهم بملابسهم فقط، ولم يعودوا يمتلكون شيئاً بعد دمار مشاريعهم وأماكن عملهم، وتشير التقديرات إلى أن القصف الإسرائيلي نال من 17 ألف وحدة سكنية، وعشرات المصانع والمنشآت التجارية ومئات المحال التجارية الصغيرة والمتوسطة.

في عمارة كحيل نفسها، التي وجد فيها الشاب شعبان اسليم مكاناً مناسباً لمشروعه "مكتبة اقرأ الجديدة"، كونها في طريق حركة الطالبات والطلاب بحكم موقعها الجغرافي القريب من جامعات رئيسية في غزة، ويقول لـ"نوى": "لقد دمروا حلمي وكل ما أملك".

بعد عمله عاملاً في مكتبة لسبعة أعوام، نجح شعبان (33 عاماً) في افتتاح مكتبته عام 2016، وكانت بالنسبة له "حلم الحياة"، وقد أنفق فيها كل مدخراته التي جمعها على مدى سنوات من العمل والتعب.

بغضب يقول شعبان: " أصابتني صدمة عندما علمت بتدمير العمارة التي تضم مكتبات ومراكز دراسات وخدمات طلابية، وشعرت أن أحلامي وحياتي تنهار أمامي في لحظة قاسية".

يعمل شعبان وشقيقاه في المكتبة، وهي بمثابة مشروع عائلي تعتاش منه 3 أسر مكونة من 20 شخصاً.

وتختص مكتبة "اقرأ الجديدة" كمثيلاتها من المكتبات المدمرة، بالكتب الثقافية وتقديم خدمات طلابية جامعية، وقال شعبان ساخراً: "يبدو أن إسرائيل أضافت الكتب إلى بنك أهدافها".

ويعتقد شبعان أن الاحتلال سعى من خلال قصف المكتبات وتدميرها إلى "ضرب الثقافة واستهداف الطبقة المتعلمة والمثقفة.. إسرائيل لا تريد وعياً أو ثقافة.. تريد جيلاً لا يهتم بالتعليم، ولا يشكل خطراً عليها، فهي تعي خطورة الاستثمار في المكتبات والمشاريع العلمية والثقافية.

أمل رغم الدمار

ومن بين عدد كبير من المنشآت التجارية في "برج هنادي" فقد الشاب الثلاثيني محمد قدادة شركته الخاصة بالتسويق الإعلاني، التي تهاوت مع البرج المكون من 13 طابقاً، وهو الأول الذي يتعرض لقصف جوي إسرائيلي خلال الحرب الإسرائيلية على غزة.

كان محمد و30 موظفاً يباشرون أعمالهم في الشركة قبيل تلقي البرج انذاراً بالقصف، لكن الوقت الممنوح لهم لم يكن كافياً لإخلاء الأجهزة والمعدات فتركوها لتبتلعها النيران، ويقول لـ"نوى": "خسائرنا فادحة، ليست المباشرة فقط، وإنما غير المباشرة أيضاً.. أرشيف العمل منذ تأسيس الشركة قبل ستة أعوام، وكثير من الذكريات".

وأضاف: "أسست الشركة جزءاً جزءاً، وكنت أرقبها تكبر يوماً بعد يوم وكأنها طفلي الصغير، قضيت الكثير من الوقت في العمل وكلي أمل في مستقبل أفضل وأجمل، لينهار كل شيء بكبسة زر من طيار معتدٍ مجرم".

ليوم كامل بعد القصف عاش محمد تحت تأثير الصدمة، لا يريد تصديق ما حدث، شاهد مرات ومرات مقاطع مصورة للبرج وهو يرتطم بالأرض وتتصاعد منه أعمدة الدخان الأسود بفعل الغارات الجوية العنيفة التي استهدفته، ومع ذلك كان يحدث نفسه ويقول: "لعله خبر كاذب".

وبعدما أفاق محمد الذي يعيل أسرتين من ستة أفراد، من هول الصدمة، تحوّل وباقي الموظفين للعمل من منازلهم عبر الانترنت، ويقول: "سنعيد البناء وسنتمسك بالأمل ما استطعنا إلى ذلك سبيلا".

للحرب الإسرائيلية على غزة وجوه كثيرة من القسوة والمعاناة.. ضحاياها لا ينزفون دماً فقط، فالنزيف قد يكون أحلاماً ومستقبل وحياة.

مكتبة رمضان النجيلي قبل القصف وبعده

مكتبة شعبان اسليم قبل القصف وبعده 

مكتب محمد قدادة قبل القصف وبعده

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير