شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 28 مارس 2024م21:36 بتوقيت القدس

 فُقد في سفينة أيلول 2014م

"مهند" حي في صورةٍ مسربةٍ من "الأنفوشي"!

02 اكتوبر 2020 - 22:58

"أطلقوا سراح ابني مهنّد، كنتُ أعرفُ أنه حيٌ يُرزق وقلبي دليلي، ابني مفقودٌ منذ 6 سنوات هو وزوجته، وهذه الصورة تم تسريبها حديثًا من مركز شباب الأنفوشي"، مُرفقةً بهذه الكلمات، نشرت السيدة سمر الريس في صفحتها عبر "فيس بوك" صورةً تضمُ مجموعة سجناءٍ يفترشون الأرض.

ثم أتبعتها بمناشدةٍ سطرتها للرئيس الفلسطيني محمود عباس، للتحرك العاجل من أجل الإفراج عن ابنها المفقود وزوجته، ضمن (450) شخصًا اختفوا بعد حادثة سفينة الإسكندرية بتاريخ السادس من أيلول/ سبتمبر لعام 2014م.

وفي التفاصيل: فإنه وبعد العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة في عام 2014م، آثر عشرات الشبّاب والعائلات ترك قطاع غزة، بعد أن دمّرت "إسرائيل" غزة وكل ما بنوه من أحلامٍ فيها على مدار 51 يومًا، لكن ما كان أمامهم من خيارٍ سوى "الهجرة غير الشرعية"، هربًا من واقع الفقر والحصار، وبحثًا عن حياةٍ أفضل، فكانت الطريق دخول مصر، ومنها السفر عبر سفن تهريبٍ عبر الإسكندرية إلى شواطئ أوروبا.

وفي السادس من أيلول من عام الحرب نفسها، كان يفترض أن تقل سفينةٌ من هذه السفن 450 شخصًا بينهم 250 فلسطينيًا من قطاع غزة، وآخرين من جنسيات مختلفة. اختفت السفينة بمن عليها، وظلت الأخبار منذ ذلك الوقت تتضارب، بينما يجاهد أهالي المفقودين –حتى اللحظة- في البحث عن أي معلومةٍ تقودهم إلى العثور على أبنائهم، والبحث استمر فيما بات يُعرف إعلاميًا بـاسم "قضية مفقودي سفينة الإسكندرية"، لكن لم تصل بخصوصها أي أخبارٍ مؤكدة.

السيدة الريس (أم خليل)، والدة الشاب مهند لظن، وهي واحدة من النساء اللواتي فقدن أبنائهن في الحادثة، تقول: "البحث عن مصيرهم استمر كل هذه السنوات، وكل الأخبار تشير إلى أنهم على قيد الحياة".

كان مهند (المولود عام 1984م) كما غيره من الشباب الفلسطيني في قطاع غزة، يعيش ضيق الحال بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور نتيجةً للحصار الإسرائيلي، هو خرّيج دبلوم صناعة، عمل مع والده في محله ببيع قطع غيارات السيارات، إلى أن منعت "إسرائيل" دخولها قبل العدوان الإسرائيلي الأول 2008م، فاشتد به وبعائلته ضيق الحال.

عانى الأب من أزمةٍ نفسيةٍ حادة، قبل أن يستشهد خلال عدوان 2008- 2009م، بقصفٍ على منزلهم، نجمَ عنه أيضًا إصابة زوجته "أم خليل".

تضيف لـ "نوى": "بعد استشهاد أبيه، عمل مهند في المحل دون جدوى، حتى جاء العام 2012م، وكان موعد العدوان أو "الحرب" الثانية، آنذاك، شعر مهند بأن الحياة بدأت تضيق على مستقبله كثيرًا، فقرر السفر للبحث عن عملٍ في مصر، وهناك تزوج شقيقة زوجة أخيه، واسمها عايدة عبد الفتاح، وهي مصرية".

تتابع: "زرتُهُ في مصر عام 2014م للتعرف على زوجته، طرح عليّ فكرة السفر خاصةً وأنه تعرض للكثير من المضايقات نتيجة عدم حصوله على الإقامة، وفي كل مرة، كان يتم حل المشكلة كون زوجته مصرية"، مؤكدةً بأسى أنها كانت ترفض سفره، إلا أنه شعر بالحماسة للفكرة بعد سفر شقيقه إلى السويد "في ذلك الوقت، عرضت عليه زوجته بيع ذهبها كي يسافرا سويًا، لكنني اقترحت هليهما افتتاح مشروعٍ يغنيهما ذل السؤال" تردف.

سمر الريس:أبو حمادة السوري، طمأنني الرجل أن كثيرين يسافرون

عادت الأم إلى قطاع غزة وحدثت حرب 2014م التي أعقبتها موجة الهجرة، ولأجل الصدفة، فإن أم مهند أرسلت لابنها عقد زواجه "الذي كان أرسله معها لتصديقه في محاكم غزة" مصدقًا، مع شابٍ مسافرٍ إلى مصر، ليخبره الأخير ضمن حديثٍ عابرٍ بأنه يريد الهجرة عبر البحر، فتعود الفكرة لتحوم في رأس مهند الذي عاود الحديث مع أمه هاتفيًا ليستشيرها، فرفضت ذلك قطعًا.

تكمل :"طلب مني مهند التحدّث إلى مالك المركب، وكان اسمه أبو حمادة السوري، طمأنني الرجل أن كثيرين يسافرون، كنت على تواصلٍ يوميٍ مع ابني حتى يوم الحادثة، الجمعة 6/9".

في ذلك اليوم، اتصل مهند بأمه، يطلب منها عدم الاتصال به بتاتًا، بسبب ملاحقة الجيش لمن يحاولون الهجرة، معاهدًا إياها بالاتصال مباشرةً في أقرب فرصة.

انتظرت الأم حتى اليوم التالي، لكن مهند لم يتصل، اتصلت هي، لكن الشبكة كانت مفقودة، تذكرت "أبو حمادة" فاتصلت به تسأله، فإذا به يفاجأ بسؤالها عن مهند الذي كان يعتقد أنه سافر منذ ثلاثة أيام، ثم أخبرها قبل أن يغلق السماعة بأن الليلة الماضية شهدت إطلاق نار على مهاجرين، وقد سقطت  حقائب في عرض البحر، وأن وضع السفينة الأخيرة ليس على ما يرام.

هنا بلغ قلب الأم محجره وبدأت رحلة البحث الشاقة، لم تصل للأم أي أخبار حتى انتصف الأسبوع، ففوجئ عدد من أهالي مفقودين، باتصالٍ من سيدةٍ من مصر قالت إن اسمها "دعاء"، وادعت أنها ناجية من غرق المركب. حصلت أم خليل على رقمها، واتصلت بها تسأل، لكنها "قدمت رواية غير مقنعة حول غرق المركب، حتى أنها أكدت لها غرق مهند وزوجته. ما أكد لأهالي المفقودين حينذاك كذب الرواية، أن بعضهم كانوا يزودونها بأسماء وهمية قالوا إن أصحابها كانوا في المركب، فأكدت لهم أنها رأتهم يغرقون.

توالت روايات غير مقنعة لأربعة أشخاص، ادعوا أنهم نجوا من الغرق، وهم من قطاع غزة، ولكن كيف اختفى المركب دون أي أخبار؟

توالت روايات غير مقنعة لأربعة أشخاص، ادعوا أنهم نجوا من الغرق، وهم من قطاع غزة، ولكن كيف اختفى المركب دون أي أخبار؟ أين ذهبت الجثث؟ طالبت العائلات في غزة بصور الأقمار الصناعية التي يمكن أن توضح ما جرى، لكن لم يتعاون معهم أحد.

سريعًا، تعرّف أهالي المفقودين على بعضهم، وباتوا يتداولون الأخبار فيما بينهم وينظمون الفعاليات، عائلة منهم مثلًا فقدت 28 فردًا ما بين رجال ونساء وأطفال، علموا من ممرضة أن ابنتهم نهاية بكر وضعت مولودًا ذكرًا في السجن، وبالفعل كانت السيدة حامل، ويُفترض أن تلد في ذات الفترة التي تحدثت عنها الممرضة، بحثوا مجددًا عن الممرضة، إلا أنها اختفت وقيل إنها توفيت بحادث سير.

تضيف السيدة سمر: "عام 2016م ذهبتُ إلى مصر، عائلةُ مفقودين هناك أكدوا أنهم كلما وصلوا إلى طرف خيط تنقطع المعلومات، أما زميلتها أم وائل وشاح، وهي مصرية وابنها وائل مفقود أيضًا، فكل المعلومات التي حصلت عليها من مسؤولين التقتهم، تؤكد أن أبنائهم أحياء.

رحلة البحث لم تتوقف، فالسيدة سمر زارت السفارة الفلسطينية في مصر، التي أكدت عدم علمها بالأمر، وكذلك تواصلت مع اللواء ماجد فرج الذي طلب منها ثلاثة أيام لمتابعة الأمر، وبعد انقضاء الأيام أخبرها أنه لا معلومات لديه، سألته إن كان ابنها قد توفي؟ كي تستخرج له شهادة وفاة، فأجابها: "لا أؤكد لك ذلك".

سافرت أم خليل إلى بلجيكا عام 2017م، بغرض العلاج من آثار إصابتها بالصاروخ الذي أدى إلى استشهاد زوجها عام 2009م، حيث ما زالت تعاني من آثار صحية، ناهيك عن تبعات حالة الاضطراب النفسي التي تعيشها بسبب فقدان ابنها وزوجته.

سمر الريس: الصورة تعود لعام 2014م هكذا كان شكله، هذا يعني أنهم على قيد الحياة

قبل يومين، فوجئت السيدة سمر بصورة نشرها صحفي على صفحته بموقع تويتر، قال إنها لسجناء في نادي الأنفوشي، الصورة أثارت ضجةً لدى أهالي المفقودين، فهي تعرفت على ابنها مهند نائمًا في الصورة، وتؤكد لـ"نوى": "هذه الصورة تعود لعام 2014م هكذا كان شكله، هذا يعني أنهم على قيد الحياة".

تضيف :"لست أنا فقط من تعرفت على ابني، هناك أيضًا عائلة الرنتيسي، تعرفوا على ابنهم في الصورة التي أحيت فينا الأمل من جديد"، وناشدت كافة الجهات المسؤولة بعدم التخلي عن مسؤولياتهم تجاه أبناء قطاع غزة "المفقودين منذ 6 أعوام"، والذين تركوا وطنهم بحثًا عن حياةٍ تنقذهم من واقعهم السيء.

تضيف: "قضيتهم يجب أن تبقى حية، 250 إنسانًا من قطاع غزة، لأمهات لا يعرفن مصير أيٍ منهم، وزوجاتٍ لا يعرفن إن كانوا أرامل أو أن عليهن انتظار الزوج المفقود، وأطفال يعيشون بانتظار آبائهم، لا يعلمون هل هم أيتام، أم أن آبائهم على قيد الحياة! معظم هذه العائلات اليوم تعيش بلا معيل، فالمعيل غامر بحياته، ليجد لهم حياةً أفضل".

وناشدت السيدة سمر، كافة وسائل الإعلام من أجل تحريك القضية من جديد، والضغط على الحكومة الفلسطينية، وعلى كل من يستطيع المساعدة كي يتم الإفراج عن أبنائهم، وناشدت الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بضرورة التدخل السريع لضمان عودتهم إلى عائلاتهم فورًا.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير