شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م12:15 بتوقيت القدس

قصة مجد الذي حلم بحياة أفضل فاختفت أخباره

21 نوفمبر 2018 - 06:43
شيرين خليفة
شبكة نوى، فلسطينيات:

المغازي:

أربعة أعوام ونيّف وما زالت السيدة أم مجد اسماعيل تقلّب خزانة الملابس الخاصة بابنها مجد والذي خرج من غزة قبل أربعة أعوام باحثًا عن حياة أفضل بعد أن أُغلقت في وجهه السبل في قطاع غزة القابع تحت الحصار منذ 12 عامًا، فاختفت أخباره منذ ذلك الحين حتى الآن.

القصة بدأت مع الشاب مجد اسماعيل (المولود بتاريخ22/7/1989)؛ خرّيج التمريض عام 2011 والذي اجتهد كي يتميز ليحصل على وظيفة، إلا أن بحثه المتواصل لثلاث سنوات قضاها في العمل التطوعي والمجتمعي والحصول على المزيد من الدورات التي تنمّي مهاراته، لم تشفع له أمام ظاهرة الفقر والبطالة التي تضرب قطاع غزة وتتصاعد منذ سنوات حتى تجاوزت 49% وفق تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

عقب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014، أدرك مجد أنه لم يعد من مجال للبقاء، وهنا تروي والدته:"عندما أتمّ 25 عامًا من العمر قال لي "شو المستقبل اللي بينتظرني، صار لازم أسافر"، وتضيف إنها رفضت فكرة سفره خوفًا على نجلها البكر، لكن أمام إصراره وعدم وجود أفق اضطرت للصمت.

تقول أم مجد وهي أم لخمسة أبناء:"بعد أن فقد الأمل في الوظيفة لم يترك مهنة إلا وجرّبها، اشتغل كعامل في مصنع للباطون، ثم في مصنع للبسكويت، وبعدها اشترى تكتك وحاول العمل كموزّع بضائع، لم يتردد أمام أي مهنة، كلها كان يعتبرها جهاد مع الحياة، ولكن حتى هذه لم يعد لها مستقبل".

أبلغ مجد والدته نيته السفر، وخرج من معبر رفح الحدودي بتاريخ 28/8/2014 برفقة اثنين من أصدقائه (م س) و (ت ض)، وبقي على تواصل مع والدته حتى وصل الإسماعيلية ومنها انتقل إلى مدينة الاسكندرية حيث يفترض أن يسافر برفقة صديقيه عبر مركب صوب سواحل أوروبا ومنها كانت وجهته نحو بلجيكا.

هنا تؤكد :"في الليلة التي يفترض أن يركب فيها مجد القارب بتاريخ 6 سبتمبر 2014 اتصل بي في العاشرة والنصف مساءً وقال أنه وصديقيه لن يسافروا، بسبب خلاف نشب مع صاحب القارب الذي أصرّ أن يركبوا قارب قديم إلا أنهم رفضوا".

كان هذا هو الاتصال الأخير بين مجد ووالدته قبل أن تختفي أخباره تمامًا لتصل في ذات الليلة أخبار كانت كالفاجعة على فلسطين، غرق مركب في البحر المتوسط على بعد 300 مترًا من سواحل مالطا يقلّ مهاجرين/ات فلسطينيين/ات وسوريين/ وجنسيات أخرى، لم ينجُ منهم حينها سوى 11 فردًا، واختفت أخبار البقية فيما بات يُعرف بقضية "مفقودي سفينة الاسكندرية"، لتتضارب الأخبار حول أن بعضهم غرق والبعض الآخر موجود في السجون المصرية وفقًا لشهادات شهود تم اعتقالهم هناك وأفرج عنهم.

تقول أم مجد:"منذ ذلك اليوم وأنا أتابع أخبار كل من يتم الإفراج عنه، تلقيت شهادة من أشخاص قابلوا مجد في سجن العازولي بالاسماعيلية وقالوا أنهم قابلوا أشخاصًا لهجتهم فلسطينية، كما التقت بشاب آخر مفرج عنه من ذات السجن التقى أحد صديقيّ مجد، الأخبار التي لديّ تقول أن ابني على قيد الحياة ولكن لا يوجد أي دليل".

تواصل أم مجد البحث خلف كل مفرج عنه من السجون المصرية، وكل زيارة للوفد الأمني المصري تناشد هي وباقي أهالي المفقودين أن تلتقيهم من أجل إيصال رسالتهم، هناك عائلات بأكملها اختفت، كل ما كانوا يبحثوا عنه هو حياة أفضل في ظل واقع سيء يعيشه قطاع غزة، السفر بالقارب كان خيارًا مرّا لشباب فقدوا الأمل في الحياة.

ترتّب أم مجد غرفة ابنها وكأنه موجود فيها، وتصرّ على أنه سيعود، بعض الشهادات التي سمعتها، نبض قلبها الذي جاوره جنينًا يقول أن مجد لم يطويه الموت، حين تركته بغصة قلب يذهب ليبحث عن حياة أفضل، كانت تُأمّل نفسها بأنها ذات يوم ستحمل بين يديها طفلته أو طفله، لكنها حتى الآن لا تحمل سوى صوره وأوراقه الثبوتية وشهاداته وتجوب بها المؤسسات بحثًا عن خيط يقودها إلى فلذة كبدها لتداوي شوق أم يصّرُ قلبها أن ابنها سيعود.

تقول أم مجد:"ابني شاب مهذب وأنيق، كان يتحسس ملابسه بدقه قبل ارتدائها، يكويها ويضيف القليل من العطر عليها، جادّ في كل مراحل حياته منذ كان تلميذًا في المدرسة، لا همّ له سوى الدراسة والنجاح والمعدّل المرتفع، كنت أرى أن ابني ومن هم مثله يجب أن يكون مستقبلهم أفضل ولكن هذا هو حالنا".

ويبقى الأمل رفيقًا للسيدة التي اعتادت زيارة كل من يتم الإفراج عنه من مصر علّها تسمع ما يشفي صدرها مرة أخرى، وهي لا تريد الآن سوى لقاء الوفد الأمني المصري من أجل الحديث حول عشرات الشبان الذي قرروا البحث عن حياة أفضل فطواهم الغياب.

كاريكاتـــــير