شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م12:27 بتوقيت القدس

يجمعهما حبّ المهنة وفنجان قهوة

ناهدة وانتصار مُسِنّتان تُحولان القش لمقتنيات تراثية

24 ديسمبر 2022 - 17:37

سلفيت :

صباح كل يوم تتصل ناهدة نايف "60 عامًا"، بجارتِها انتصار بوزية "62 عامًا"، تطمئن على حالها وتنتظرها لاحتساء فنجان قهوة، فإن لم تكن في البيت تعاود الاتصال لاحقًا.

اعتادت الحاجتان من بلدة كفل حارس بمحافظة سلفيت أن تجتمعان تحوطهما أكوام القش المُلوّن فتصنعان منه الصواني التراثية الصغيرة والكبيرة والجاطات والسِلال والقفاف وغيرها.

تروي ناهدة "لنوى":" نقضي وقتًا ممتعًا في ممارسة مهنة تراثية تعيش فينا وتعيدنا إلى الماضي الجميل، ونكسر وحدتنا بالحديث في كل مناحي الحياة فكلتانا تعيش في بيتها وحيدة وفي كثير من الأحيان نشغل التلفاز على إذاعة القرآن الكريم ونستمع بخشوع".

 اعتادت ناهدة على إعالة نفسها منذ طفولتها، بل وكذلك اعتادت على مساعدة أبيها المريض في إعالة إخوتها الأصغر وعددهم سبعة خاصة في توفير ملابس وكتب المدرسة.

تركت دراستها هي وأختها الأكبر منذ كانت في عمر الثالثة عشر، فكانتا تذهبان عند إحدى الجارات تصنعان صواني القش منذ الصباح حتى المساء، تحكي:" لا يقطع عملنا سوى موعد الغداء نذهب فيه لبيتنا ثم نعود للعمل".

كبرت ناهدة وتزوجت لكن القدر لم يكتب لها أن تستمر في زواجها، في حين أنها لم تنجب أولادًا.

أما انتصار فحالها لم يختلف عن جارتها سوى أنها أنجبت ابنة استطاعت أن تساعدها في الدراسة والحياة من خلال عملها في القش حتى باتت دكتورة جامعية تُدرس في جامعةٍ في النقب المحتلّ.

انتصار لم تكتف بالعمل في القش، فأي عملٍ شريفٍ يصادفها لا تتردّد في القيام به من أجل توفير لقمة عيشها، توضح لنوى: "قد أعمل منظمةً للأفراد في صالات الأفراح أو مساعدة النساء في أعمالهن البيتية بمقابل مادي جيد، أو قطاف الزيتون وغيره حسب الموسم، لكن أحب الأعمال إليّ العمل في القش نظرًا لأهميته وقيمته التراثية".

وعن تجهيز القش تقول:" في موسم حصاد القمح أذهب لأقشِّش فأنتقي سيقان القمح المناسبة بعد فصلها عن السنابل وغالبًا ما يكون هذا في شهر يونيو".

وتضيف:" قبل صناعة الصواني والمقتنيات الأخرى من القش أقوم بوضع السيقان في الماء، لمدة تزيد على الساعتين، لتصبح لينة فلا تنكسر، ثم أضعها في ماء على النار مخلوط بالصبغة المختلفة الألوان لتزيين الصواني بألوان مميزة".

وتتابع:" وبعد ذلك نتركها في الشمس لتجف بضعة أيام نقوم خلالها بتقليبها، ثم نبدأ بصناعة ما نشاء من مقتنيات تراثية مميزة، وذلك العمل يكون في أي وقت شئنا من السنة، وغالبًا ما يكون في الشتاء حيث نستأنس مع بعضنا في تشكيل القش خاصة وأننا نقضي في الشتاء وقتًا طويلًا في البيت".

وكانت صواني القش تُستخدم لتقديم الطعام، وتغطية الأواني، ومنها ما يستخدم لخبز الطابون (فرن بلدي)، ولها استخدامات عديدة، وحين كان يتزوج شخص عزيز على العائلة، أو يقومون بزيارة مريض، أو يهنئون العائد من السفر، يقدمون له قطعة من هذه الصواني كهدية، وكانت القفاف المصنوعة من القش تستخدم قديماً في جني ثمار العنب والتين.

وتحصل الحاجتان ناهدة وانتصار على القش من ابن البلدة مطاوع بوزية، الذي عشق الأرض والتراث وعني به أيّما اعتناء فترك مساحةً خاصة في أرضه لزراعة القمح لذلك الغرض، ونظّم العديد من الدورات في صناعة المقتنيات الخاصة بالقش من أجل غرس حب تلك المهنة في نفوس الجيل الجديد، ليلاقي تجاوبًا وحبًا كثيرًا لها من الفئات المختلفة لا سيما طالبات المدرسة في المرحلة الإعدادية والثانوية.

وحول هذا يقول مطاوع "49 عامًا" لنوى:" اشتريت أرضًا واسعةً بعد أن كنت عاملًا في أماكن مختلفة، باتت الأرض ملكي وصرت أرعاها كابني، فزرعتها بالأشجار والخضرة والقمح كل حسب موسمه، واعتنيت بها بنفسي، وفي بعض الأحيان أجلب العمال للضرورة خاصة وقت القطاف".

ويضيف:" المساحة الخاصة بالقمح هي أهم مساحةٍ بالنسبة لي نظرًا لأهميته التراثية، إلى جانب توفير مصدر دخل للنساء مرحلة التقشيش، وما بعد ذلك من صناعة للصواني وغيرها، ناهيك عن تزويد الكثير من المحال والمهتمين بالقش من المدن والقرى المختلفة ما يجعل تلك المهنة حاضرة لا تغيب عن القلب أو العين".

كاريكاتـــــير