شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م09:32 بتوقيت القدس

بعد استئناف "إسرائيل" برنامج الزيارات العائلية..

أهالي أسرى بغزة.. دقائق أطفأت شوق عامين من المنع

19 ابريل 2022 - 13:49

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

ثوانٍ معدودة تهلَّلَ فيها وجه والدة الأسير رائد الحاج أحمد بملامح الفرح؛ بعدما هاتفها مسؤولٌ في اللجنة الدولية للصليب الأحمر ليُخبرها بأنها ضمن الأشخاص المسموح لهم بالزيارة.

دمعت عيانها فرحًا وما هي إلا لحظاتٍ حتى بدأت تجمع أوراقها الشخصية، وبعضًا من الصور، وتضعها في حقيبتها، بينما لسانها يلهج بالحمد كونها أخيرًا ستقرُّ عينها برؤية "رائد" بعد سبع سنواتٍ من الحرمان بذريعة "الرفض الأمني".

وكانت مديرة الصليب الأحمر ترى مولر، أبلغت وفدًا من وزارة الأسرى، ومؤسسات الأسرى، بسماح سلطات الاحتلال الإسرائيلي باستئناف برنامج الزيارات العائلية لأهالي أسرى قطاع غزة، باستثناء أسرى حركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وعلى إثر ذلك خرج 16 فردًا من أهالي الأسرى لزيارة 11 من أبنائهم في سجن نفحة الصحراوي لأول مرةٍ منذ عامين يوم الثلاثاء الموافق 29 آذار/ مارس، وذلك عبر حاجز بيت حانون/ إيرز، فيما تتابعت الزيارات بعد ذلك كل أسبوع وفق برنامجٍ مخصص يُحدد عدد الأسرى وذويهم المسموح لهم بالزيارة.

ويُعدُّ سجن "نفحة" من أشد السجون الإسرائيلية قساوةً وتشديدًا في الإجراءات، حيث يُعزل عن بقية السجون، ويقبع فيه قرابة 800 أسيرًا فلسطينيًا.

وأوقفت سلطات الاحتلال في مارس 2020م، برنامج الزيارة بشكل كامل بحجة جائحة كورونا، فيما أن حرمان أسرى حركتي حماس والجهاد الإسلامي من الزيارة، مستمرٌ منذ عام 2017م.

وبحسب إحصاءات وزارة الأسرى الفلسطينيين، فإن قرابة 5 آلاف فلسطيني -منهم 300 أسير من غزة- يقبعون في السجون الإسرائيلية في ظروف قاسية ولا إنسانية.

لقاء بعد حرمان

عودةٌ إلى أم الأسير "رائد الحاج أحمد"، التي ومنذ 7 سنوات مضت، لم تستطع أن تُكحل عينيها برؤيته من وراء شبك الزيارة وزجاجها السميك حتى، ذلك بعد أن أشهَرَ الاحتلال في وجهها سلاح "الرفض الأمني".

ويقضي الأسير رائد (39 عامًا)، حُكمًا بالسجن لـ (20 عامًا) منذ العام 2004م انقضى منها 17 عامًا، كانت من أقسى السنوات في حياته وحياة عائلته التي تقطن جباليا شمال قطاع غزة.

تقول والدته ودمع العين يسبقها: "كان التاسع والعشرين من مارس أجمل أيامي، نزلت من المنزل، وبدأت أركض في الشارع باتجاه مقر تجمع الباصات التابعة للصليب الأحمر، كاد قلبي يخرج من صدري فرحًة بقرب التقاء رائد".

وما إن وطئت أقدامها ساحة الزيارة في سجن نفحة الصحراوي، حتى تسارع نبض القلب في جسدها مجددًا، وما إن تراءى لها رائد من وراء الشبك والزجاج السميك، حتى شعرت بأن روحها تطير لتُعانقه قبل جسدها، وهو كذلك (والحديث لها).

لم تُشبع دقائق الزيارة التي قضتها والدة الأسير مع ابنها اشتياق قلبها، ولم تُسعفها بأن تبوح له بكل الأخبار والحكايا التي جرت في غيابه الطويل، تكمل: "كان يسأل عن الجميع، الصغير، والكبير، والأهل، والجيران"، لكن الوقت يضيق والدقائق تنقضي سريعًا، والجندي يُحاول أن يقطع حرارة الهاتف الذي هو وسيلة الاتصال بينهما.

تنفست الفرح

على الجانب الآخر، كانت ملامح والدة الأسير إسماعيل بدران تتنفس فرحًا، فاسمُها ضمن الأهالي الذين سُمِح لهم بزيارة أبنائهم لأول مرة بعد عامين من الانقطاع بسبب تفشي فايروس كورونا. ألقت بنفسها إلى السوق لتبتاع له الملابس وبعض الحاجيات الضرورية، فهذه المرة الأولى التي ستراه فيها منذ اعتقاله في أكتوبر عام 2020م.

تقول: "لم أنم ليلتي، كنت أتخيل شكل إسماعيل وأتساءل: هل تغيرت ملامحه؟ وكيف أصبحت بنية جسمه؟ بقيت مستيقظةً طوال الليل أفكر في ابني".

وما إن وصلت ساحة الزيارة، حتى بدأت تبحث بين الوجوه عن إسماعيل لكنها لم تستدل عليه حتى ناداها "يما أنا اسماعيل". استقرت على الكرسي ورفَعَت سماعة هاتف الزيارة ليصلها صوته بوضوحٍ أكبر. حاوَلَت أن تطمئِنَّ على حاله، وراحت تحفر ملامح وجهه في عينيها وقلبها.

تؤكد أن جنود الاحتلال كانوا يراقبون كل همسة وكل حركة أثناء الزيارة، تعلق بالقول: "الحمد لله قُرَّت عيني برؤية إسماعيل، لقد نحف جسده كثيرًا، كان يُحاول معرفة أدق التفاصيل عن أحبائه ولكن الوقت أضيق من أن يتسع لذلك".

أسرى "حماس" و"الجهاد"

حالة الفرح والبهجة التي استقرت في قلوب بعض عائلات الأسرى، ظلت عائلات أسرى من حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" محرومة منها، فلم يُسمح لهم بالخروج في أفواج الزائرين.

تقول والدة الأسير فهمي أبو صلاح: "أنا محرومة من زيارة ابني منذ أكثر من 6 سنوات، وأُطالب الجهات الرسمية والحقوقية بمواصلة الجهود من أجل تمكينهم من زيارة أبنائهم أسوةً ببقية الأسرى".

ولا تختلف عنها منتهى عودة، فلن يُحالفها الحظ برؤية زوجها وائل من خلف الأسلاك الشائكة والزجاج العازل، حيث العقاب المفروض منذ عام 2017م بحرمان أسرى حماس والجهاد الإسلامي من الزيارة ما زال قائمًا، تقول والقلب يرتجف ألمًا:" إنه قرار عنصري ظالم"، وتُشير إلى التأثير النفسي الذي يتركه هذا القرار في شخصية أبناء الأسرى حيث يكبرون دون أن يعرفوا آبائهم، مؤكدةً أن آخر زيارة لزوجها كانت وابنتها الصغرى "سندريلا" رضيعة بينما هي الآن في الصف الأول الابتدائي.

وتهيب زوجة الأسير وائل عودة باللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمات حقوق الإنسان بالعمل على الضغط على دولة الاحتلال للتراجع عن عقوباتها والسماح لجميع أهالي الأسرى بالزيارة.

وجاء قرار استئناف برنامج الزيارة بعد جولات صراع خاضها "مركز الميزان لحقوق الإنسان" مع مؤسسة إسرائيلية أخرى لدحض ادعاءات "مصلحة السجون"، بأن المنع سببه جائحة كورونا، وأن الأسرى وذويهم غير مطعمين ضد الفيروس.

انتهت الزيارات وعاد أهالي الأسرى إلى بيوتهم يحملون في عيونهم وقلوبهم صور أبنائهم، كانت المشاعر مختلطة وجياشة فاللقاء أعقبه فراق مرة أخرى، وتساؤل كبير: متى سيكون اللقاء الحر بلا أسلاك شائكة ولا جدران زجاجية عازلة؟..

كاريكاتـــــير