شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 ابريل 2024م17:03 بتوقيت القدس

غزة.. أطباء يخرقون القانون ويتاجرون بالأدوية المجانية!

25 اعسطس 2021 - 12:42
صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

شبكة نوى، فلسطينيات: غزة : 

في نهاية أول جلسة علاج نفسي خضع لها الشاب (م.س) لدى أحد الأطباء في مدينة غزة، فوجئ بالطبيب يعرض عليه شراء علبة دواء مقابل مبلغ خمسين شيقلًا، عدا عن المبلغ المماثل الذي دفعه لقاء الكشفية.

الشاب المريض رفض شراء العلبة، فقد كان يعلم أن علب الأدوية المتوفرة في عيادات الأطباء –غالبًا- هي عينات مجانية، تقدم إليهم من قبل مندوبي شركات، للمساعدة في ترويجها بين مرضى العيادة، "أي أن الأمر –كما  بدا حينها- فيه تجاوز للقانون".

لم يتوقف الأمر هنا، فقد ازداد استغراب الشاب (35 عامًا) كما يروى لـ"نوى" بعدما صرف الدواء من إحدى الصيدليات بنصف المبلغ تقريبًا، وهو ما أفقده الثقة بذلك الطبيب، ليقرر بعدها عدم العودة إليه ثانية.

(م.س): أحدهم عرض علي علبة بسعر مضاعف عن الصيدلية

(م. س) لم يتعرض وحده لمثل هذا الموقف، فالشاب (ن. د) هو الآخر عرض عليه أحد أطباء الأمراض الجلدية في مدينة خانيونس، جنوب قطاع غزة شراء دواء مقابل 80 شيقلًا وهذا ما حدث. يقول الشاب لـ "نوى": "الطبيب لم يكتفِ بدفعي للكشفية بقيمة 50 شيقلًا، بل وباعني الدواء بـ80 شيقلًا أيضًا، ليصبح مجموع ما تلقاه مني 130 شيقلًا عدًا ونقدًا".

ولم يكن الشاب الثلاثيني يعلم أن هذا الدواء هو عينة طبية مجانية، ولم يتوقع بالمطلق أن يقدم طبيب على مثل هذه الفعلة، لزيادة ربحه من المواطنين "بغض النظر عن أوضاعهم الاقتصادية الصعبة" يعقب.

ويضيف: "اضطررت لزيارة الطبيب مرة ثانية، وفي هذه المرة أيضًا عرض عليّ شراء الدواء، فاعتذرت منه، وتوجهت إلى الصيدلية لشرائه".

صفقات كبيرة

ما تعرض له الشابان (م. س) و(ن. د)، لم يكن سوى عمليات بيع بسيطة لعينات دواء مجانية، مقارنةً بصفقات البيع الكبيرة التي تتم بين كثير من الأطباء والصيادلة، وفقًا لـ الصيدلانية (س. ط).

 (ن.د): اشتريت عينة بـ 80 شيكلًا وبعد أن عرفت لم أستطع مواجهة الطبيب

وكشفت (س. ط) خلال حديثها لـ "نوى"، عن أن كثيرًا من الأطباء يبيعون عينات الدواء المجانية التي يحصلون عليها من مندوبي مبيعات شركات الأدوية إلى الصيدليات العامة، بأسعارٍ مخفّضة عن سعر الدواء الرسمي! "خاصةً أدوية وحليب الأطفال".

وبيّنت أن بعض الأطباء يعقدون صفقات البيع بأنفسهم مع الصيادلة، "ويحارفون على كل شيقل"، فيما يسند البعض الآخر المهمة إلى أحد معارفه أو أقربائه، تجنبًا للحرج.

وأوضحت (س. ط) أن عمليات بيع الأدوية تُدرُّ دخلًا شهريًا على الأطباء بآلاف الشواقل، وذلك بحسب كمية الأدوية المباعة.

وتتحدث (س. ط) عن ضرر كبير بفعل مضاربة الصيادلة في أسعار العينات الدوائية المجانية، "فتنعدم نسبة الربح، وهنا يضطر الجميع إلى التعامل مع هذه الأدوية للحفاظ على زبائنه".

تحظر المادة (69) من قانون الصحة العامة رقم (20) لسنة 2004م البيع أو الاتجار في عينات العقاقير والمستحضرات، التي تكون معدّة للدعاية والإعلان أو التوزيع المجاني

ومضى إلى القول: "لا يوجد صيدلية في غزة، خاصة الصيدليات الصغيرة إلا وتتعامل بالعينات الدوائية المجانية، لأنها بحاجة إلى مجاراة الصيدليات الكبيرة التي تبيع هي الأخرى بأسعار مخفضة، وإلا فستضطر في نهاية المطاف إلى إغلاق أبوابها".

وتحظر المادة (69) من قانون الصحة العامة رقم (20) لسنة 2004م البيع أو الاتجار في عينات العقاقير الطبية، والمستحضرات الصيدلانية، التي تكون معدّة للدعاية والإعلان أو التوزيع المجاني.

كما لا تجيز المادة (73) من قانون نظام مزاولة مهنة الصيدلة في فلسطين لعام 2006م، الاتجار بالعينات المجانية للأدوية وللمستحضرات الصيدلانية الجاهزة، أو عرضها للبيع، سواء من قبل صاحب مستودع الأدوية، أو الصيدلية، أو الطبيب، أو أي شخص آخر.

وتحظر المادة (22) من القانون ذاته على الصيدلية العامة، جلب أو شراء الأدوية أو المستحضرات الطبية، إلا من الجهات المرخصة لذلك وبالطرق القانونية.

تقترب من ظاهرة

بدوره أكد الصيدلاني (ه.ع) انتشار ظاهرة بيع الأدوية المجانية من قبل الأطباء بصورة كبيرة جدًا، مبينًا أن سبب إقبال الصيادلة على شرائها، هو سعيهم للحصول على هامش ربح جيد، لا سيما في ظل عجز النقابة عن ضبط التسعيرة الدوائية التي تضمن لهم ربحًا جيدًا.

ويلفت (ه.ع) -28 عامًا- إلى أن الكثير من الأطباء ينتظرون بداية الشهر لاستلام العينات الدوائية المجانية لبيعها للصيدليات والمرضى واسترداد قيمتها المادية، عازيًا ذلك إلى تدني رواتب الأطباء، على حد وصفه.

صيدلانية: أطباء يبيعون العينات "بأنفسهم" بأسعار مخفضة ويحارفون على كل شيكل!

ويقول: "إن المضاربات بين الصيدليات وعدم ضبط التسعيرة الدوائية الموحدة، إضافة إلى تدني الوضع الاقتصادي، وسعي الصيدلي لكسب الزبائن، من أكثر الأسباب التي تدفع الصيدلاني للتعامل مع هذه العينات".

وتحظر المادة (22) من قانون نظام مزاولة مهنة الصيدلة في فلسطين لعام 2006م، على الصيدلية العامة، جلب أو شراء الأدوية أو المستحضرات الطبية، إلا من الجهات المرخصة لذلك وبالطرق القانونية.

واقع صعب

بدوره أوضح نقيب الصيادلة د.إيهاب دبابش، أن العاملين في مهنة الصيدلة "وصلوا إلى مرحلة سيئة في ظل انتشار المضاربات، وعدم تطبيق التسعيرة الدوائية الموحدة من قبل وزارة الصحة".

وأشار إلى أن الكثير من الصيادلة لجأوا إلى الاستدانة، وبعضهم اضطر إلى بيع صيدليته، فيما اتجه آخرون لخرق القانون عبر بيع الأدوية المراقبة، دون روشتات.

صيدلاني: سبب إقبال الصيادلة سعيهم للربح في ظل عجز النقابة عن ضبط التسعيرة الدوائية

وبيّن أن حل هذه المشكلة يتمثل بتوحيد جهود النقابة مع وزارة الصحة لتوحيد الأسعار، وتثبيت التسعيرة الدوائية.

وأشار دبابش إلى أن وزارة الصحة في غزة، وبسبب الوضع الاقتصادي السيئ، خفّضت أسعار الأدوية قبل عدة سنوات، وتركت هامش ربح قليلٍ للصيدلاني، "ورغم ذلك يا للأسف، لا يوجد أي التزام بالتسعيرة الدوائية، لا سيما في ظل عدم محاسبة الحكومة للمخالفين".

ولفت إلى أن العينات الطبية المجانية هي أكبر سبب لانتشار المضاربة، مبينًا أن بعض شركات الأدوية تمنح بعض الصيدليات التابعة لها عينات مجانية، وتميزها بعروض عن غيرها، وهو ما يعمق المشكلة.

واقترح نقيب الصيادلة أن يتم كتابة الروشتة الطبية بالاسم الكيميائي العلمي للدواء، وليس الاسم التجاري، ذلك لتخفيف بيع العيانات المجانية.

يبلغ عدد الصيدليات في قطاع غزة نحو 750 صيدلية، يتولى مهمة التفتيش عليها من الناحية الفنية والإدارية 9 مراقبين فقط، بمعدل زيارتين لكل صيدلية سنوياً

وأوضح دبابش أنه في حال طُبق هذا المقترح، فإن شركات الأدوية ستسعى لنيل رضى الصيادلة بدلًا من نيل رضى الأطباء، ويصبح سباق شركات الأدوية على الجودة، وليس على من ينفذ دعاية أكثر، أو من يرضي الطبيب على حساب المريض.

ظاهرة بسيطة!

من جانبه وصف مدير عام الصيدلة في وزارة الصحة د.منير البرش عمليات بيع العينات الطبية المجانية من قبل الأطباء والصيادلة بأنه "استخدام سيء وغير مشروع".

وأكد لـ"نوى" أن دائرة التفتيش والرقابة تجمع العينات الطبية وتعطي مخالفة قانونية لكل من يتاجر بها.

ونفى البرش أن تكون الظاهرة كبيرة، واصفًا إياها بالبسيطة، "ويتم معالجتها في الإطار القانوني والنظامي في وزارة الصحة، مع الوزارات الأخرى ذات العلاقة".

وعن دور الوزارة في الرقابة على الأطباء، أوضح البرش أن دائرة الطب الخاص في الصحة تراقب الأطباء، "لكن الرقيب الحقيقي على هذا الأمر هو ضمير الطبيب، ومعرفته بعدم مشروعية بيع هذه الأدوية".

وبين مدير عام الصيدلة أن هناك عقوبات وإجراءات إدارية يتم اتخاذها بحق المخالفين، وإذا ما لوحظ تكرار هذه المخالفات تحول القضية إلى النيابة العامة.

تحظر المادة (22) من قانون نظام مزاولة مهنة الصيدلة في فلسطين لعام 2006م، على الصيدلية العامة، جلب أو شراء الأدوية أو المستحضرات الطبية، إلا من الجهات المرخصة

غير أن مصدر مسؤول في وزارة الصحة "رفض الكشف" عن اسمه قال لـ "نوى": إن وزارة الصحة ترفض محاسبة أي طبيب ضالع في بيع العينات الطبية المجانية، معقبًا: "الأطباء عندنا خط أحمر.

ويشدد المصدر على أن المشكلة الكبيرة والأساسية في هذا الموضوع، هم الأطباء، فهم الحلقة الأولى، لكن للأسف ليس لنا أي سلطة عليهم".

تدرج في العقوبة

وعن إجراءات الرقابة على الصيدليات، بين البرش أن الوزارة تجري جولات تفتيش على الصيدليات ويتم ضبط ومحاسبة كل من يتاجر بهذه العينات المجانية، ومؤخراً تم إصدار توصيات بإغلاق بعض الصيدليات.

وأشار إلى أن هناك تدرج في إيقاع العقوبة على المخالفين، ففي البداية يوجه لهم تنبيه ثم إنذار، ثم الإحالة إلى مجلس تأديبي وهو غير مفعل حاليًا.

وعن سبب عدم تفعيل المجلس التأديبي، بين البرش أن ذلك من اختصاص نقابة الصيادلة، الأمر الذي أكده النقيب، لكنه أشار إلى سحب صلاحيات النقابة من فرض أي عقوبات مالية على الصيادلة المخالفين، وبالتالي فإن جميع العقوبات أصبحت غير رادعة.

نقيب الصيادلة: العينات المجانية أكبر أسباب المضاربة وبعض الشركات تميز "صيدلياتها" بعروض وهذا يعمق المشكلة

ويبلغ عدد الصيدليات في قطاع غزة نحو 750 صيدلية، يتولى مهمة التفتيش عليها من الناحية الفنية والإدارية 9 مراقبين فقط، بمعدل زيارتين لكل صيدلية سنوياً، تبعًا للبرش.

ضبط التسعيرة الدوائية

وعن الاتهامات الموجهة لوزارة الصحة بعدم ضبط التسعيرة الدوائية، أكد البرش على أن دور الوزارة ينحصر في التأكد من وجود رقاع التسعيرة على الدواء كما أقرته الوزارة.

وبينما ينبه البرش إلى أن موضوع الرقابة على التسعيرة بحد ذاتها تختص به نقابة الصيادلة، أشار نقيب الصيادلة إلى أن لجنة تشكلت قبل عدة سنوات من المجلس التشريعي وصدر عنها توصيات منها، أن قرار منع بيع الأدوية بأقل من التسعيرة المحددة غير قانوني، وبناء عليه لا يوجد مخرج لجهود توحيد تسعيرة الأدوية، طالما هناك فيتو عليها من المجلس التشريعي.

وتساءل النقيب: "لماذا يتم فتح السوق التنافسية فقط في مجال الأدوية، في المقابل يتم تحديد السعر لشركات المحروقات والتبغ على سبيل المثال؟!".

كاريكاتـــــير