شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م18:53 بتوقيت القدس

امتهنتها يوم تعطّل زوجها عن العمل بغزة..

"فدوى".. وحكاية عشقٍ لـ "النِّجارة" بدأت في الخليل

24 اعسطس 2021 - 08:15

غزة:

تسابق فدوى الجليس الوقت كي تنتهي من تنعيم زوايا طاولة صغيرة، قبل انقطاع الكهرباء في القبو المتواضع الذي تستأجره وتعيش فيه في حي تل الهوا غرب مدينة غزة.

فدوى (47 عامًا) التي فقدت بيتها في حي الشجاعية، شرق المدينة خلال عدوان مايو/ آيار الماضي، تمتهن حرفة النِجارة منذ عدّة سنوات. ذاع صيتها بسبب مهارتها ودقّتها في متابعة التفاصيل، ومراعاتها للوضع الاقتصادي العام في قطاع غزة المحاصر منذ 15 عامًا، وترتفع فيه نسبة الفقر إلى ما يزيد على 54%.

"لا شيء صعب إن قرر الإنسان البدء والانطلاق"، تقول لـ"نوى"، وتضيف: "بدأتُ بهذه المهنة كمغامرة، ولم أكن متأكدة من مدى تقبل المجتمع لفكرة أن تمتهن "النجارة" امرأة، لكنني اكتشفت أن "لا فرق"، وأن "الجودة والإتقان" هما كلمتا سر النجاح في أي مشروع".

فدوى هي أم لتسعة أبناء، علّمت أربعة منهم النِجارة، فكيف بدأت هي ذاتها هذه المهنة؟ إليكم الحكاية:

تُدعى بطلة قصتنا أصلًا فدوى طابِيّة، من مدينة جنين بالضفة الغربية، كانت تعيش مع ذويها بمدينة الخليل حين تقدّم لخطبتها شاب غزّي من عائلة الجليس فتزوجت هنا في سنّ مبكرة. كان ذلك قبل اتفاقية "أوسلو"، ووجود معبر بيت حانون، "الذي شتت العائلات، وحال دون تنقّل المواطنين الفلسطينيين بين الضفة والقطاع".

زوج فدوى كان يعمل خياطًا، أما هي فانهمكت في الإنجاب المتكرر حتى أصبح لديها 9 أبناء بينهم 7 ذكور. ظلّ الوضع على حاله حتى فقد زوجها عمله بعد إغلاق الاحتلال الإسرائيلي للمنطقة الصناعية –حيث كان يعمل- شمال قطاع غزة عام 2000م.

تقول: "بالطبع، الفقر أهلكنا، وحاجات الأبناء لا يمكن القفز عنها، تسبب الحال ببعض الخلافات مع زوجي بسبب ضيق وضعه، وعدم إيجاده فرصة عمل"، وهنا قررت الاستفادة من مهنة النجارة "التي تعلّمتُها في صغري من إخوتي النجارين".

صارحت فدوى زوجها بنيّتها العمل كـ"نجّارة" لتستفيد من حرفةٍ تتقنُها وتحبُها أيضًا. هي صاحبة عينٍ ناقدة تستطيع صناعة الجمال من قوالب الخشب، وهذا ما دفعه إلى تشجيعها فورًا، بعد أن وفر لها أول دفعة من الخشب.

هنا بدأت بالعمل على صناعة مستلزمات المنزل الخشبية البسيطة التي تحتاجها النساء، مثل المطرقة، ومدق اللحم، والمغارف، والبراويز، وغيرها، وكلها بأسعار بسيطة.

ذاع صيتها بين النسوة اللاتي فضلن عملها وأقبلن عليه، تعقب: "كنتُ أوفر بضائع بنفس جودة المتوفرة في السوق، لكن بنصف السعر". رفعت مدقة، واستدركت: "هذه مثلًا، تُباع في السوق بعشرة شواكل، أبيعها أنا بخمسة فقط".

وذات يوم، سمِعَت السيدة إعلانًا إذاعيًا لإحدى المؤسسات النسوية، حول النساء اللاتي يُتقنَّ حرفة، ويرغبن بتطويرها، فتوجهت على الفور إلى المركز الذي ورد اسمه في الإعلان "مركز شؤون المرأة". "وهناك قدّمتُ امتحانًا كتابيًا في النجارة، وحصلتُ على علامةٍ كاملة، ثم منحة مالية بألف دولار" تزيد.

استخدمت فدوى المنحة في توفير بعض الأدوات الكهربائية اللازمة للعمل، واشترت أخشابًا مختلفة الأنواع والأحجام، ثم بدأت بزيادة قطع الأثاث التي تنتجها، وباتت توفر كميات أهّلتها للمشاركة في معارض للمنتجات المحلية، الأمر الذي ساعد في زيادة الإقبال على منتوجاتها.

"ولأن النجاح في غزة لا بد وأن يمر برحلةٍ من المعوقات، كان للحصار وجائحة كورونا أصعب أثر"، فأحيانًا تشتري فدوى طن الأخشاب بمبلغ 500 شيكلًا، يقفز إلى الضعف عند تشديد الإغلاق، "وهذا يدفعني لرفع سعر البضاعة قليلًا، وبالتالي لا أحصل على ربح مناسب" تردف.

وتستطرد بالشرح: "أما جائحة كورونا، فقد حرمتني من عرض منتجاتي في السوق، سابقًا كان أبنائي يبيعون المنتجات في الأسواق، لكن الآن الوضع اختلف نتيجة الإغلاقات المشددة والمتكررة، وعزوف الناس عن زيارة الأسواق خشية انتقال العدوى".

تشير السيدة -التي باتت الآن جدّة لأربعة أحفاد- بيدها إلى مجموعةٍ من الأخشاب التي تضعها في زاويةٍ قريبة، وتقول: "هذا مشروع طاولة من خشب الليمون، غالية قليلًا، ثمنها 20 شيكلًا، أي ما يقارب 6$، ومثلها تمامًا بنصف السعر، ولكن من خشب أقل جودة".

علّمت السيدة أبناءها الأربعة حرفة النجارة قبل أن تبدأ هي، وهم الآن يساعدونها في العمل، ورغم أن أكبرهم خريج مدرسة الصناعة- قسم النجارة، لكنه ما زال يتعلم من والدته الكثير.

تقول: "في مهنتنا لا فرق بين ذكر وأنثى، فكلنا نملك عقولًا، وكلنا نتعلم ونحاول إتقان ما نصنع، الفرق فقط في أن عين الأنثى أكثر قدرة على نقد القطعة –حسب رأيي- بل وتستطيع تحديد جمالياتها، ومدى تناسبها مع الشيء الذي صنعت لأجله".

وتؤكد فدوى أن انخراطها في مهنة النجارة، شجّع الكثير من النساء على زيارة الورشة، وتحديد شكل المطلوب من أثاث، على عكس ما جرت عليه العادة "حيث الرجال هم غالبًا الذين يزورون الورش، ويتحدثون إلى النجارين في قطاع غزة".

انقطعت الكهرباء أثناء الحديث، فضحكت السيدة، وقالت :"لحقت حالي وخلصت تنعيم الطاولة".

هنا تشير إلى القبو الذي تضطر للعيش فيه، وتكمل: "خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، سقطت شظايا في بيتنا واحترقت كميات من الأخشاب، خرجتُ من البيت، وها أنا هنا، موجودة في هذا القبو وقد تركت شقتي، التي كانت أفضل بكثير".

تقضي السيدة حاليًا يومان أسبوعيًا في تعلّم مهنة "طلاء الأثاث"، فهي كانت تلجأ إلى التعامل مع آخرين من أجل إتمام القطع التي تنتجها. إنها تؤمن أنها في غضون شهر ستصبح قادرة على طلاء القطع بنفسها، أما عن المستقبل فتقول: "أحلم في أن أتمكن من فتح ورشة مزودة بآلات أكثر، وصناعة كل أشكال الأثاث المنزلي الذي أجيد رسمه في خيالي".

أثناء ممارستها العمل في بيتها 

أثناء مشاركتها في معرض لمركز شؤون المرأة

كاريكاتـــــير