شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 23 ابريل 2024م16:38 بتوقيت القدس

الأمهات في غزة عين على السماء والأخرى على الأطفال

13 مايو 2021 - 10:46

غزة:

مرة أخرى تحضّر غزة كعك العيد الذي لم يزرها ولم يطرق أبوابها، عشرات الشهداء في كل مكان بقطاع غزة، وسحب الدخان ما زالت تنبعث من المناطق التي استهدفتها طائرات الاحتلال الحربية بالقصف، أكوام الركام التي تملأ الشوارع، والزمن الذي تحوّل إلى صنّارة خوف لاصطياد قلوب الأطفال.

مع كل جولة قصف على مدينتي أتحسس رأس طفلي الصغير عبد الحميد، الذي ينكمش في فراشه، دون أن يصدر أي صوت، لا أسمع إلا دقات قلبه الذي يكاد يقتلع من صدره.

لم يكف طفلي ذو الخمسة أعوام منذ بدأ العدوان على قطاع غزة عن السؤال متى سوف تنتهي الحرب؟ وماذا سيحدث؟ لماذا يأتي الليل سريعاً، أسوأ شيء هو الليل، يهمس بصوت بالكاد أسمعه، فالليل في ذاكرته الصغيرة مرتبط بأصوات القصف العنيفة، ويثير فزعه الذي يحاول إخفائه في بعض الأوقات.

من الراجح أن كل قلوب الأمهات في غزة تعيش المشاعر ذاتها فالأطفال مخلوقات بريئة تأخذ الحياة إلى الفرح والمرح والألعاب والجري خلف الجماليات، والحرب تحرمه كل شيء جميل، فأين نهرب بأطفالنا من كل هذا الموت التي تنتشر رائحته في كل مكان استحل العالم العاجز حصاره وفرض عليه المحتل الحرمان ويطارد اليوم فيه كل ما هو نابض من أجل الحياة؟

تشعر فرح ماجد "29 عامًا" في لحظات ضعفها وخوفها على طفلها الذي لم يكمل العامين، بالندم الشديد على قرارها الإنجاب وهي تعيش في هذه البقعة من الأرض، تقول :"كيف لا وأنا لا منحه الأمان، أقف عاجزة  أمام صرخاته التي لا تتوقف مع كل اهتزازة للمنزل تمتزج بأصوات القصف المرعب، بينما يكاد قلبي يتوقف وأنا أتابع مشاهد الدمار والدماء وتشييع جنازات الأطفال المستهدفين  من صواريخ الاحتلال".

وكانت طائرات الاحتلال الإسرائيلية استهدفت خلال العدوان الذي لم يتوقف عن قطاع غزة منازل المدنيين، مخلفة 67 شهيدًا بينهم 17 طفلًا لكل منهم قصة وحلم تبعثر مع أشلائهم الغضة التي تناثرت بفعل القصف الجنوني للمنازل الآمنة، والمدنيين.

أسماء المجايدة أيضًا باءت كل محاولاتها لإقناع أطفالها بأن ما يسمعونه من أصوات تصم الآذان ألعابٌ نارية احتفالاً بالعيد، تسترق السمع لحوار يدور بين طفليها الذي لم يتجاوز أكبرهما السابعة من عمره، يقول لشقيقه الأصغر" صوت الألعاب النارية مش هيك، هاي أصوات صواريخ".

تقول :"ارتفعت حرارة الطفلين، مع إحساس بآلام في البطن واستفراغ، فيما أظنه ناتج عن حالة الخوف التي تسيطر عليهم، حتى شقيقتي اشتكت من ذات الأعراض لدى أطفالها تزامناً مع العدوان المتواصل على قطاع غزة".

لا تعرف أسماء كيف يمكنها أن تخفف من حدة الصدمة التي يتعرض لها أطفالها وهي التي لا تمتلك حتى هاتف ذكي تطلب من خلاله المساعدة من أي شخص كان، أو البحث من خلال الشبكة العنكبوتية عن طرق للمعالجة.

يسترق مصطفى النظر للسماء عبر نافذة المطبخ، بينما صوت الطائرات يرتفع تمهيداً لقصف هدف ما، لا يدرك كثيراً من الأمور؛ لكنه لا يكف عن سؤال أمه متى ستنتهي الحرب؟ .

سؤال يتكرر طوال أيام العدوان التي تتدحرج وتطول، دون أن تجد الأمهات إجابة له، فيتمتمن ببعض العبارات لمحاولة طمأنة أطفالهن، بينما قلوبهن تنتفض ومخاوفهن لا تتوقف فالكل الفلسطيني مستهدف في ظل هذا العدوان، لكن طفلي عبد الحميد الذي لم يتم عامه الخامس بعد، أخبرني في ساعات المساء، بأنه سيسافر بعيداً عندما يكبر لأنه لا يحب الحرب.

غزة استثنائية في كل شيء، ففي الوقت الذي يحتفل فيه أطفال العالم الإسلامي بعيد الفطر السعيد يودع الفلسطينيون شهداءهم، بينما أصبحت مئات العائلات بلا مأوى بعد تعرض منازلها للقصف لتصبح أثر بعد عين.

في غزة لا يكتب التاريخ سطوره بسهولة، بل يحفرها حفرًا لتبقى الكوارث علامات للذكريات، هو الاحتلال نقيض الحياة الطبيعية في حياة كل شعب مبتلى به.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير