شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م03:03 بتوقيت القدس

فقدت زوجها وطفليها في عدوان 2009م.

حكاية هالة.. "سندُ البنات" تحاربُ وحدها "السرطان"

07 نوفمبر 2020 - 17:01

غزة:

كان على هالة حرز الله –من مدينة غزة- أن تبتلع غصة استشهاد اثنين من أبنائها، ثم زوجها، لتقف على قدميها من أجل بناتها اللواتي أصبحت هي كل عائلتهن، إلا أن السرطان كان له رأيٌ آخر، حين أضاف إلى حياة السيدة التي تخطت قبل عامين عقد عمرها الخامس، معاناةً جديدة.

وفي تفاصيل الحكاية: عاشت هالة نجاحات متتالية في حياتها، كموظفة تعمل في جامعة الأقصى، وزوجة وأم لابنين وابنتين، يعيشون متماسكين في شقةٍ سكنية بمنطقة تل الهوا غرب مدينة غزة، هكذا حتى كشرت الحياة عن أنيابها على وقع نيران العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2009م.

تحت نيران ذلك العدوان، أخلى جميع سكان حي تل الهوا المنطقة بسبب الاجتياح الإسرائيلي، إلا عائلتها وجيران لهم، قرروا الخروج ليلًا سيرًا على الأقدام –بسبب القصف المتواصل- وكانت الوجهة منزل شقيق زوجها –وهو من عائلة اسليم- في حي اليرموك.

تقول: "لا أنسى ذلك اليوم، الظلام حالك، وأزيز الطائرات تحلق فوق رؤوسنا كإنذار موت، النيران تنطلق من كل حدب وصوب، لكننا وصلنا، وظننا أن الأمان قد حل"، إلا أنها لم تكن تعلم أن عائلتها هربت لتواجه قدرها هناك!

في تلك الليلة، قصف طائرات الاحتلال المنطقة، ومنها منزل شقيق زوجها، استشهد أبناؤها أحمد 14 عامًا، وحسام 7 أعوام، بينما أصيبت بجراحٍ خطيرة هي وزوجها، بينما كان نصيب ابنتها جراحًا متوسطة، فنجَت هي وأصحاب البيت.

هالة:استيقظتُ وسط ظلامٍ حالِك وفوق رأسي بلاطة، ظننت أنني مت ودُفنت حتى سمعت صوت الإسعاف

وتعود بذاكرتها إلى الحادثة فتقول: "أخرجوني من تحت الأنقاض، رأيتُ الموت بعيني، لحظة القصف لم أشعر بشيء فالذي يُقصف لا يسمعه، فقط اسودّت الدنيا وامتلأت غبارًا، غِبت عن الوعي، واستيقظتُ وسط ظلامٍ حالِك وفوق رأسي بلاطة، ظننت أنني مت ودُفنت حتى سمعت صوت الإسعاف، وأناسًا يصرخون، وعرفتُ أنني تحت الأنقاض".

ظلّت السيدة تئنُّ تحت الأنقاض، وقلبها معلّق بأبنائها الذين لم تعرف مصيرهم بعد، حتى لحظة انتشالها من تحت الركام، مصابة بكسرٍ في الحوض، وكسورٍ أخرى متفرقة، كان زوجها وابنتها في حالة فقدان وعي، بينما طفليها استشهدا على الفور.

تكمل: "كانت إصابة زوجي خطرة، وتم نقله بغيبوبة إلى مصر، استيقظ بعد شهرين فاقدًا للذاكرة، أما أنا فتجرّعت وحدي مرارة استشهاد أبنائي، ولكن كان لدي قوة صبر وعزيمة وإيمان، استطعتُ احتضان بناتي اللواتي كنتُ لهنّ كل شيء".

عاد الأب فاقدًا للذاكرة، وتحمّلتُ مسؤولية مساعدته لاستعادتها تدريجيًا حتى نجحت، تذكّر أبناءه ولكن حين كانوا صغارًا وليس في الفترة التي سبقت استشهادهم، إلا أنه عانى صدمةً شديدةً عندما فَطِنَ إلى أمر استشهادهم.

قضت مع زوجها عامان، أنجبت خلالهما الطفلة الصغيرة نسمة، لتكون الثالثة بعد مرام ولينا، أصيب زوجها بوعكةٍ صحيةٍ أخرى نتيجة إصابته، وتم تحويله سريعًا إلى مستشفيات الداخل المحتل، ليجدوا أن أعضاء جسده متعفّنة، وأن الحالة متأخرة! لقد توفي الرجلُ متأثرًا بإصابته.

مرةً أخرى، كان عليها أن تتجرع مرارة فقدان الزوج وتقف على قدميها، إلا أن أورامًا حميدة داهمت جسدها ثلاث مرات، فخضعت لاستئصالها ظنًا أنا وصلت بر الأمان، حتى جاء العام 2017م: ظهرت حينها في الثدي كتلة أخرى، ظنت أنها كسابقاتها، لتكون المفاجأة المرعبة، ورمٌ سرطانيٌ خبيث.

هالة:أصعب شيءٍ أن يُبتلى الإنسان في صحته، كنت أقول إن كل شيءٍ يهون، ما دمتُ أستطيع تعويض بناتي الثلاث معاناة فقدان أبيهم وأشقائهم

تضيف: "مع بداية ظهور الكتلة لم أشعر بالخوف لأنها كانت مؤلمة، وعند الكشف أصبت بصدمة، كان سبب الألم أن الكتلة ضغطت على العصب، ولا أخفي أن كلمة سرطان خبيث بالنسبة لي تعني الموت، وهنا دخلت في حالة نفسية صعبة معقدّة".

"أصعب شيءٍ أن يُبتلى الإنسان في صحته، كنت أقول إن كل شيءٍ يهون، ما دمتُ أستطيع تعويض بناتي الثلاث معاناة فقدان أبيهم وأشقائهم، كرّست حياتي من أجلهن، وحين خفت من الموت كان خوفي الأكبر عليهن هن" تكمل.

كان عليها أن تتدارك الصدمة سريعًا، وأن تبدأ رحلة العلاج المُضنية، "كيماوي" ومن ذا الذي يتقبّله؟ من الذي يتحمل بدخول خراطيمٍ من نار إلى أوردته وشرايينه، لتحرق الخلايا الصالحة وغير الصالحة، وما يتبعها من سقوطٍ للشعر والرموش، وفقدانٍ للملامح.

"أنا أتقبل هذا"، تقول السيدة هالة، "نعم؛ من أجل بناتي ومن أجل أن أعيش، يجب أن أحارب وأكون قوية، بعد العلاج الكيماوي طمأنني الطبيب بأنني الآن أفضل، فالكشف المبكّر كان له دور مهم، الورم كان صغيرًا وتم استئصاله بعملية جراحية، ومن ثم البدء بالعلاج الكيماوي".

لكن هالة التي ما زالت تتاب علاجها من سرطان الثدي اكتشفت لاحقًا كتلة أخرى في الكبد وما زالت تواصل علاجها يملؤها الأمل بالشفاء.

وهنا تعتب على النظام الصحي الفلسطيني كثيرًا، بسبب العلاج الذي يتوقّف عند حد البروتوكول الطبي، متساءلة: "أين النظام الغذائي السليم الذي يجب أن تتبعه مريضات السرطان ليساعدهن على الشفاء؟ أين شرح المكملات الغذائية المهمة لهن وكيفية تناولها كي لا تتصرف المريضات بعشوائية".

وتشرح :"بدأتُ بمتابعة البرامج التي يبثها أخصائيو التغذية، وعلمت بضرورة أن يكون فيتامين (د) قويًا في جسمي، وبدأت بالحصول عليه كمكملٍ غذائي، أحصل على الكركم على شكل أقراص، وأتناوله بشكله الطبيعي، ومعه بعض الفلفل الأسود ليساعد على الامتصاص، وأتناول بشكل مستمر أوميجا 3، على أن يكون قبل فيتامين د بساعات"، معلقةً بعد لحظة صمت: "كل هذه المعلومات وغيرها كان ينبغي أن تتوفر للمريضات بالتزامن مع بروتوكول العلاج، ما الأطعمة المسموحة؟ وما الممنوعة؟ كله يجب الالتزام به".

لكن أكثّر ما يؤلمها ليس فقط عدم التوعية بالنظام الغذائي والمكملات الغذائية المهمة، بل إنها وبسبب الحصار الإسرائيلي لا تستطيع الحصول على علاجها، الذي يتوجب عليها جلبه من مستشفى في القدس.

وتتابع: "عليّ أن أتقدم للحصول على تصريحٍ ورسالة تغطية مالية، ومن ثم الذهاب إلى القدس والعودة إلى الحجر الصحي، من أجل الحصول على علاجي، في البداية ظننت الأمرَ مزحة، ولكن الطبيب أخبرني أن هذا هو النظام، ولهذا السبب لم أحصل على الأدوية الخاصة بي منذ أربعة شهور، ولولا المكملات الغذائية والنظام الصحي الذي أتبعه لتراجعت حالتي ربما".

وتجزم السيدة التي اختارت التقاعد من عملها كي تهتم أكثر بصحتها، بأن الدعم النفسي، له دورٌ مهم في تحسّن حالة مريضات السرطان، بالإضافة إلى دعم العائلة والأصدقاء، مختتمةً حديثها بالقول: "لا يشغل بالي حاليًا سوى بناتي الثلاث وصحتي، حاليًا في ظل أزمة كورونا، أتخذ جميع الاحتياطات، وأهتم بالتباعد وبصحتي، وأتابع ابنتي التي تزوجت قبل عامين، وابنتي التي على وشك التخرج، وتلك الصغيرة التي ما زالت بعمر عشر سنوات، هنّ وصحتي.. أضحين كل حياتي".

 

كاريكاتـــــير