شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 19 ابريل 2024م06:59 بتوقيت القدس

المشتركون بين أسنان "جاروشة"

أصحاب المولدات وسلطة الطاقة.. الحربُ تستَعر

19 اكتوبر 2020 - 13:26

غزة

تمرُّ ساعات انقطاع الكهرباءِ ثقيلةً على قلب الشاب محمد بعد توقّف المولد الذي يشترك فيه عن العمل، فكلُّ ساعةٍ بلا كهرباء تعني تراجع الوضع الصحي لصغيرِه الذي يعاني من ورمٍ يُلزمُه البقاءَ في مصدرِ إضاءةٍ طبيعي.

الشاب الذي يسكن مدينة جباليا شمال قطاع غزة، يشترك منذ نحو ثلاث سنوات، في أحد المولدات الجماعية، لتعويض ساعات انقطاع الكهرباء الطويلة، لكن الأزمة التي تتفاقم كل حين بين سلطة الطاقة الفلسطينية وأصحاب المولدات في قطاع غزة، جعلت من المستفيدين ضحايا.

والقصة من البداية، أن قطاع غزة يعاني منذ عام 2006م، وبالتزامن مع بدء الحصار على قطاع غزة، من أزمة كهرباء (8 ساعات وصل، مقابل 8 ساعات قطع يوميًا) في أحسن الأحوال، تتراجع إلى أربع ساعات وصل، مقابل 12 ساعة قطع، لدى توقّف محطة التوليد الوحيدة في القطاع.

هذا الواقع الذي تسبب في معاناة المواطنين، كان فرصةً للمستثمرين في السنوات الست الأخيرة، لتوفير الكهرباء من خلال مولداتٍ ضخمة، ومدّ خطوطها في الأحياء، ولكن بمبلغ 4 شواكل للكيلو الواحد، خلافًا لقيمة الكيلو من محطة التوليد، التي لا تتجاوز مبلغ النصف شيكل.

آلاف المواطنين لجأوا إلى مدّ خطوطٍ تُغطِّي ساعات العجز، رغم الشكوى المستمرة من ارتفاع الأسعار دون أي تدخلٍ رسمي، حتى بات للمستثمرين رابطة ومقر، وبلغ عدد المشاريع 180 مشروعًا.

قبل شهر أعلنت سلطة الطاقة الفلسطينية تحديد سعر الكيلو الواحد بـ (2 ونصف) شيكل، وهو ما قابله أصحاب المولدات بالرفض. فشلت محاولات حل الأزمة بين الطرفين، حتى توقف عدد كبير منهم عن العمل في الأيام الأخيرة ما أدى لتضرر المواطنين.

محمد : طفلي أصيب بِوَرم،  أثّر على حاسة البصر، يحتاج إلى ضوءٍ طبيعي، وليس إلى بدائل ضعيفة

عودةٌ إلى الشاب محمد (فضّل عدم ذكر اسم عائلته)، الذي يعمل موظفًا ضمن تفريغات عام 2005م، أي أن راتبه لا يتعدى (1500 شيكلًا فقط)، ما يعني أن أي مبالغ إضافية ليست ضمن قدراته المادية، خاصة وأنه يدفع تكاليف علاج طفله على نفقته.

يقول: "ما دفعني للاشتراك هو أن طفلي أصيب بِوَرم، أُجريَت له عملية جراحية، وتم استئصال الورم، ولكن حتى اللحظة هو تحت المتابعة، فالورم أثّر على حاسة البصر، ولديه انحرافٌ في العين، ويحتاج إلى ضوءٍ طبيعي، وليس إلى بدائل ضعيفة"، متابعًا بحرقة: "تحمّلتُ من أجلهِ نفقات التمديد، والشبكة، والاشتراك الشهري، رغم أنها لا تناسب ظروفي، ولكن قطع الكهرباء أسوأ".

ويبدي محمد (36 عامًا) وهو أب لخمسة أطفال، امتعاضًا لأن فاتورة الشهر الماضي كانت مرتفعة قياسًا بالشهور السابقة، معقبًا بالقول: "صحيح أن صاحب المولد بعد المراجعة وعد بالتخفيض ولكن دون توضيح سبب الزيادة، إلا أن الأسوأ بالنسبة لي هو بقائي في حالة قلقٍ دائمٍ على طفلي، فهو وحده الذي بات يدفع ثمن الخلاف بين السلطة وأصحاب المولدات".

 يزيد: "يقتلني التفكير في كل دقيقة تمر على طفلي بلا كهرباء، هو لا ذنب له بالأزمة".

الخوالدة:الكهرباء العادية مقطوعة معظم الوقت، وبناتي بحاجة لها من أجل الدراسة

حال المواطن عماد الخوالدة من مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، مختلفٌ نسبيًا، ولكنه يشارك سابقه في المعاناة بسبب انقطاع الكهرباء، عقب توقف عمل المولد الذي يشترك فيه.

يقول الخوالدة وهو أبٌ لأربع بنات: "الكهرباء العادية مقطوعة معظم الوقت، وبناتي بحاجة لها من أجل الدراسة، وهنّ أيضًا لا يتحملن الحر".

ويضيف: "ابنتي الكبرى في الثانوية العامة، وهي بحاجة للراحة في الدراسة، وخط إنترنت سرعته جيدة، بينما تصبح ضعيفة عند انقطاع الكهرباء".

يعمل الخوالدة موظفًا حكوميًا، وهو يدرك أن ثمن كهرباء المولد مرتفعٌ قياسًا بدخل الموظفين العاديين، ولكن: "نلجأ لها حمايةً لأبنائنا"، يستدرك، مكملًا: "البديل الرخيص غير متوفر، أنا أدفع شهريًا للمولد 150 شيكلًا، ومثلها للكهرباء العادية، هذا كثير ولكن ما العمل؟".

"نحن بين أسنان الجاروشة، نحن الذين طحنتنا الأزمة بين سلطة الطاقة وأصحاب المولدات"، يتابع، مضيقًا: "الآن عليّ البحث بشكلٍ سريعٍ عن بدائل، وسرعان ما ارتفع ثمنها الآن، بناتي اعتدنَ على الكهرباء طوال الوقت، وأصبحت هي والإنترنت ضرورة، مثل الماء والهواء خاصةً في عهد التعليم الإلكتروني".

وينتقدُ المحلل الاقتصادي محمد أبو جياب، تواصل الأزمة بين أصحاب المولدات وسلطة الطاقة، رغم مرور شهر على اشتعال شرارتها، "وهي أزمة نتجَ عنها توقّف عدد من أصحاب المولدات عن العمل وتضرر مصالح المواطنين".

أبو جياب:توقف أصحاب المولدات عن تشغيل مولداتهم، نتج عن رفض محطات الوقود تزويدهم بالسولار على نظام الدفع المؤجل

توقف أصحاب المولدات مؤخرًا عن تشغيل مولداتهم، نتج عن رفض محطات الوقود تزويدهم بالسولار على نظام الدفع المؤجل، مطالبةً بالدفع المباشر، وهو ما يعجز عنه أصحاب المولدات بسبب ضعف السيولة النقدية لديهم، يقول أبو جياب: "لهذا توقفت مولدات في رفح وخانيونس وبعض مناطق غزة والشمال".

ويضيف لـ"نوى": "هناك حديث عن تشكيل لجنة حكومية تضم أصحاب المولدات وتحديد الأسعار، هناك تجاذبات بين أصحاب المولدات والمواطنين، ولكن الصورة بدأت تتضح بأنهم يقومون بدور مهم في عملية توفير الكهرباء، في ظل عجز سلطة الطاقة عن توفيرها بالكامل".

واستبعد قدرة اتحاد المقاولين على توفير الكهرباء بتكلفة (2 شيكل)، وفقًا لما تحدّث به رئيس الاتحاد عبر الإعلام، "وإلا فلماذا تأجل المشروع؟ وما علاقة وجود محاكم بين أصحاب المولدات وسلطة الطاقة بتأجيل مشروعهم؟"، مردفًا بقوله: "الواضح أنه -أي الاتحاد- اتخذ من الأزمة منبرًا للمزايدات دون وجود مشروع حقيقي".

زنون:تُصرّ سلطةُ الطاقة الإبقاء على تسعيرة (2 ونصف) شيكل للكيلو الواحد من الكهرباء، وهو ما لا يتناسب مع تكلفة الإنتاج الفعلية

أسامة زنون صاحب مولد كهرباء "زنون والشاعر" في رفح، اضطر قبل يومين إلى إزالة أسلاك شبكته التي تزود  -حسب قوله- 4000 منشأة، ما بين منازل، ومحلات تجارية، وعيادات، ومراكز شرطة، ومساجد، بالكهرباء بعد عملٍ استمر خمسة أعوام.

يقول زنون لـ "نوى": "تُصرّ سلطةُ الطاقة الإبقاء على تسعيرة (2 ونصف) شيكل للكيلو الواحد من الكهرباء، وهو ما لا يتناسب مع تكلفة الإنتاج الفعلية"، مضيفًا: "منذ بداية تشرين الأول/ أكتوبر، حتى منتصفه، تكبدتُ خسائر نتيجة لذلك وليس بوسعي المواصلة".

ويرجع زنون سبب توقف العديد من المولدات، إلى أن محطات الوقود رفضت منحهم السولار اللازم، بسبب تخوّفهم من عدم قدرة أصحاب المولدات على التسديد بعد الأزمة الحالية.

ويضيف: "بالنسبة للمشتركين نحن أبلغناهم بالتوقف، ولكن علينا ضغوط شديدة، خلال الشهر الماضي توجهنا إلى كل الجهات باسم رابطة أصحاب المولدات، ولم نجد أي نتيجة، والآن نتجه إلى القضاء، فهي قضية رأي عام، ولم أعد قادرًا على توفير السولار الذي يكلف ما يزيد عن ألف دولار".

وبخصوص اللجنة الحكومية التي تم تشكيلها، فهو يرى أنه من الإيجابي فتح نقاش وإيجاد حل، فجنوب قطاع غزة الآن بأكمله أوقف المولدات، نافيًا أن تكون سلطة الطاقة أشركتهم أو زارتهم لدى إعدادها الدراسة، التي قدروا مبلغ (2 ونصف شيكل) وفقًا لها.

ويتابع: "نعاني ليس فقط بسبب قرار سلطة الطاقة، بل من تحريض رئيس اتحاد المقاولين، وتصريحاته بأن بوسعهم توفير الكهرباء بسعر 2 شيكل، وعند التواصل معه قال بأن الأمر يحتاج إلى دراسة"، متسائلًا: "إذن كيف يخرج بتصريحات قبل إجراء الدراسة؟".

ياسر حسونة مدير دائرة تنظيم الطاقة في سلطة الطاقة، نفى في حديث لـ"نوى" أن يكون هدف اللجنة الحكومية التي تم تشكيلها هو إعادة الدراسة من جديد بخصوص تسعيرة كهرباء المولدات، والمقدّرة بمبلغ 2 ونصف شيكل، "إنما مهمة اللجنة هو متابعة تنفيذ قرار سلطة الطاقة، ومعالجة أي أزمة تطرأ على السطح".

حسونة:لا جديد بخصوص موضوع التسعيرة، وسلطة الطاقة عند قولها، ولسنا بحاجة لإعادة الدراسة من جديد

يضيف: "لا جديد بخصوص موضوع التسعيرة، وسلطة الطاقة عند قولها، ولسنا بحاجة لإعادة الدراسة من جديد"، موضحًا أن اتحاد المقاولين بالفعل صرّحَ عبر الإعلام، حول رغبته في توفير الكهرباء بمبلغ (2 شيكل) فقط للكيلو الواحد، وأن سلطة الطاقة بدورها بادرت بالموافقة عبر الإعلام أيضًا.

ويكمل بقوله: "اتحاد المقاولين قال إنه ومن خلال دعم المولد بالطاقة الشمسية، يمكن أن يبيع الكيلو بمبلغ 2 شيكل، أما نحن فأعلنّا أن الحد الأعلى هو 2 ونصف شيكل"، مضيفًا: "أسامة كحيل تحدث عن أن سعر الكيلو من خلال الطاقة الشمسية سيتم بيعه لأصحاب المولدات بمبلغ 1 شيكل، وهم بدورهم يبيعوه بمبلغ 2 ونصف، أو 2، وهذا يعني أن مبلغ 2 ونصف شيكل، منصف جدًا بالنسبة لهم".

كاريكاتـــــير