شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م19:15 بتوقيت القدس

في دفترها ديون منذ 2007!

"شوق" تبيع "الإنسانية" على بسطة بدير البلح

25 سبتمبر 2020 - 18:43

قطاع غزّة | شبكة نوى:

عشرون عامًا، وصوت "شوق" لم يَخْبُ أمام بسطة الملابس التي ورثتها عن جدّتها منذ كانت طفلةً في المدرسة، يعلو صوتها وهي تنادي على بضاعتها من الملابس الملونة، تحت أشعة الشمس الحارقة، وفي عزّ برد الشتاء، وتحت أزيز طائرات الاحتلال في كل تصعيد.. حتى مع "كورونا" لم تغب عن بسطتها التي تقول "إنها تجلب المخسر بدلًا من الربح".

كثيرًا ما تردد "بائعة الملابس الكريمة" -وفق ما يصفها الباعة حولها- عبارة "بعوض الله، خسرانة خسرانة" بكل حب، وترفقها بابتسامةٍ وهي تناول المشتري منها كيسًا يحمل ما طلبه. هناك أمام عيادةٍ تابعةٍ لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أنروا" في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، تقف شوق الأقرع (40 عامًا) تمارس شغفها في البيع والشراء "المؤنسن"، ذلك الذي تعبر عنه بعطائها اللا محدود، دون قياس ذلك بموازين الربح والخسارة.

"عندي دفاتر دين من عمر الحصار، اهترأت وذابت بعض الأسماء المكتوبة فيها، لكنني أحتفظ بها على أمل السداد يومًا ما" تقول شوق، التي كان البيع –وفقًا لها- مجديًا جدًا ما قبل ذلك العام الصعب 2007م، إلا أنه ومن بعده الحروب المتتالية على قطاع غزة، قطعت أي أملٍ بعودة الأمور إلى ما كانت عليه من قبل.

قف شوق الأقرع (40 عامًا) تمارس شغفها في البيع والشراء "المؤنسن"، ذلك الذي تعبر عنه بعطائها اللا محدود، دون قياس ذلك بموازين الربح والخسارة.

تضيف ضاحكةً: "النساء كسرنني"، تسرح قليلًا ثم تتابع: "يلا كسروني كسروني، مش مشكلة، أنا بحزن ع أوضاعهن، وأشعر بمآسيهن، وأكثر واحدة بواسيهن، ولما وحدة بتعتذر عن الدفع، بخليهاش تكمل، برد بسرعة: الله يفرجها علينا جميعًا".

ولا تنفك شوق عن التفكير بالنساء تحديدًا –فئة زبائنها الأشهر- تحصي أسماءهن بدفتر الديون بشكل شبه يومي، تذهب إليهن أحيانًا لعلها تحصل بعضًا من نقودها عندهم، لتجد نفسها اندمجت معهن في الأحاديث المتشابهة للأسرة والمصاريف والمال والبيع والشراء والديوون والتنظيف والترتيب والأولاد والآباء وكل الهموم المشتركة، حينها لا تجد نفسها إلا وقد ردّت بتلقائية: "لا تقلقي، العوض على ربنا، أي شيء بتحتاجيه تعالي على البسطة، وأنا جاهزة باللي تؤمري فيه".

ليست معيلة لنفسها فحسب، فشوق تعيل والدها المريض وشقيقها الصيّاد –والصيد في قطاع غزّة بات شحيحًا بسبب سطوة الاحتلال على مساحات الصيد، ومزاجيته في تحديد المسافة المسموح بها للإبحار- "إذن نعود إلى مأساتنا الأولى، الحصار، وهذا ما تريده إسرائيل" تعلق.

"لماذا أنت مستمرة في البيع إذا؟" سؤال وجهته "نوى" لشوق التي ردّت: "أبيع بخسارة، أشتري بالكثير وأبيع بالقليل، ما بحب حد يزعل مني، بيقولولي اصبري، وأنا بعرف إن الصبر طيّب، هيني بشغل نفسي، وبستطي هي راحة بالي".

شبكة نوى، فلسطينيات: "الديون منعتني من الزواج، تخيلي!" تتحدث شوق وتضحك، مضيفةً: "كان كلما تقدم لي شخص، يقول لي أبي: سدي الدين وبعدين فكري بالزواج".

تصل ديون "البائعة الكريمة"، إلى ٣٠٠٠ آلاف دينار أردني، مستحقة الدفع للتجار الذين يبيعونها البضائع، هم لا يتفهمون فعلها مع الناس، في كلّ مرة يأتون لطلب دفعةٍ ما ولا تملك فيها أن تعطيهم يأنبونها، لكنها تتحمّل، وتعدهم  بالإيفاء قريبًا، بمجرد أن يسدّها أحدهم ما عليه من مال.

"الديون منعتني من الزواج، تخيلي!" تتحدث شوق وتضحك، مضيفةً: "كان كلما تقدم لي شخص، يقول لي أبي: سدي الدين وبعدين فكري بالزواج".

ومن جهة ثانية كان الأشخاص الذين يتقدمون لها، ثم يعلمون بدينها، يقولون: إن المهر سيذهب للسداد، أنا سآخذها مديونة، ثم لا يعودون بعدها.. هكذا حتى أصبح عمر شوق ٤٠ عامًا.

لكن شوق لم تعد تفكر بالزواج، فهي لا تريد أن تسمع هذه "الأسطوانة" أكثر، لا تريد أن تفكر بأن أسمى أمنياتها كانت أن تتعلم، أن تحصل على شهادة الثانوية العامة، ولا أن تحلم بأن يكون لديها محل كبير يحميها من أشعة الشمس ومن برد الشتاء، ومن هروب البضاعة وتطاير "الحديد" الذي يحمل البسطة بفعل الريح. هذه أحلام في مهب الريح.

المهم الآن، أن يغيب صوت مطالبة التجار بالديون. وإن لم يكن لديها ديون، فبالتأكيد ستسامح الناس، فهي تحزن على أوضاعهم كثيرًا – تقول -.

كاريكاتـــــير