شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م11:54 بتوقيت القدس

آلاء الغول

ممرضة تعالجُ "كورونا" بالمرح في مستشفى "الأوروبي"

24 سبتمبر 2020 - 15:59

رفح:

أربعة أيام احتاجتها الممرضة الشابة آلاء الغول (25 عامًا) لاستجماع عافيتها، بعد قضائها 14 يومًا كأول ممرضة تُستَدْعى للعمل مع مرضى "كورونا" في قطاع غزة، ضمن الدفعة الأولى من الطاقم الطبي، عقب اكتشاف حالات مصابة بالفايروس في الرابع والعشرين من  آب/ أغسطس الماضي.

مجموعةٌ من مقاطع الفيديو،  تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أظهرت أجواء الفرح واللعب والضحك، التي عاشتها الممرضة الشابة، التي عملت بالإضافة إلى كونها ممرضة في تلك الفترة، منشطةً ومدربة، وإدارية ومنسقة، وحتى مسؤولة عن وجبات الطعام للمريضات في المستشفى الأوروبي.

صوت آلاء -التي تسكن مدينة رفح جنوب قطاع غزة- أتى هادئًا متقطعًا نسبيًا عبر سماعة الهاتف، وهي تسرد تجربتها في العمل مع النساء المصابات، فتقول: "التجربة لم تكن سهلة، لكنها ليست صعبة إذا أردنا أن نجعلها كذلك، المهم هو اتباع إجراءات السلامة بشكل كامل، ومعاملة المصابات بشكل جيد".

تخرجت آلاء من تخصص دبلوم التمريض، ومن ثم أكملت البكالوريوس، وتقدمت عام 2017م لوظيفتين في الوكالة والحكومة ونجحت بعلامات مرتفعة، اختارت العمل الحكومي ولكن مع الضائقة المالية تم تأجيل توظيفها، ولهذا تعمل بعقدٍ منذ مارس 2020م، لكنها استثمرت هذه السنوات، في تنمية مهارات أخرى لديها، مثل التدريب والتنشيط، ومارست العمل التطوعي الذي تعشقه منذ صغرها، وهذه المهارات كانت الأساس الذي استندت إليه في تعاملها مع مصابات "كورونا".

تضيف آلاء: "بعد الإعلان عن أول مجموعةٍ مصابة بفيروس "كورونا"، تلقيتُ اتصالًا من مدير المستشفى يطلب مني فيه تحضير حقيبتي والاستعداد للعمل، صعدت الباص بشكل عادي، وفوجئت برسالة استدراكية، كانت قد وصلت منه على تطبيق "واتساب" يخبرني فيها بأنني سأعمل مدة أسبوعين مع مريضات كورونا".

كانت صدمة بالنسبة لها، كانت تظن أنه دوام عادي مدته 24 ساعة، لكنها سرعان ما استجمعت قواها، واستعدت للمهمة الإنسانية، التي آمنت بأنها ستكون مختلفة، وأنها هي ذاتها "كآلاء" ستصنع فارقًا فيها، بالنسبة للمصابات.

تتابع: "مع دخولنا المستشفى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، تم توجيهنا لتحديد مسارات الدخول والخروج في المستشفى الأوروبي، تواصلتُ مع أهلي لجلب حقيبة احتياجاتي، كنا أول مجموعة يتم فرزها للعمل، وكانت معي زميلة ممرضة واحدة"، موضحةً أن الحالات كانت فرديةً في البداية، ومعظمها قدمت من بلدة المغازي التي كانت مطوقة بعد اكتشاف أول إصابة منها، "لكن لاحقًا، بدأنا باستقبال عائلات مصابة، ومعهم أطفال مصابين".

إجراءات العمل مع عدد كبير من المصابات والمصابين بفيروس كورونا لم تكن سهلة، خاصة وأن عليها كممرضة، تقديم الرعاية في خمسة أقسام، ذلك بعد ارتداء الزي العازل، ما يعني ضرورة عدم خلعه مدة 12 ساعة متواصلة، هي مدة المناوبة.

"ويمنع خلال هذه الساعات بشكلٍ قطعي، تناول الطعام أو الشراب، أو إزالة أي جزء من العازل، أو حتى الوضوء والذهاب إلى المرحاض، فالإجراءات الوقائية كانت مشددة جدًا" تردف.

أسفل الزي العازل، هناك أيضًا المريول الطبي، ومن ثم ملابس العمل، كل هذا ونحن في شهر أغسطس حيث ارتفعت درجة الحرارة بشكلٍ لا يطاق، كان على آلاء أن تتحمل هذا الزي بكل ما يجلبه من حرارة شديدة، ناهيك عن مواصلة التعقيم طوال الوقت لكل جزء في المكان، الأمر الذي كان يستهلك من وقتها ساعات.

وتكمل :"التعامل مع المصابات والمصابين بالفيروس ليس سهلًا، من ناحية كان عامل النظافة يقوم بالتعقيم في الطرقات التي يمرون فيها عند حضورهم، كذلك كان الجميع يتعامل معهم عن بُعد"، ملفتةً إلى أن "هذا الإجراء" وبرغم صحته، إلا أن الناس كانت تشعر بالحساسية والحرج والضيق.

بالنسبة لآلاء، كانت المهمة الأولى بالنسبة لها هي احتواء المرضى، ومحاولة شرح أن هذه الإجراءات هي حماية لهم حتى تمام الشفاء، "وكثيرًا ما اشتكوا رفضهم وجود عدة حالات معهم في ذات الغرفة، فهم يعتقدون أن وجود غيرهن معهن، سينقل لهن العدوى، رغم أنهن مصابات"!

وتكمل: "ما وجدته أن التعامل مع المرضى يكون باحتوائهم هم، لا باحتواء المرض، الاحتواء هو العلاج الحقيقي لهم، أن نتحدث معهم ونسمعهم ونهوّن عليهم".

تشرح ذلك بقولها: "كنت دائمة الضحك والكلام الطيب معهم، الناس تحب الكلمة الطيبة واللسان اللطيف، لم أخشَ في أي مرةٍ الاقتراب منهم، بالعكس، فما دمت قد اتخذتُ كافة إجراءات الحماية، فلم الخوف؟"، متابعةً: "لامني كثيرون بسبب فيديو حضنت فيه طفلة، كانت الطفلة مخالطة، وقد ظهر لاحقًا أنها مصابة، هي كانت موجودة بمفردها بعيدة عن أهلها المصابين، لهذا حدث المزاح والضحك معها كي أهوّن عليها".

أكثر المواقف التي ستظل عالقة في ذهن آلاء، هي حين هربت امرأة من المستشفى في الساعة الثالثة فجرًا، وركضت هي بحثًا عنها فوجدَتها بين الأشجار، كانت تريد الالتحاق بأبنائها المصابين الذين يتواجدون في حجر دير البلح، وتم بالفعل نقلها.

أما الموقف الآخر فكان لسيدةٍ أجرت سابقًا عملية استئصالٍ في المعدة، وقد كانت بحاجة لرعاية أكثر بسبب مناعتها الضعيفة، "لذا كنت دائمًا أضحك معها وأمازحها كي أزيل عنها الحزن" تعقب.

وتجزم الممرضة آلاء أن معلومات الناس حول المرض وطرق الوقاية ما زالت محدودة، وهم بحاجة لتوعية حول كيفية غسل اليدين وطريقة لبس الكمامة، وإجراءات التباعد الاجتماعي، أما أبرز الأعراض التي لاحظتها رغم أنها كانت بسيطة بوجه عام، هي الصداع والحرارة المرتفعة، وخاصة في الأسبوع الأول، وفقدان حاستي الشم والتذوق والإسهال أحيانًا، وكذلك نخزات في الصباح، وفي فترة ما بعد الظهيرة.

أما عن موقف عائلتها، فقالت: "حين علموا أنني سأذهب لرعاية مرضى ومريضات كورونا، تخوّفوا بشدة، خاصة أنه في الأيام الأربعة الأولى لم يكن هناك اتصال جيد بيني وبينهم، بسبب عدم وجود شبكة إنترنت في المبنى الذي تم تخصيصه كسكن للطاقم الطبي، ولكن لاحقًا زال خوفهم وشجعوني"، تصمت قليلًا وتضحك قبل أن تكمل: "هم اليوم فخورين جدًا بما قدمته للمريضات والمرضى هنا، أظنها تجربة لن تُنسى في تاريخ حياتي".

كاريكاتـــــير