شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م01:25 بتوقيت القدس

خبأته أمه في قِدرٍ قبل أن تُقتل في لبنان..

حكاية "أيمن".. التونسي الذي اكتشف أنه ابن غزة!

21 سبتمبر 2020 - 13:04

سوسة:

أظلمت الدنيا في عينَي الشاب التونسي أيمن بن هادية حين توفيت أمه في حزيران/ يونيو من عام 2004م، فكيف لابنٍ وحيدٍ عاش مدللًا أن يصدّق رحيل والدته بهذه السرعة؟

مرّت الأيام، قاد الشوق أيمن مرارًا إلى غرفة أمه "سميرة عبد السلام" لعله يشعر بروحها تربّت على كتفه المنهكة، يتحسس أغراضها، ويفتح خزائن ثيابها فيشمُّ رائحتها هناك يحتضن صورتها معه ويبكي.. هكذا حتى حدثت المفاجأة.

كان عمر أيمن حينذاك 22 عامًا، يومَ وجد بين أغراضها صندوقًا يخصّها، فبدأ يقلّب ما فيه حتى وجد أوراقًا تمت المصادقة عليها من قبل منظمة التحرير الفلسطينية، تفيد بأن "سميرة" ليست أمه! وأن "عبد القادر بن هادية" الذي يحمل اسمه ويعيش معه منذ أكثر من عقدين ليس والده! بل وأنه هو "أيمن" نفسه، يحمل اسم عائلةٍ أخرى، لكن كيف؟!

خرج أيمن كما يروي لـ"نوى" مسرعًا إلى والده يسأله، لكن الردَّ صدمه، لقد قرر الأب مصارحة ابنه بالأمر فكان منه أن قال له: "نعم يا بني لست ابننا، لقد تبنيناك أنا وأمك بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، قتل الاحتلال الإسرائيلي والديك الفلسطينيين ونجوت أنت".

حاول أيمن استيعاب الصدمة، لكنه قطع عهدًا على نفسه أن يبقى بجوار والده عبد القادر، الذي صمت لسنواتٍ خشية أن يتركه أيمن الذي تعلق به برفقة زوجته، ولم يكن لهما في الحياة سواه، تعبا من أجله وناضلا كي يعيش حياةً كريمةً يملؤها حب الوالدين الذين حُرما نعمة الأطفال فكان لهم ابنًا.

وفي أصل الحكاية: حين وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا في سبتمبر 1982م، كان أيمن يبلغ من العمر ثلاثة شهور، وكان يعيش مع والده عبد الرحمن الديراوي، وأمه –التي لا يعرف اسمها الثاني- عائشة، وعند وقوع المجزرة خبأته أمه في قدر طعام خوفًا من قتله ومعه كل أوراقه الثبوتية، نجا الطفل وقُتل الوالدين، وتم نقل أيمن برفقة أطفال آخرين استشهدت عائلاتهم في المجزرة إلى مقر منظمة التحرير بدمشق.

تقول ورقة منظمة التحرير: "تفيد ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في الجمهورية العربية السورية –مكتب دمشق- بأن الطفل أيمن عبد الرحمن الديراوي/ ووالدته عائشة من مواليد بيروت/ لبنان عام 11-6-1982م، والداه من الشهداء الذين سقطوا أثناء الغزو الصهيوني للبنان."

كان السيد عبد القادر بن هادية، يعمل مديرًا للمركز الثقافي الفرنسي في بيروت وقتها، وانتقل برفقة زوجته سميرة إلى دمشق، وهناك طلبا تبني أيمن، وتم تسليمهم أوراقه وترتيب أوراق نقله إلى تونس بشكلٍ قانوني، وتسميته باسم العائلة، ووالحصول على جواز سفر تونسي له.

عاش أيمن مدللًا برفقة والديه، لا ينغّص حياة الابن الوحيد شيئًا، لكن كلما سأل أمه لم هو ابنهم الوحيد، كانت تجيبه: "إن هذا من حب الله لك"، فكان يقتنع ويصمت.

قبض أيمن- البالغ 38 عامًا الآن- لسنوات على جمر الحقيقة، حتى توفي والده عام 2012م، فقرر البحث عن عائلته الفلسطينية، وكان عليه تقبّل فكرة أن بلادًا يسمع عنها في نشرات الأخبار، سوف يحمل جنسيتها يومًا ما، ويسير في شوارعها، ويكون أحد أبنائها.

يقول أيمن: "منذ وفاة أبي، بحثت كثيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي عن أفرادٍ من عائلة الديري، عرفتُ أنهم من قطاع غزة، عام 2016م، تمكنت من التواصل مع صحفي يعمل لدى قناة الجديد اللبنانية، وقد تولى مهمة استضافتي في بيروت والحديث عن قصتي".

في بيروت حاول أيمن زيارة قبر والديه، لكن للأسف، كل ضحايا تلك المجزرة تم دفنهم في مقابر جماعية، هناك.. وضع إكليلًا من الزهور على ضريح الضحايا وبكى كثيرًا، بكى على أبوين لم يشاهدهما، ولم يتبقَ لهما حتى صورةً تدل على ملامحهما، بكى على ضحايا مجزرةٍ لطالما سمع عنها، ولم يتوقع أن يكون ذات يوم أحد الناجين منها، بل وضحيةً لها أيضًا.

كان أيمن قد تزوج وأنجب بناته الثلاث، في تونس التقى السفير الفلسطيني وقدّم الأوراق كلها، طالبًا بمنحه جواز السفر الفلسطيني، ليتمكن من السفر إلى فلسطين، والالتقاء بعائلته المكنّاة "الديراوي".

يضيف: "عام 2017م، تمكنتُ من التواصل مع أحد أفراد العائلة من خلال موقع التواصل فيس بوك، ومن ثم تواصلت مع آخرين، أخبروني بقصة عبد الرحمن (والدي) الذي هاجر إلى سوريا ثم إلى لبنان، وهناك قُتِل مع زوجته التي لا يعرفونها وابنه".

ويكمل: "أخبروني أن والدي حين سافر إلى سوريا للالتحاق بمنظمة التحرير، ترك زوجةً في فلسطين وطفلة، علمتُ أن لي أختًا اسمها هدى، وهي متزوجة في النصيرات، وتبلغ الآن من العمر 50 عامًا، لكن لم أتمكن من التواصل معها بعد، فهي من عائلةٍ محافِظة، بعد انتهاء إجراءات فحص ال DNA يمكننا ذلك".

يسابق الشاب الفلسطيني التونسي الأيام، من أجل إتمام إجراءات فحص الحمض النووي الذي يثبت نسبه لعائلة الديراوي، فكل دقيقةٍ تمر كأنها جبلٌ على قلبٍ علِم حديثًا أن له سندًا وأسرة، وأن بناته الثلاثة لديهن عمّة، وأبناء عمة، يريد لهنّ التعرف عليهم".

"لكن منذ عام 2016 والإجراءات تسير ببطىء"، يعلق أيمن بني هادية أو الديراوي، فالشاب بات الآن يحمل الاسمين والجنسيتين، وكل ما يريده الشاب الذي يعمل في معرضٍ للسيارات في سوسة بتونس هو العثور على عائلته.

"نعم أعرف بعض التفاصيل عن صعوبة الحياة في قطاع غزة"، يقول أيمن، ردًا عن استفسار "نوى" حول ما سيكون عليه شعوره فيما لو كُتبت له زيارة غزة، ويزيد: "أعرف أن الكهرباء تنقطع، وأن الحصار مشدد، والمياه غير جيدة، واعتداءات الاحتلال وتصعيداته متكررة، بكل الأحوال أنا أريد زيارة عائلتي".

في فلسطين، كُتبَ علينا أن نروي دومًا قصصًا لأبطالٍ كان لهم من انتهاكات الاحتلال نصيب، كلُّ قصةٍ فيها من "الألم" ما يخصها وحدها، لكن كلها تشترك في "بارقة أملٍ" تُختم فيها الحكاية، لتخبر أن هذا الشعب "لا، ولن ينسى حقه".

أيمن بن هادية/ الديراوي مع بناته

وثيقة منظمة التحرير الفلسطينية 

كاريكاتـــــير