شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م10:32 بتوقيت القدس

مواطنون: أبقَى من مئة "مول"

"كورونا" يُعيد الهيبة لـ "دكَاكين الحي" المُهمَلة!

03 سبتمبر 2020 - 20:03

شبكة نوى، فلسطينيات: شبكة نوى | قطاع غزّة:

"رُبَّ ضارةٍ نافعة" قالها محمود، ثم تراجعَ معتذرًا. لقد انتبه بأن المثل لا يناسب المقام الذي قيل فيه رغم مطابقته لواقع الحال الذي يحياه اليوم تمامًا، كصاحب دكّانٍ صغير في إحدى الشوارع الفرعية لحي الشجاعية شرق مدينة غزة.

قال بينما كان ينفض غبار رفوف دكّانه الخالية، ويرش عليها رذاذ الكلور كي يعقمها استعدادًا لاستقبال بضاعةٍ جديدة: "آسفٌ لأرواح الضحايا، لكن حال دكاني انقلب فعلًا بسبب الحجر، كان الناس من قبل يتوجهون لشراء احتياجاتهم من الأسواق الكبيرة والمولات، أما اليوم، فليس أمامهم غير دكاكين أحيائهم، يرضون بالموجود فيها كي لا تنقطع عن عوائلهم المؤونة".

منذ بدء فرض الخصومات على رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في نيسان/ أبريل ٢٠١٧م، اهترأت "دفاتر الديون" في الدكاكين دون أن يسدد أصحاب الأسماء فيها أي مبلغ.

مكالمة سريعة أجراها الرجل الذي يبلغ من العمر (47 عامًا) مع تاجر جملة، بدأها عبر مكبّر الصوت "السبيكر" بـ "آلو" التي خرجت بثقة "مرحبا، أنا محمود البيّاع، متذكرني يا أبو هشام"، يجيبه التاجر ضاحكًا: "أهلًا أهلًا، إنت لسه بتبيع يا بيّاع؟ زمان عنك".

بعد أخذٍ ورد، وافق التاجر على تزويده بالبضاعة مساءً مشترطًا "الدفع قبل الرفع"، قال له: "جهّز فلوسك، بنقبلش الدين ياخو"، ليختم الرجل –وهو أبٌ لثمانية أطفال- المكالمة بالضرب على صدره، بعد أن تعهّد له بتوفير المبلغ المطلوب.

دبّر محمود المبلغ "باللي تفهموه" على حد تعبيره، كي يستطيع تلبية احتياجات الناس التي "هلّت على دكانه"، فهذه فرصة انتعاشٍ حقيقية، بعد أن كانت الدكان مجرد محطةٍ للتسلية بدلًا من المكوث في البيت، "ولا تحتوي سوى على بعض أصناف الشيبسي، والمشروبات، والمعلبات، وأشياء أخرى بسيطة".

عن دخله سابقًا، لم يكن البائع يحصّل أكثر من ١٥ شيكلًا في أحسن الأحوال، بخلاف يوم الإعلان عن فرض منع التجول، حيث طلب من الموزع بضائع بالكاد لبت احتياجات المواطنين آنذاك، فتجاوز البيع في ذلك اليوم وحده ٤٠٠ شيكل، ثمّ في الأيام اللاحقة، صار يبييع بـ ٥٠ شيكلاً كأدنى حد.

في الرابع والعشرين من آب/ أغسطس الماضي، أعلنت حكومة قطاع غزّة عن إعلان فرض حظر التجوّل في القطاع، عقب الإعلان عن أول إصابة بفايروس (كوفيد-19) بين السكّان، وهو الأمر الذي دفع الناس إلى اللجوء للدكاكين الصغيرة المنتشرة في الأحياء، بسبب إغلاق الأسواق والمولات والمحلات الكبرى، منعًا لتفشّي الفايروس.

والدكاكين والبقالات، هي محال تجارية صغيرة تنتشر في الحارات الضيقة والشوارع الفرعية، وعادة كان الناس يميلون على أصحابها للاستدانة منها وقت تأخر الرواتب، أو ضيق الحال، سواءً من موظفي السلطة الفلسطينية، أو من موظفي حكومة قطاع غزّة الذين يتلقون "سلف" وليس رواتب بقيمةٍ كاملة شهريًا، فيفتح أصحابها دفاتر تسمى بـ "دفاتر الدين"، وعند معاد الرواتب يقومون بتسديدها أو تسديد أجزاء منها.

ومنذ بدء فرض الخصومات على رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في نيسان/ أبريل ٢٠١٧م، اهترأت "دفاتر الديون" في الدكاكين دون أن يسدد أصحاب الأسماء فيها أي مبلغ، عدا عن الفئات الأخرى التي لا معيل لها، وموظفي غزة الذين بالكاد تكفيهم قيمة رواتبهم المنقوصة.

بعد إعلان فرض حظر التجوّل، صار الناس يطرقون باب بقالة سامية بينما كانت نائمة لا تدري ماذا يحدث في البلاد، باغتها ابنها الذي أتى لإيقاظها فرحًا "إصحي يمّه إجتنا رزقة.

ولم تكن سامية رجب -وهي صاحبة بقالة أخرى- تعلمُ أن أزمة "كورونا" سوف تنتشل دكانها من الإغلاق. تخبر "نوى" أنها كانت تنوي إغلاق بقالتها قبل وقتٍ قريب، بسبب كثرة الديون على الناس، وعدم مقدرتهم على إيفاءها، وكذلك الاعتماد على المحلات التجارية الكبرى بحثًا عن "العروض"، وأصناف أخرى يظنون أنها أكثر جودة من المعروضة لديها.

الساعة الحادية عشر مساءً، من بداية مسلسل "كورونا" بغزة، وبعد إعلان فرض حظر التجوّل، صار الناس يطرقون باب بقالة سامية بينما كانت نائمة لا تدري ماذا يحدث في البلاد، باغتها ابنها الذي أتى لإيقاظها فرحًا "إصحي يمّه إجتنا رزقة، الناس واقفة عالباب بدهم يشتروا من عنا كل اشي".

تتابع: "ليلة الحظر بعت ما يزيد عن ١٠٠ شيكل، في العيد ما بعت هيك، ثاني يوم، من الفجر صحّيت إبني ورحت تبضعت للدكان وبعت بحوالي ٣٠٠ شيكل".

لم تخافي من "كورونا"؟ سؤال وجهناه لها؛ فردّت: "لم أفكر بالفايروس أصلًا، فالفرصة كانت ذهبية لتحسين مصدر رزقي"، قائلة: "والله كورونا إجا يحسّن وضعي، كنا عايشين في موت من الحرب ومن الحصار، لكن اليوم لأول مرة (الشيء اللي قالوا عنه موت، كتبلي حياة جديدة".

كذلك حدث مع محمد أبو حسين ٦٠ عامًا، يقول: "لم أتخيل أن دكاني ستنهض مجددًا ولا بأي حال من الأحوال، حتى في أوقات الحرب كانت الناس تتسوق من المحال الكبيرة والأسواق والمولات"، مضيفًا: "كورونا غيّرت المعادلات". 

لكنه، وخوفًا على صحته، صار يحرص على توصيل الطلبات للناس إلى منازلها من خلال أبنائه، يفضل أن يطلبونها عبر الهاتف، فيفتح نصف بابه، ومن الممكن أن يستقبلهم من بعيد. لا يمسك المال بيديه رغم ارتداءه القفازات، بل يشير للزبائن أن يضعوها في وعاء بلاستيكي يقوم بتعقيمه ورشّ "الكلور" عليه كلما وضع أحد به فلسًا.

كاريكاتـــــير