شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاربعاء 24 ابريل 2024م02:11 بتوقيت القدس

وقفٌ عن العمل وتوجه لاعتماد "أجهزة تقنية"..

يدُ "الجائحة" الثقيلة تكسر أقلام صحفيين بغزة

26 اعسطس 2020 - 13:49
صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

قطاع غزّة | شبكة نوى:

"أول الخاسرين في هذه الأزمات، وخطوط الدفاع التي يتم التخلي عنها هم الفريلانسر (الكُتّاب بالقطعة)"، يقول الشاب الصحفي محمد موسى، متحدثًا عن أثر أزمة "كورونا" على عمله الصحفي.

كان محمّد يعملُ مع جريدة عربية، منذ شهور طويلة، بتعاقدٍ مفتوح، وراتب شهري منتظم، لكن مع بداية أزمة "كورونا"، أعلنت الجريدة حالة الطوارئ، وقلصت من مساحة العمل لطواقمها.

"من أول الأزمة ويدي على قلبي" يضيف محمد، الذي كان يتوقع بأن يتأثر بشكلٍ مباشر بسبب الأزمة، رغم المحاولات الحثيثة لعدم التخلي عنه من طرف الإدارة لجودة عمله، ويتابع: "الأمور لم تعد تعتمد على العواطف، جهزت نفسي لسماع القرار قبل تبليغي به بفترة، لكن لا أستطيع أن أنفي وقعه السيئ علي وعلى نفسيتي".

"أول الخاسرين في هذه الأزمات، وخطوط الدفاع التي يتم التخلي عنها هم الفريلانسر (الكُتّاب بالقطعة)"

ويردف: "الفرص كانت نادرة، واليوم صارت أندر!"، متسائلًا: "كيف سوف تخلق المؤسسات التي تخلت عن صحافييها، أو قلصت من رواتبهم فرصًا جديدة لصحفيين جدد؟ إن معظم المحاولات لإيجاد أي عمل جديد، يُعوّضُ ما أحدثته أزمة كورونا، يعدُّ الآن عبثًا".

ويتابع: "العمل مع الأزمة ازداد، أصبح هناك قضايا أكثر للمعالجة، خلال شهري آذار/ مارس، ونيسان/ إبريل المنصرمين، كانت الساحة بغزة غنية بالأفكار الصحفية التي يمكن نقلها للمشاهد، أو القارئ العربي حول تداعيات كورونا".

لكن بعد إبريل، عادت المؤسسات لطبيعتها ما قبل كورونا، ترفض الأفكار ذات العلاقة المباشرة بالجائحة، فالموضوع أصبح عاديًا بالنسبة للناس، وهذا ما حدث، أضف إلى ذلك أن الجهة التي كان يعمل معها الشاب اتجهت لتقليص أعداد المراسلين لديها، حتى وصلت إلى قرار "الإيقاف عن العمل"، فراح ضحية لذلك محمد وعدد آخر من الصحافيين والصحافيات في المنطقة العربية ككل، "توقفوا تمامًا بذريعة عدم وجود ميزانية للدفع وفق ما تم إخباره به".

في هذا الوقت، على صعيد الجرائد والمواقع الإلكترونية، فقد قلَّصت من مساحة تغطيتها ووصولها للجمهور. تريد موادًا أقل لأنها خفضت من عدد صفحاتها، فبدلًا من ثماني تقارير، صاروا يطلبون من المراسل أربعة (والحديث لمحمد)، "بل إنهم صاروا يلجأون للتغطية الإخبارية على حساب المواد غير الإخبارية من تقارير إنسانية واجتماعية وقصص مختلفة".

بالنسبة للأثر الاقتصادي الذي خلفه ترك العمل لمحمّد، فإن مدخوله انخفض بنسبةٍ تتراوح بين 60 إلى 70 بالمئة، ليس على صعيد جريدته فحسب، بل على صعيد مواقع أخرى كان يعمل معها أيضًا، وإن كان يقدم للثانية قطعة واحدة شهريًا على سبيل المثال، إلا أن العمل معها انتهى اليوم بشكلٍ كامل، يعقب: "صحيح أنها لم تكن فرصًا ثابتة، لكنها كنت تسند الزير، ناهيك عن أن هناك مؤسسات عمدت إلى تخفيص سعر القطعة، الأمر الذي يجعل العمل معها بلا جدى حرفيًا".

أيمن كامل: ببساطة سيجيبني صاحب العمل بقوله" المئات غيرك يتمنى هذه الفرصة، وإن بـ 100 دولار فقط

أما أيمن كامل، فهو مصوّرٌ صحفي رفض ذكر اسمه حفاظًا على "فرصته" في عمله كمصوّر بإحدى شركات الإعلام في قطاع غزّة، منذ حوالي (10 أعوام) فوجئ وبدون سابق إنذار بتقليص راتبه وزملائه العاملين معه على اختلاف مسمياتهم بنسبة 50%، رغم أن رواتبهم كانت تحت الحد الأدنى للأجور المقرر في فلسطين.

يقول: "برغم الغيظ والغصّة، لم أستطع التفوه بكلمةٍ واحدة اعتراضًأ على ما يجري، فببساطة سيجيبني صاحب العمل بقوله" المئات غيرك يتمنى هذه الفرصة، وإن بـ 100 دولار فقط".

والمعروف في شركات الإعلام والإنتاج المحلي، أن رواتب الصحافيين والصحافيات العاملين فيها متدنية، بسبب تنافس و"تبخيس" الأسعار وفق ما يطلق عليه الصحافيون على حساب رواتبهم التي تتراوح غالباً ما بين 100 إلى 500 دولار فقط، وبساعات عمل غير محددة، "بل وأحيانًا تحددها الأحداث، فعلى سبيل المثال قد تصل ساعات العمل في أوقات التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزّة إلى 24 ساعة عمل متواصلة" يضيف أيمن.

"الطامة الأكبر ليست في الراتب، بل بالاستغناء عنا كطواقم عمل كاملة بذريعة كورونا" هو تخوفٌ لا يخفيه أيمن، بعد تسريباتٍ داخل الشركة ملخصها أن قنوات فضائية تسعى للاعتماد على شخصٍ واحدٍ في التغطية الإعلامية بدلًا من الطاقم والكاميرات الاحترافية، من خلال تخصيص هواتف محمولة بتقنيات عالية تساعده على التصوير بنفسه والخروج مباشرةً بمادته الإعلامية. 

وتعقيبًا على تأثير جائحة "كورونا" على العمل الإعلامي العالمي، نشر الكاتب والصحفي المصري ياسر عبد العزيز مقالًا  قال فيه: "إن أول أثر لجائحة كورونا في صناعة الإعلام، يتلخص في أن هذا الفيروس سيشجع الصناعة على إجراء تغيير جذري في آليات عملها، وصولًا إلى ما يمكن وصفه بأنه «نموذج أعمال جديد»؛ حيث سيتم تخفيف أعداد العاملين، والاعتماد على مناوباتٍ لبعض الوقت، والسماح لأعدادٍ كبيرة من الكوادر بالعمل من المنزل، والقيام بتغطيات «ميدانية» عن بعد، وتصميم دورة عمل (Workflow) أكثر ذكاء واعتمادية تقنية".

ومن ناحية ثانية، فإنها ستؤثر –حسب مقال الصحفي عبد العزيز- في إعادة صياغة أولويات الجمهور، وصناع الأجندات الإعلامية، "ليتجسد الأثر الثالث لـ«كورونا» إعلاميًا في إعادة الاعتبار لوسائل الإعلام الموصوفة بـ«التقليدية» في مواجهة تلك المعروفة بـ«الجديدة»". وهنا سيعود الفضل مجددًا لأجواء الغموض والخطر، التي يزيد فيها ميل الجمهور بحسب خبراء الإعلام، إلى البحث عن المصادر الأكثر صدقًا، التي تخضع لنمط من المحاسبة والمساءلة بطبيعتها.

وسائل الإعلام ستُمنى بخسائر اقتصادية كبيرة، نتيجة تراجع عوائد الإعلان، وصعوبات عمليات الإنتاج

فبسبب تلك الأجواء، وطبيعة «السوشيال ميديا» غير الخاضعة لأيٍ من أنواع الضبط من جانب آخر، أُعيد الاعتبار للصحيفة والتليفزيون ووكالة الأنباء، وراحت التفاعلات على «السوشيال ميديا» تنحسر في الأهمية والاعتماد رغم كثافة التعرض، أو على الأقل بات الجمهور أكثر حرصًا على تدقيق ما يرِدُ عبرها، وأبعد خطوة عن الوقوع ضحية لشططها.

واتصالًا بهذه العوامل الثلاثة، وبناءً عليها، يبرز الأثر الرابع لـ «كورونا» في الإعلام؛ إذ يبدو أن قطاعاتٍ غالبة من الجمهور، انخرطت طوعًا في ورشة «تربية إعلامية» (Media Literacy) كبرى.

ويتوقّع عبد العزيز أن العامل الخامس الذي يتسم بالسلبية للأسف؛ هو أن وسائل الإعلام ستُمنى بخسائر اقتصادية كبيرة، نتيجة تراجع عوائد الإعلان، وصعوبات عمليات الإنتاج. فقد تتوقف بعض الصحف المطبوعة عن الصدور تحت وطأة الأزمة المستجدة، التي تضافرت مع المشكلات المزمنة، وستقلص بيوت إنتاج كبرى عملياتها، وسيتم صرف بعض العاملين فيها أيضًا.

كاريكاتـــــير