شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م13:20 بتوقيت القدس

كما "صاروخ الحرب" الأول..

"كورونا" تباغتُ "جيب" غزة المُهترئ بـ"حظر تجول"

26 اعسطس 2020 - 08:00

قطاع غزّة | نوى:

"أجبرت على الاستدانة كي أوفر ثمن كيس طحين، وبعض المعلبات" يقول منذر الحاج أحمد، وهو ربُّ أسرة مكوّنة من ١٢ فردًا، ويعمل في محل ملابس بأجرة يومية تبلغ 20 شيقلًا (حوالي 5 دولارات).

لقد بلغ البؤس في قطاع غزة ذروته! أربعة عشر عامًا من الحصار الإسرائيلي المطبق، وإغلاق المعابر والحدود والبحر، والقصف المستمر، وصلت بفتيل القنبلة "غزة" إلى حد الانفجار. 

هذه البقعة المسكينة التي تستضيف الكهرباء أربع ساعاتٍ، مقابل 16 ساعة من العتمة و"النار الحمراء" (وصف يدل على شدة الحر)، ولا ترى صنابير أهلها المياه إلا كل يومين وأحيانًا ثلاثة، تم فيها الإعلان عن أول إصابةٍ بفايروس "كورونا" من خارج مراكز الحجر. نعم –هذا ما حدث- مواطنةٌ عادية، تقطن في بيتٍ ضمن حيٍ سكني عادي، مصابة بفايروس "كورونا" ونقلته إلى 4 من أفراد محيطها القريب خلال أقل من 24 ساعة! 

أربعة عشر عامًا من الحصار الإسرائيلي المطبق، وإغلاق المعابر والحدود والبحر، والقصف المستمر، وصلت بفتيل القنبلة "غزة" إلى حد الانفجار. 

يقول منذر: "هذا ما لم يكن في الحسبان، بعد سبعة أشهر من الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة في قطاع غزّة لمواجهة فايروس كورونا، لم أتوقع أن يصل الفايروس إلى السكان، وأن يتم الإعلان عن إصابات من خارج مراكز الحجر".

"وضع غزة مأساوي" يتابع منذر بحرقة، وهو الذي تمكن اليوم من تدبير أمر أسرته بالدين لأجل توفير أكثر ما يمكن أن يحتاجونه في ظل الحجر والإغلاق (الخبز)، لكنه لا يدري في حال استمر الإغلاق ماذا سيفعل؟ من أين سيعيش؟ وكيف سيتدبر أموره؟ هو لا يدري حتى إذا كان هناك خطة جادة للتعامل مع احتياجات المواطنين هنا في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية أصلًا؟

وكان مركز الإعلام الحكومي في قطاع غزة، أعلن عن فرض حظر تجول شامل لمدة 48 ساعة، بعد اكتشاف أربع إصابات بفايروس "كورونا"، مساء الاثنين الماضي، وهي الإصابات الأولى التي يتم تسجيلها داخل القطاع، وليست بين المحجورين، حيث أفادت وزارة الصحة بأن المصابين الأربعة من عائلة واحدة، تسكن في مخيم المغازي بالمحافظة الوسطى، وهم ثلاثة ذكور وامرأة.

وقررت الحكومة فرض حظر تجوال تام على جميع محافظات القطاع لمدة 48 ساعة، ابتداءً من ليلة الاثنين، بما يشمل مقرات العمل الرسمية والخاصة والمؤسسات التعليمية، وإغلاق المساجد والأسواق، وصالات الأفراح، والنوادي، ومنع التجمعات، علمًا بأن هذه الفترة لازمة لعمليات حصر الوباء، وتحديد أماكن الإصابة المحتملة، والتعامل مع الحالات المخالطة.

إعلان حالة الطوارئ في القطاع يأتي بالتزامن مع ازدياد الأوضاع الاقتصادية والمعيشية سوءًا، وبرغم ذلك، فإنه بمجرّد الإعلان عن الإصابات، بدأ الناس بالاكتظاظ في المحال التجارية للتبضع بالاحتياجات الأساسية اللازمة.

فقد أُجبرت نيفين عايش، على الانضمام إلى طابور الزبائن المقدمين على شراء الخبز، وأخيرًا ارتدت الكمامة التي أهدتها إياها صديقتها، بعد أن حدّثتها بأنها لا تملك المال لتشتريها، وحملت في حقيبتها معقم اليدين وبعض القفازات الواقية التي كانت مرفقةً معها في ذات الهدية، التي كانت تعبر عن أبسط أمنياتها في ظل الظروف المأساوية التي يعاني منها أكثر من مليوني إنسان محاصرين من قبل الاحتلال الإسرائيلي في غزة.

"يا ليت كورونا إجت من زمان يا ماما"، أمنية وقعت كالصاعقة على مسمع نيفين، بعد أن قالها أطفالها تعليقًا على كمية الحاجيات التي أحضرتها إلى المنزل

تعمل الشابة في خياطة الملابس على ماكينة بسيطة، تعيل أسرتها بمدخولٍ يومي يتراوح ما بين ٤ شواكل، و١٥ شيكلًا في بعض الأيام، وهي أمٌ لثلاثة أطفال، وزوجها عامل على بسطة للقهوة في أحد الشوارع، بعد أن كان يحلم ولو بعقدٍ مؤقتٍ عند تخرجه من تخصص "المحاسبة" وجد نفسه اليوم وقد تجاوز الثلاثين بأعوام، فحُرم من التقديم لأي وظيفة، دائمة كانت أو حتى مؤقتة.

"يا ليت كورونا إجت من زمان يا ماما"، أمنية وقعت كالصاعقة على مسمع نيفين، بعد أن قالها أطفالها تعليقًا على كمية الحاجيات التي أحضرتها إلى المنزل ليلة إعلان حظر التجول (الخبز والمعلبات وبعض الخضار، وصنف فاكهة) بقيمة 100 شيكل، كانت تحتفظ بها لـ "يومٍ أسود" وفق قولها.

لا يدرك أطفال نيفين ماذا يعني فايروس "كورونا"؟ وحتى لو أدركوا، فإن الأمر لا يهمهم بقدر ما كانت الأزمة "خيرًا" بالنسبة لهم، فثلاجة منزلهم امتلأت بخلاف الوضع الطبيعي، وهذا ما دفعهم إلى التعبير عن سعادتهم بهذه العبارة غير مقصودة المعنى.

وفي منزل محمّد ثابت، يؤكد الرجل أنه لم يكن يملك سوى ١٥٠ شيكلًا ليلة إعلان الحظر، اشترى بنصفها حليبًا لطفله وحفاضات، وبالنصف الآخر بعض المستلزمات الأساسية، من خضار ومعلبات وأيضًا من مواد معقمة. 

يقول: "لا أريد التفكير في الغد، أتمنى أن يمر اليوم بسلام فقط، في غزة تعوّدنا على أقل القليل خاصّةً في أيام الحروب، ومع كورونا، هذه حرب أخرى تباغتنا!".

"الحرب وكورونا"، في غزة لم يكفّ الناس عن ربط الكلمتين ببعضهما البعض، فالعدوان الإسرائيلي المستمر على سكّان القطاع، الذي طال كلّ مناحي حياتهم، يشبه كثيرًا "الفايروس" الذي يحاول النيل من أبسط مقوّمات الصمود هنا، الاحتلال يحاصرهم في مساحة ضيقة من الكون لا تتجاوز ٣٦٥ كيلو مترًا، وفايروس "كورونا" يحاصرهم بمنازل ضاقت بأهلها، لا كهرباء فيها ولا ماء، لا مال ولا روح للتعايش أيضًا، فحياة الفلسطينيين في القطاع اليوم، صارت تدور في حلقةٍ مفرغة! مرةً تصفعها تبعات الحصار، ومرةً تخنقها آثار الحجر.

كاريكاتـــــير