شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م15:06 بتوقيت القدس

"جدولة القروض" والعودة لنقطة الصفر..

المعاقبون بغزة في "فخ" تسهيلات "كورونا" البنكية

23 اعسطس 2020 - 15:55

شبكة نوى، فلسطينيات: غزة:

في نهاية عام 2016م، حصلت السيدة نسرين القيسي الموظفة الإدارية في إحدى الجامعات الحكومية بقطاع غزة، على قرضٍ بقيمة 20 ألف دولار، من البنك الذي تتقاضى منه راتبها "الحكومي"، بغاية إكمال بناء البيت.

كانت السيدة تسدد شهريًا ما قيمته نصف الراتب بشكلٍ طبيعيٍ، على أساس أن ينتهي التسديد بعد 6 سنوات، حتى انقلبت الأمور رأسًا على عقب، بعد أن بدأت الإجراءات العقابية على قطاع غزة، وانخفضت قيمة راتبها، فانخفضت على إثرها قيمة السداد بفارق 400 شيكل.

القيسي:كان البنك يخصم نصف الراتب الذي كان يصل إلى حسابي مباشرة، لكن مع بدء أزمة كورونا، وإجراءات سلطة النقد، فوجئت به (البنك) أعاد جدولة القرض دون علمي

تقول القيسي: "مع ذلك، كان البنك يخصم نصف الراتب الذي كان يصل إلى حسابي مباشرة، لكن مع بدء أزمة كورونا، وإجراءات سلطة النقد، فوجئت به (البنك) أعاد جدولة القرض دون علمي، ما يعني أني خسرت المبلغ الذي دفعتهُ في السنوات الماضية، وأن عليّ البدء من جديد، ولفترةٍ أطول".

وتضيف: "اتصلوا بي، وسألوني إن كنت أريد إعادة الجدولة، لكني رفضت، فكيف حدثت إعادة الجدولة منذ شهرين دون علمي؟"، معقبةً بالقول: "من ظلمنا فعليًا ليس البنوك وحدها، بل أيضًا السلطة الفلسطينية".

نسرين لم تكن الوحيدة التي اضطرت للجوء إلى القروض، ثم تضررت بسبب عملية إعادة الجدولة، فالسيدة يسرا الحميدات كانت تعلم أن الجدولة تعني زيادة مدة تسديد القرض، وبالتالي زيادة المبلغ المدفوع كفائدة على مبلغ القرض الأساسي، إلا أنها اضطرت لذلك بسبب إحالتها إلى التقاعد المبكر.

الحميدات:تضاعفت الفائدة ثلاث مرات، خاصةً بعد إعادة الهيكلة الأخيرة، اضطررتُ لها بسبب وجود متأخرات على قروض سابقة

تقول لـ "نوى": "كنت موظفةً في المجلس التشريعي قبل إحالتي إلى التقاعد المبكر، راتبي كان يكفيني حتى مع القرض، ولكن تضاعفت الفائدة ثلاث مرات، خاصةً بعد إعادة الهيكلة الأخيرة، اضطررتُ لها بسبب وجود متأخرات على قروض سابقة، فقرر البنك حجز رواتبنا، فلجأت لإعادة الهيكلة".

وتبدي السيدة انزعاجها من الضرر الناتج عن إعادة الهيكلة أو الجدولة، رغم ذلك فهي لم تحاول مخاطبة البنك بهذا الخصوص، إذ تعتقد أنها حالة خاصة.

وفي التوضيح، فقد لجأت الحميدات إلى إعادة الجدولة ثلاث مرات، حيث كانت قيمة القرض 10 آلاف دولار، وحين أجرَت إعادة جدولة من أجل إعادة ترميم البيت وصلت القيمة إلى 25 ألفًا، ثم اضطرت لإعادة الجدولة مرةً ثالثة بسبب سفر ابنتها للدراسة في الخارج، ليصل المبلغ إلى 40 ألفًا، حتى وصل بها إلى 60 ألفًا مقابل تخفيض قيمة القسط بعد التقاعد المبكر.

أما قصة الدكتور عبد القادر حماد، فتبدو أقرب إلى قصة السيدة القيسي، رغم اختلاف البنك الذي يتعاملان معه، فقد اضطر بداية عام 2017م، إلى سحب قرض على راتبه؛ لكنه فوجئ قبل أيام، بأن البنك أعاد الهيكلة دون إعلامه، مما زاد المدة الزمنية للتسديد، وزاد بالتالي المبلغ الذي سيدفعه للبنك.

يقول الأستاذ الجامعي لـ "نوى": "سحبتُ القرض في إبريل، من العام 2017م من أجل تعليم أبنائي في الخارج، وبناء البيت بقيمة 75 ألف دولار، بزيادةٍ تصل إلى 20 ألفًا وفقًا لنسبة الفائدة، وحين صدر قرار سلطة النقد بإعفاء الموظفين من دفع القروض لأربعة شهور بسبب أزمة كورونا، اتصل بي البنك وأخبرني إن كنت أرغب بهذا التأجيل، فوافقت".

حماد:ا لأصل أن تحذو البنوك الفلسطينية حذو الدول التي راعت ظروف الموظفين خلال أزمة كورونا، لا أن يجبرهم على دفع الثمن بالمزيد من الخسائر

قبل أيام كان حماد في زيارة للبنك، ففوجئ بالموظف يخبره بالأمر، وعلم حينها أن التأجيل لأربعة شهور كانت ترافقه إعادة هيكلة، موضحًا أنهم لم يبلغوه بذلك، "وهذا يعني أن التسديد سينتهي عام 2029م، وبزيادة تصل إلى 50 ألف دولار، ناهيك عن ضياع سداد ثلاث سنوات ونصف دون جدوى".

ويُبدي المحاضر الجامعي انزعاجه الشديد مما حدث، "فالأصل أن تحذو البنوك الفلسطينية حذو الدول التي راعت ظروف الموظفين خلال أزمة كورونا، لا أن يجبرهم على دفع الثمن بالمزيد من الخسائر" يقول، محملًا المسؤولية بالكامل للسلطة الفلسطينية، التي خصمت من رواتبهم كإجراءات عقابية، فتسببت بالأزمات التي نتج عنها عدم قدرتهم على السداد بالشكل المطلوب، "وكذلك لقرارات سلطة النقد، التي لم تراعِ مصلحة الموظفين، وللبنوك ذاتها التي لم تتخذ قرارات لصالحهم أصلًا".

سلطة النقد كانت أصدرت تعليمات في 21 تموز/ يوليو 2020م، بشأن التخفيف من آثار جائحة "كورونا"، تتحدث عن هيكلة التسهيلات، وجدولة التسهيلات، والتورّق، وغيرها من المصطلحات المالية التي يصعب على غير المتخصصين تفسيرها.

وهذا ما يؤكده المحلل الاقتصادي محمد أبو جياب، الذي يرى أن جزءًا كبيرًا من ما يعانيه الموظفون مع البنوك اليوم، يرجع إلى البيانات والتعميمات التي تُصدرها سلطة النقد للمواطنين، الذين يجهلون التعليمات المصرفية "بينما يحلل التعليمات وفقًا لمصالحه".

ويوضحُ أبو جياب في حديثٍ لـ"نوى" أن الحكومة الفلسطينية سعت منذ بداية أزمة "كورونا" التي تزامنت مع أزمة المقاصة، إلى تجاوز الأزمة بحيث لا تؤثر على المواطنين بشكل مباشر، من خلال وقف خصومات البنوك، مستدركًا: "لكن يبدو أنهم راهنوا على أن الأزمة لن تتجاوز ثلاثة إلى أربعة شهور، ولكن لما تبيّن أنها ستطول، بدأت بالتراجع، وترك المجال للبنوك للتفاوض والجدولة مع الموظفين من أصحاب القروض".

وفقًا لذلك، بات من حق المواطن دفع المبلغ كاملًا أو إعادة الجدولة، وفي البداية كان الحديث أن تكون بلا فوائد، ولكن البنوك وفقًا للنظام المعمول به لديها، فلا يوجد شيء اسمه "بدون فوائد"، "وبالتالي (والحديث لأبو جياب) أعطى ذلك فرصة لها لتعظيم أرباحها، وكأنها أعادت إقراض الموظفين من جديد".

أبو جياب:كان يتوجّب على المنظومة المصرفية والبنوك، التساوق مع هموم الناس، من خلال إعادة الجدولة دون احتساب زيادة على العملات

إن إعادة الجدولة تعني تحقيق المزيد من الأرباح للبنك بنفس الأموال التي أقرضها للناس، وهذا قانوني في البنوك عند التعامل مع المتعثرين وهم قلة عادة، لكن ما يجري الآن هو تعثر الفلسطينيين جميعًا، مواطنين وحكومة، "وبالتالي، كان يتوجّب على المنظومة المصرفية والبنوك، التساوق مع هموم الناس، من خلال إعادة الجدولة دون احتساب زيادة على العملات، فمن غير المعقول أن مواطنًا اقترض 5000 دولار، يتم استرداها منه بقيمة 15 ألفًا، حال إعادة الجدولة لمرتين" يستطرد.

ويكمل: "ربما ترى البنوك أن مشاركتها في صندوق "وقفة عز" مثلًا هو مسؤولية اجتماعية، لكن كان الأولى أن تدعم صمود المواطن، لا أن ترتكب جريمةً أخلاقية بحقه عبر إعادة جدولة السداد للقروض المتعثرة"، معقبًا على دور سلطة النقد بالقول: "كان يتوجّب عليها إعطاء توجيهاتٍ للنظام المصرفي، بالتعامل وفقًا لقدرات المواطنين وإمكانياتهم، فلا يجوز أن تصرف الحكومة 50% من الراتب، بينما يواصل البنك خصم النصف من الـقيمة الأولى الكاملة للراتب مباشرة".

كاريكاتـــــير