شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 28 مارس 2024م15:08 بتوقيت القدس

لاجئة فلسطينية في لبنان

هبة ياسين.. المقاومة بــ"الجرافيك"

19 اعسطس 2020 - 21:33

غزة- بيروت/ شبكة نوى- فلسطينيات:

يُولدُ الفلسطينيُّ مُثقلًا بهمّ القضية، يقاتلُ صنوفَ المعاناة كابن وطنٍ مُحتل، يحملُ همّه أينما حلَّ وارتحل، هذا ما تشعر هبة ياسين أنها تعيشه بحق في مقر لجوئها "صيدا" في لبنان.

هبة الفلسطينية اللاجئة، قررت تخطي عقبات الطريق إلى الوطن، ومجابهة المحتل من المنفى بفنٍ بديع، يعبّر عن انتماءٍ راسخٍ لوطنٍ لم ترهُ سوى بقلبها وحاولت أن تتخيله على مساحات لوحاتها البيضاء.

هُجّرت عائلة هبة من قرية "صفورية" بمدينة الناصرة شمال القدس، برفقة أكثر من 700 ألف فلسطيني في عام النكبة الفلسطينية 1948م، فبدأت رحلتها في مخيّم المية ومية، الذي عاشت فيه هبة 9 أعوامٍ من طفولتها، حتى استقر بها الحال كشابة تعشق الفن على الساحل اللبناني بصيدا، تحاول إثبات مقولة: "الفن العظيم يُولد من ألمٍ كبير"!

تقول لـ "نوى": "كبُرت في المخيّم وأنا أحملُ همومَ قضيّتي ووطني، ودرستُ في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أنروا)، ثمّ انتقلتُ من المخيم".

تخرجت هبة من تخصص (الجرافيك) في إحدى جامعات لبنان، وبعدها بعامٍ شاركت في مسابقة تصميمِ "عُملةٍ فلسطينية"، كانت بمثابة بذرة الإلهام بالنسبة لها، فبدأ تكرس أعمالها الفنية منذ ذلك الحين للقضيّة الوطنيّة.

نحن متمسكون بالوطن وحق العودة إليه، ولهذا نحاول نحن اللاجئون دائمًا تعريف العالم بقضيتنا، والإشارة الدائمة لفلسطين تاريخًا وتراثًا وشعبًا (..) ندرك الإمكانيات التي يُسخرها الاحتلال لشطب كل ما نفعله من أجل إلغاء الانتماء الفلسطيني تجاه الوطن، ولهذا لا ندخر أي جهد في المواجهة، حتى ولو كان سلاحنا صورةً أو تصميمًا.

ما تنتجه هبة من أعمالٍ لا يندرج تحت إطار المهنة أو ممارسة الموهِبة، "بل هو نابعٌ من حبّي لفلسطين، ورغبتي الدائمة بتقديم شيءٍ للوطن مهما كان يسيرًا، أنا لاجئة بعيدة عنه، وفنّي هذا هو ما أستطيع تقديمه" تردف.

تتناول هبة في تصاميمها الثورة واللجوء والتراث والتاريخ الفلسطيني، فالفلسطيني حسب رأيها، ليس في صراعٍ مع الاحتلال على الأرض فقط، "إسرائيل تحاول نسف الوجود، والتاريخ، والجذور الفلسطينية" ولهذا تركز على موضوعات التراث والتاريخ، "فهذا المحتلّ بعدما سلب أرضَنا يستكمل مخططه بسرقة موروثنا وتاريخنا في محاولةٍ لإلغاء وجودنا" تكمل، متابعةً: "أسعى من خلال أعمالي إلى نشر الهوية الفلسطينية والحفاظ عليها، فالفنّ لغة عالمية يفهمها جميع البشر".

عبر منصاتٍ أنشأتها هبة على مواقع التواصل الاجتماعي، تنشر تصاميمها، التي تغلبُ عليها ألوانُ الأرضِ، وتعبقُ برائحة شجر البرتقال، وتلقى أعمالُها رواجًا في أوساط كثيرين، لجمالها وإتقانها، وارتباطها بكلّ ما تحمله الذاكرة، ويُخزّنه العقل الفلسطينيّ عن الوطن: الثوب الفلاحي بتطريزه ونقشاته، التي تُضمّنها في غالبية أعمالها، وكذلك صور البيوت القديمة، وقبة الصخرة، وخريطة فلسطين، وحنظلة، ومصطلحات فلسطينية قديمة، وحتى الأكلات الأصيلة مثل الكنافة النابلسية. كلّ هذا في أعمالٍ ورسومٍ تتبع نمطًا حديثًا في التصميم، ما ساهم في تعزيز انتشارها.

على أنغامِ أغنياتٍ تراثية، وفي اللّيل خاصةً، تُبدع الفنانة الشابّة رسومَها، فلا يكون هناك حدود لما يُمكن أن يلهمها، تقول: "كل ما حولي يُلهمني: لوحة قديمة، عبارة، صورة، وهناك تصاميم خاصة بأحداث وطنية، كيوم الأرض والنكبة، بالإضافة إلى الأحداث والقضايا الجارية".

وحين البدء بالعمل على أي تصميمٍ جديد، لا تكترث لأي معايير، سوى ما تشعرُ به تجاه وطنها "فلسطين" كما تُعبّر.

مُحاطةٌ هبة بهالةٍ من الدعم العائلي وتشجيع الأصدقاء، تقول: "خاصةً أبي بكلماته التي تحفّزني دومًا لتقديم أعمال عن فلسطين، ولي أصدقاء يزوّدونني بمواد خاصة بفلسطين: كلمات، أغاني، وصور لبعض المناطق داخل الوطن المحتلّ، وتُشجّعني كذلك عبارات الثناء والتقدير من المتابعين والأصدقاء من الوطن العربي والعالم"، مضيفةً: "كلّ كلمة حب لفلسطين أتلقّاها تعني لي الكثير، وتجعلني مؤمنة بأن الوطن لا يزال قضيّتنا جميعًا، رغم كل ما يتعرّض له من تضليل".

وعن الظروف المعيشية للّاجئ الفلسطيني في المهجر، تعقب هبة: "صعبة، لكنّها لا تعيقه عن الإبداع على الأغلب، كلنا نقدم للوطن والقضية، بل لعل معاناتنا كلاجئين خارج الوطن باتت تمثل لنا حافزًا أكبر للإبداع والإنتاج، وتزيدنا تعلّقًا بوطننا وأملًا في العودة إليه".

ويُعاني لبنان على وجه الخصوص، من معدّلاتٍ مرتفعة في الفقر والبطالة، بالإضافة إلى أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي تطال مناطقه ككل.

ترى هبة أنّ "لا شيء يوازي حبَّها لفلسطين"، لذا اختارت مواجهة أعدائها بطريقتها، فـ"الفنُّ هو ما يمكن تقديمه هدية للوطن".

تسهرُ لترسمُ حَكايا الجَّدّات، وتُصوّر أغنياتِهنّ، وتُوثّق التاريخَ والتراث، في تصاميمَ يخشاها الاحتلال أكثر من أي سلاح وفق ما قاله الشاعر الراحل محمود درويش: "وخوفُ الغزاة من الذكرياتْ.. وخوفُ الطغاةِ من الأغنياتْ".

وشهد لبنان الذي يعيش في مخيماته، أكثر من 200 ألف لاجئ فلسطيني، مأساةً إنسانيّة كبيرة، مؤخرًا، جراء الانفجار الذي وقع في أحد عنابر مرفأ العاصمة بيروت، يوم الرابع من أغسطس 2020، إذ كان يحوي آلاف الأطنان من المواد شديدة الاشتعال، وخلّف 158 قتيلًا وأكثر من6  آلاف جريح.

كاريكاتـــــير