شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م16:29 بتوقيت القدس

بعد التقاعد قرّرت توثيق الذاكرة الشفهية..

"فائقة" ترصد بدايات المخيّم في "حكاية لاجئ"

11 اعسطس 2020 - 15:39

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

بعد أكثر من 40 عامًا من العمل في سلك التعليم، تقاعدت الفلسطينية فايقة الصوص (64 عامًا) من وظيفتها كمعلمةٍ للغة العربية في إحدى مدارس مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة. صار الوقتُ كلُّه ملك يديها، فقررَت أن تبدأ طريقًا جديدًا في مجالٍ تحبه وتؤمن بأهميته الوطنية هو "توثيق الذاكرة الشفهية للمهجّرين من أراضيهم قسرًا عام 1948م".

كانت فايقة تؤمن بأن سيرة الشعب الفلسطيني التي مرت بمراحل سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة، تحوي مخزونًا كبيرًا من الحكايا المليئة بتفاصيل حياة كل إنسانٍ ينتمي إليها.

اللاجئون تحديدًا أولئك الذين هاجمتهم العصابات الصيهونية فشردتهم من أراضيهم، وغيرهم ممن عايشوا بدايات المخيم مطلع الخمسينات، وذل انتظار المساعدات الإغاثية بعد عز البيت والبلد، وما تلاها من أحداث متعاقبة حُفرت في ذاكرة الكبار، الذين رحل معظمهم على مر السنين إلا بعضًا منهم -وغالبيتهم ذاكرته لم تعد تسعفه، كلها قصصٌ تستحق أن تُؤرخ لتنسف نبوءة رابع رئيسة وزراء لحكومة الاحتلال "غولدا مائير" التي قالت مرة: "الكبار سيموتون، والصغار سينسون".

قررت فايقة المساهمة في جمع الذاكرة الفلسطينية قبل أن يشطبها الزمن من ذاكرة من عايشوا حِقَبها المختلفة، وبدأت أول الخطوات بأن أنشأت لنفسها صفحةً في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك".

هنا قررت فايقة المساهمة في جمع الذاكرة الفلسطينية قبل أن يشطبها الزمن من ذاكرة من عايشوا حِقَبها المختلفة، وبدأت أول الخطوات بأن أنشأت لنفسها صفحةً في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" لتضمن توسيع نطاق الاتصال والتواصل.

تقول لـ "نوى": "بدأتُ أكتب عن معاناة اللاجئ الفلسطيني في سنوات الخمسينات والستينات، هذه الحقبة المظلومة وغير المؤرخة بالشكل الأمثل، ثم عمدت إلى نشر المعلومات عبر صفحتي عبر فيس بوك لضمان انتشارها أكثر".

بلغةٍ عربيةٍ متينةٍ ومفهومةٍ بالنسبة للقارئ البسيط، تكتب فايقة التي تُكنى بـ"أم أيمن"، قصص أهل المخيم التي لا يخطر على بال المؤرخين توثيقها، مرةً تكتب عن طريقة إعداد النسوة للخبز صبيحة كل يوم، وأخرى عن استلام الأهالي لِـ "صرة المؤن" المقدمة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، ثم تسرد قصصًا نادرة عن سينما المخيمات الفلسطينية. 

"لم يقف عمري عائقًا أمام سرد الأحداث التي عاصرتُها من ذكريات المخيم والمدرسة، لقد ساعدَني في ذلك تمكني من اللغة العربية بشكل ممتاز، لأحفظ ما في ذاكرتي على صفحاتٍ ورقيةٍ، ثم أنشرها في نسخة رقمية عبر الإنترنت".

"لم يقف عمري عائقًا أمام كتابة سردية الأحداث التي عاصرتُها من ذكريات المخيم والمدرسة، لقد ساعدَني في ذلك تمكني من اللغة العربية بشكل ممتاز، لأحفظ ما في ذاكرتي من فرح ومرارة على صفحاتٍ ورقيةٍ، ثم أنشرها في نسخة رقمية عبر الإنترنت، حتى تبقى عالقة في ذاكرة قارئها" تضيف الصوص، التي تزخر صفحتها عبر موقع التواصل الاجتماعي المذكور بقصصٍ مشوقة، سلطت فيها الضوء على تفاصيل صغيرة من حياة اللاجئين داخل المخيمات، وعلى رأسها حكايات السينما والتلفاز.

تعلّق على ذلك بقولها: "في أوائل السبعينات، لم يكن التلفاز موجودًا بكثرة في البيوت بسبب الوضع المعيشي السيئ، فكان يوم الجمعة هو اليوم الذي يتوجه فيه سكان المخيم إلى بيت الجار الذي يمتلك الجهاز الذي يُمتّع الجيران بالمشاهد السينمائية التي تُعرض عليه، حيث تعرض القناة الإسرائيلية الوحيدة التي يصل بثها للمكان فيلمًا عربيًا".

وتعود "أم أيمن" بذاكرتها إلى سنوات ما قبل النكسة عام 1967م، لتسرد لنا بأسلوبها المميز مشهد تجمع سكان المخيم مرة واحدة في العام وسط الساحة الكبيرة، حيث كانت "أنروا" تعرض فيلمًا ترفيهيًا في مشهد لو كانت هناك إمكانية لتصويره آنذاك، لكان هو الفيلم الحقيقي.

غزة وشم النسيم

رُبما لا يعرف العديد من أهل غزة الآن أن مدينتهم كانت تحتفل بعيد شم النسيم، التقليد المصري المعروف لاستقبال فصل الربيع، لكنّ فائقة الصوص تروي عبر صفحتها في "فيس بوك" مشهد احتفال الغزيين بهذا اليوم الاستثنائي، الذي كان يأتي يوم الاثنين من الأسبوع الرابع من شهر أبريل/ نيسان من كل عام، كون غزة قريبة جغرافيًا من مصر وتتأثر بها، كذلك لأنها كانت تقع تحت الحكم الإداري المصري في تلك الفترة. 

رُبما لا يعرف العديد من أهل غزة الآن أن مدينتهم كانت تحتفل بعيد شم النسيم، التقليد المصري المعروف لاستقبال فصل الربيع.

تحدثت أم أيمن عن مشهد زحف أهالي مخيمات القطاع غربًا باتجاه البحر عبر وسائل النقل المتاحة في ذلك الوقت، مثل العربات التي تجرها البهائم، المعروفة محليًا باسم "كارات الحمير" أو مشيًا على الأقدام بسبب قلّة وجود السيارات، حاملين معهم البيض المصبوغ والملون بالألوان الشمعية والخشبية التي كانت توزعها وكالة الغوث على تلاميذ المدارس. كان البيض يلون بعد أن يُسلق مع أوراق التين وقشور البصل، على اعتبار فعالية البيض هي التقليد الأهم الذي يميز شم النسيم. 

وسردَت لمتابعي صفحتها، كيف كان بحر غزة يغرق بسلسلةٍ بشرية تتراءى على مد البصر من شمال الشريط الساحلي إلى جنوبه، والبهجة التي كانت تظهر على وجوه أهالي غزة في ذلك اليوم، ولم تنسَ أن تصف مشهد الصفاء والهواء العليل لساحل البحر في ذلك الوقت، في مشهدٍ يستدعي حنين الغزيين إلى تلك الأيام، قبل أن يصبح البحر ملوثًا كما عليه الحال اليوم. 

"حكاية لاجئ"

تسعى الأستاذة الصوص إلى جمع المقالات والقصص التي تكتبها في كتاب سيحمل اسم "حكاية لاجئ" ليكون حبلًا يربط بين ماضي المخيم وحاضره، ستركز فيه على إبراز حياة أهل المخيم في فترتي الستينات والسبعينات التي تعدّها حلقة مفقودة من ذاكرة الفلسطينيين اليومية، التي لم يوثقها أحدٌ كما ترى.

الحياة اليومية والذاكرة الشفهية للشعب الفلسطيني، أثارت انتباه المؤرخين والمؤسسات المعنية، فبرزت خلال السنوات السابقة الكثير من الجهود لتسجيل الذاكرة الفلسطينية الحية، وتوثيق أحداثها على لسان أصحابها.

الحياة اليومية والذاكرة الشفهية للشعب الفلسطيني، أثارت انتباه المؤرخين والمؤسسات المعنية، فبرزت خلال السنوات السابقة الكثير من الجهود لتسجيل الذاكرة الفلسطينية الحية، وتوثيق أحداثها على لسان أصحابها، على رأسها كانت المبادرة الرقمية "خزائن" التي تحفظ قصاصات الكتب والمجلات الفلسطينية، أو التي تحدثت عن فلسطين في مرحلةٍ من المراحل، وتعرضها للراغبين في البحث والاستعلام عن الحقب المختلفة التي تعاقبت على أرض فلسطين قبل وبعد الاحتلال الإسرائيلي.

أضف إلى ذلك، المتحف الفلسطيني في بلدة "بيرزيت" الذي جمع أكثر من 70 ألف وثيقة رقميًا، لتوثيق حياة قطاعات فلسطينية، تعرضت مجموعاتها من الصور والوثائق للتلف والضياع بسبب عدم الاهتمام بها من قبل المؤسسات المختصة.

ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة 1.386.455، أي نحو ثلثي عدد سكانه البالغ مليوني فلسطيني، يعيش نحو 600 ألف منهم في 8 مخيمات للاجئين تفرقت بين شماله وجنوبه. 

كاريكاتـــــير