شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م18:01 بتوقيت القدس

لحوم العيد مهددة بالتلف..

الغزّيون يَتَحدّون "الكهرباء" بمقلوبة اللحم والشواء

05 اعسطس 2020 - 18:40

قطاع غزّة | نوى:

لا يبالغ الناس في قطاع غزة عندما ينتظرون موسم عيد الأضحى، بل إن سؤال طفلٍ لا يزيد عمره عن 7 سنواتٍ باستهجانٍ لأمه: "هل سنأكل اللحم كل يومٍ؟" يستحق التأمل.

عندما مرّت عدة أيامٍ بعد عيد الأضحى، دون أن تفرغ مائدتهم من أطباق اللحم الشهية -وهو الذي لم يعتَد ذلك في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها عائلته-  قرر أن يستنكر على أمه ذلك بعبارةٍ بريئة: "خليها تكفينا على طول يا ماما".

في قطاع غزّة: البطالة من بين أعلى المعدلات في العالم، بسبب إغلاق عشرات الشركات والمنشآت والمؤسسات نتيجة الحصار الإسرائيلي

هذا المشهد طبيعيٌ تمامًا في حياة الفلسطينيين الواقعين بين فكّي كماشة "الاحتلال"، تلك التي تطحنهم في كلّ آن، بل يكاد يكون عاديًا في منطقةٍ جغرافية لا تتعدى مساحتها 360 كيلومترًا، ويعيش فيها أكثر من مليوني إنسان، يعاني أهلها بطالةً بلغت نسبتها -مع بداية عام 2020م (52%)، لتكون من بين أعلى معدلات البطالة في العالم، بسبب إغلاق عشرات الشركات والمنشآت والمؤسسات.

تقول مها حسنين، وهي أمٌ لثلاثة أطفال: "أطفالي يتذمرون لأننا بتنا نطهو اللحوم يوميًا من انتهاء العيد، هم بالتأكيد لم يملوا من طعمها، لكنهم يخشون من نفاذها، لذلك يطالبونني بالتقنين".

مها هي زوجة محاسبٍ يعمل في إحدى الشركات التجارية، وهي ربة منزل، تسكنُ وعائلتها في منزلٍ للإيجار، وبالكاد يستطيعون تدبير مستلزمات حياتهم. في الوضع الطبيعي، لا تستطيع أسرتها طهو الطعام الغني باللحوم إلا مرة أو اثنتين أسبوعيًا، نظرًا لارتفاع ثمنها مقابل متوسط الدخل العام (حيث يصل سعر الكيلو إلى 40 شيكلًا، أي ما يعادل 12 دولارًا أمريكيًا).

تضيف: "في العيد، بقدر ما أسعد بوصول حصص الأضاحي إلى بيتي، إلا أنني أحمل همّ إمكانية تخزينها فترةً أطول، في الثلاجة التي تنقطع عنها الكهرباء، كما يحدث مع معظم سكان قطاع غزة، لأكثر من 8 ساعات يوميًا، ما يسرّعُ من فرصة تلفها"، ولهذا تجد المرأة تحاول استنفاذ الكمية كاملة بدلًا من أن يكون مصيرها سلة القمامة.

في منزلٍ آخر من منازل القطاع، للحوم العيد حكايةٌ أخرى، في هذه الفترة، تتوزع المهام بين نسوة بيت الجدة هيام حبيب، لإقامة الولائم -التي لا تتكرر غالبًا إلا في مواسم الأعياد والأفراح- فتكون لحوم العيد "زينة الطبخة".

الجدّة هيام، تجمع بناتها وزوجات أبنائها وكل الأحفاد في كلّ عيدٍ ليساعدوها في طهو "السماقية" التي يشتهر بها أهل غزّة. ما بين تحضير المكونات وتقطيعها وإعدادها، يتبادل الجميع الحديث، وتتعالى الضحكات، وبعد الانتهاء منها يتحلق الكل حول الجدة يأكلونها كطعامٍ للغداء مع بعض حبات الزيتون.

تقول لـ "نوى": "العيد يشجعني على ذلك، اللحوم متوفرة من حصص الأضاحي التي تصل إلي، وهي لن تكلفني الكثير من المال الذي لا أستطيع توفيره في الأيام العادية"، متابعةً: "المكونات الأخرى سعرها رخيص نوعًا ما، وبصراحة، هي فرصة للاستفادة من اللحوم بدلًا من أن تفسد في ظل انقطاع الكهرباء".

وتضيف: "ينتظر الأبناء غالبًا هذا اليوم والأطفال تحديدًا، فالطقوس لا تُعوّضُ والتكاليف تكون قليلة نسبيًا، وهذه الجلسات غالبًا تُنسينا هموم غزة التي تنهش بأرواحنا في كل الأوقات".

محمّد رجب، وجد حلًا آخر ليحافظ على حصّته من اللحوم بما يجعله يستفيد منها لفترة جيدة، وهو أنه قام بتوزيعها على ثلاجات لحفظ المجمدات في بعض المحال التجارية، والتي لديها بدائل لوصل الكهرباء، بعدما نصحه صديقه بالأمر مقابل مبلغ زهيد من المال.

تعجّ قصص الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي بصور اللحوم المشوية على الفحم والمسبّكة باللبن في أطعمةٍ مختلفة "كالمنسف والشاكرية"

يقول: "في كل سنة ينتظر أطفالي الستة موسم العيد هذا بشغف وحب، نقيم حفلات للشواء ما بين فترةٍ وأخرى، لدرجةٍ تجعل الأطفال يحدثون أقرانهم عنها عدّة مرات في العام".

ويعترف: "لا أستطيع شوي اللحوم لهم خلال فتراتٍ متقاربة، فالظروف الاقتصادية التي أمر بها، ويمر بها قطاع غزة وأهله لا تخفى على أحد، لهذا أحاول إسعادهم قدر المستطاع خلال فترة العيد، لتوفر اللحوم، وزيادة الحصص".

في فترات العيد هذه، تعجّ قصص الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي بصور اللحوم المشوية على الفحم والمسبّكة باللبن في أطعمةٍ مختلفة "كالمنسف والشاكرية"، وبالطبع، لا تخلو الموائدُ من المقلوبة التي تشتهر فيها فلسطين المحتلة. "هذا موسم فرَح، فكيف ندع انقطاع الكهرباء يفسده؟" يتساءل محمّد.

كاريكاتـــــير