شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م15:13 بتوقيت القدس

أختها الصغرى زرعت "قوقعة"..

"ميار" تمنَّت.. لكن الحلم حققتهُ "قمر"!

14 ابريل 2020 - 20:10

غزة/شبكة نوى- فلسطينيات:

كان بيتًا مرتّبًا، كلّ أداةٍ وقطعةٍ في مكانِها الصحيح، هادئًا، لا تسمع فيه سوى خطوات أقدامٍ وهمهمات، إنه صامتٌ صمت أصحابه.

على أريكةِ  تجلس الأم أمل القدرة (35 عامًا) وتهزّ رأسَها مومئةً بالموافقة لطفلتها الشقراء ميار ابنة السبعة أعوام، التي كانت تشير وتلوح لها بيديها وشفتيها بملامح متوترة حزينة.

يترجم الأب عزمي القدرة (37 عامًا) حديثهما، موضحًا أن الصغيرة تطلب تحقيق حلمها بزراعة قوقعة لها مثل أختها الصغرى قمر.

يقول لـ"نوى": "لا يمرّ يوم إلا وترجونا أن نفعل ذلك، وهي لا تعي أن ما بيدِنا حيلة، ما زاد شغفها رؤيتها "قمر" تنطق وتنشد".

لقد حَظِيتْ قمر بفرصة زراعة قوقعة في مستشفى "الشيخ حمد" للتأهيل والأطراف الصناعية بغزة، فقد كانت في عمر الثانية، وكانت الشروط تنطبق عليها، أما ميار فكانت أكبر من السن المُشترط للعملية بقليل، "رغم أن الفحص لأذنيها يوضح الالتهاب الشديد بهما، وأن زراعة القوقعة ستُنهي المشكلة وفق الطبيب" يضيف الأب.

لقد ورثت ميار وقمر الصمم عن والدتِهما، الأمر الذي يُشعرها بتأنيب الضمير دومًا، وإن كان كلُّ ذلك بإرادة الله. تعبر بالإشارة فيما يترجم زوجُها- لنوى- :"أشعر بعذابٍ شديد كلما رأيت ميار عصبية ومتوترة، وأبكي لذلك كثيرًا، وألوم نفسي كوني السبب، لكنني سرعان ما أستغفر الله، وأدعوه أن ينجّيها من عذابها هذا".

لم يكن هذا هو العذاب الوحيد الذي ابتُلِيَت به تلك العائلة، فالأم أمل التي لا تتكلّم ولا تسمع، تعاني أيضًا من نوباتٍ من التشنّج تصل بها حدّ الإغماء، ولَكَمْ فاجأتْها تلك النوبات أمام عيون صغيراتها الثلاث، الأمر الذي خلَّف في قلوبهنَّ خوفًا وحزنًا كبيرًا.

يعبر الأب: "الأمر يحدث فجأة، وبلا سابق إنذار، فلا أعلم وقتها هل أنتبه لزوجتي الفاقدة للوعي؟ أم لبناتي اللواتي يصرخنَ بفزع أمام شعورهنّ بالخوف من فقد الأم؟".

ويواصل: "بعد انتهاء تلك النوبة الشديدة وبعد أن تستيقظ زوجتي، تبكي بحرقة، وترفع يديها نحو السماء داعيةً الله الرأفة بها وبالعائلة، أما أصعب ما يقع على قلبي اعتذارها لي ولبناتي عما حدث وطلبها العفو منا".

يضمّها عزمي لصدرِه ويُطبطب عليها، ويخبرها أنها على ما يرام، ويطلب منها بحنوّ أن تهدأ وتترك الأمرَ كلّه لله- وفق وصفه.

ويُرجِع عزمي ازدياد النوبات لدى زوجته، لشعورها بالتوتر والقلق الدّائم الذي تعيشه في تلك الظروف الصحية الصعبة إلى جانب صعوبة الوضع المادي.

موهبة التطريز

الجميل أن أمل مبدعةٌ في التطريز الفلاحي، سريعةٌ وشديدة الترتيب والنظام في عملها كما بيتها، وإذا ما طلبت منها إحدى النساء أن تصنع لها عملًا مُطرزًا بمقابلٍ مادي، أنجزته بوقتٍ قياسي، ما يؤدي إلى انعكاس الأمر عليها نفسيًا، فتقل عدد النوبات التي تصيبها – وفق حديث زوجِها- .

ويحاول عزمي إيصال صوت زوجته وأملها "للمؤسسات المهتمة بالمرأة، التي بإمكانها أن تسندها وتدعمها بمشروعٍ خاص بالتطريز، فتعمل وتشغل وقتها وتُريح نفسَها وصحتها، وينعكس ذلك بدوره على العائلة جميعها".

الأم أمل تحلم بأن تعمل بموهبتها في التطريز التي أتقنتها منذ كانت طفلة.

الأم أمل تحلم بأن تعمل بموهبتها في التطريز التي أتقنتها منذ كانت طفلة، فتقول بلغة الإشارة: "طفلاتي لا يملكن أبسط الأشياء، كعروسة أو دبدوب أو سرير زهري، أو خزانة، كم أتمنى لو أعمل وأوفر مبلغًا أحقق به أحلام بناتي، اللواتي حُرمن أجميل النعم".

قوت اليوم

أما عزمي الذي يعمل بائعًا للشاي والقهوة على "بسطة" أمام مركز الهلال الأحمر في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، يخرج في الصباح الباكر، ويعمل حتى الثامنة مساءً ليجني قوت يومِه فقط، وحين يعود للبيت تسمع طرقات الباب أصغر بناتِه "قمر"، التي لم تكن تسمعها قبل إجراء العملية.

يروي: "أشعر بغيرة ميار حين تسمع أختُها طرقاتي فتسبقها في فتح  الباب واستقبالي واحتضاني، فيما هي لا تسمعها وبالتالي تتأخر عن كل ذلك، الأمر يؤلمني كثيرًا ما يدفعني لأن أعِدها بأن ما تحلم به سيتحقّق وأنه لا بد وأنها ستسمع وتتكلّم ذات يوم قريب".

حين أمسك بالكتاب الخاص بمتابعة تعليم قمر على النطق فتبدأ بالنطق، تقف ميار بجانبنا وتنظر للصور والحسرة تأكل قلبَها.

ويكمل: "ليس هذا وحسب، فحين أمسك بالكتاب الخاص بمتابعة تعليم قمر على النطق فتبدأ بالنطق، تقف ميار بجانبنا وتنظر للصور والحسرة تأكل قلبَها، وقلبي أنا على صغيرتي".

ويضيف: "في الحقيقة أنا لا أملك أكثر من أن أوفر طعام أطفالي بعد عمل نهارٍ كامل، وبالكاد أتمكن من تسديد مبلغ إيجار البيت، الذي أشفقت علينا صاحبته وتركت لنا فيه طقم الكنب والنوم قبل أن تغادره ونستأجره، ولا أملك المواصلات حتى لأن أذهب بصغيرتي قمر للمتابعة الصحية في المستشفى، وهذا انعكس سلبًا على تقدّمها في النطق، أما ميار فلا تملك مجرّد سماعات لتسمع بعض الأصوات من حولها كحال زميلاتها التي تدرس معهن في الهلال الأحمر".

فيما الطفلة الكبرى مي ابنة التاسعة فتملّ لكثرة ما تقضي وقتًا في البيت بلا حديث، فكل شيء من حولها صامت.. صامت.

كاريكاتـــــير