شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م03:40 بتوقيت القدس

وقد تصنع العيد "أرجوحة" في مخيم..

04 مايو 2022 - 07:32

شبكة نوى، فلسطينيات: في الأسبوع الأخير من شهر رمضان المبارك، يُمضي "محمدٌ" وقته في تنظيف الأرجوحة الدوارة التي يمتلكها، قبل أن يكسوها بحلةٍ جديدة من الألوان والزينة، تناسب بهجة العيد وضحكات الصغار.

يبدأ بطلائها بألوانٍ مختلفة، ويغرس الزهور الصناعية الملونة بين سلاسلها، ويكتب بخطٍ جميل على أحد جوانبها: العيد فرحة. يمر أطفال الحي قرب باب بيته، وينادونه بصخب: عمو محمد، المرجيحة جاهزة؟ فيرد عليهم ممازحًا: جهزوا فلوسكم وبتجهز، ثم يضحكون معًا. هم يعرفون جيدًا أن العم "محمد" لا يرد طفلًا حتى وإن لم يمتلك مالًا، فهو "يمنح الفرحة ولا يبيعها أو يتاجر بها" كما يقول لـ "نوى".

ليلة العيد، ينصب أرجوحته عند رأس الحارة التي يقطن فيها بمخيم خان يونس جنوب قطاع غزة، تمهيدًا لتشغيلها خلال أيام العيد الثلاثة، فهذا الموسم هو "رزقه" الذي يمكن أن يسند بيته لشهرٍ بعد العيد مبدئيًا.

في أول أيام العيد، يتجمهر الأطفال أمام الأرجوحة، والألعاب الصغيرة التي ينثرها آخرون هنا وهناك لإسعاد أطفال المخيم. هنا "ترامبولين" صغيرة مسوّرٌ بالشبك، وهناك دراجات هوائية صغيرة يمكن أن يشفي الطفل باستئجارها بمبلغ شيقل واحد شغفه بامتلاك واحدة، ولو لمدةٍ قصيرة، وهناك شقليبة صغيرة يدوية، يلفها صاحبها بكلتا يديه بينما يتصبب العرق من جبينه، وعربات صعيرة ملونة تصدر ضجيجًا بأغنيات العيد، وكل هذه الألعاب هي "رزقٌ" يُساق لأصحابها المتعطلين عن العمل غالبًا خلال أيام العيد.

وتشهد هذه الألعاب، إقبالًا منقطع النظير بين الأطفال الذين ينتظرون العيد بفارغ الصبر لقضاء وقتهم في اللعب، فلا يعودون للمنزل إلا وقد فرغت جيوبهم من العيدية التي جمعوها خلال ساعات الصباح.

يعقب محمد: "تخرجت من الجامعة منذ ما يزيد عن خمس سنوات، ولم أحظ بأي فرصة عمل، وهذا ما جعلني أبحث عن أي عمل بديل يدر علي دخلًا ولو بسيطًا، وهذه الأرجوحة كانت الحل، أنصبها في الأعياد وخلال الإجازة الصيفية، وأسترزق بها"، مردفًا بأسف: "أشعر أنني أؤدي رسالة بوجودي هنا، ففرحة أطفال المخيم المحرومين من أقل حقوقهم داخل غزة المحاصرة، تكفيني في بعض الأيام، وتغنيني عن مال العالم".

ورغم أن هذه الأراجيح والألعاب البسيطة تنتشر في غالبية الأحياء، إلا أن بعضها غابت عنه تمامًا، ما يجعل أطفال مها وافي التي تقطن أطراف المدينة، ينتظرون زيارة أقاربهم في وسط البلد ليستمتعوا بهذه الألعاب التي تخلو منها منطقتهم.

تقول: "أتمنى أن يقوم أحدهم بمثل هذا المشروع الصغير في منطقتي، من ناحية سوف يضمن دخلًا ولو كان مؤقتًا، ومن ناحية أخرى أضمن وغيري أن يستمتع أطفالنا في أيام العيد والعطل الصيفية، في الوقت الذي لا نتمكن فيه من الترفيه عنهم طوال العام لأسباب تعلمونها جيدًا". بالإشارة إلى العدوانات الإسرائيلية الشرسة، والوضع الاقتصادي المتردي لأهالي القطاع.

وأمام أحد محلات البوظة في المدينة الجنوبية تصطف عدة عربات صغيرة مضيئة، يقف أمامها شبان صغار، لا يتعدى عمر أكبرهم ستة عشر. يتهافت الأطفال نحوهم وهم يسحبون آباءهم من أياديهم، ثم يركبون العربة بشيكل، فتسير بهم بضعة أمتارٍ وهي تصدح بأغنيات العيد الجميلة.

أحد أصحابها كان أيمن (15 عامًا). يقول لـ "نوى": "أستثمر هذا الموسم في تشغيل هذه العربة، وما أجمعه خلال أيام العيد يمكنه إعالة عائلتي الشهر الذي يليه".

لقد وجد هذا الفتى في العربة الصغيرة "سندًا" يحمي كرامته من مد اليد. يعقب: "استدانت أمي ثمنها من أحد أقاربنا، ومنذ ذلك الحين أعمل عليها في المواسم والأعياد وشهور الصيف، والحمدلله رزقها جيد". يصمتُ قليلًا قبل أن يكمل بتأثر: "لا أنكر أنني أستمتع أيضًا، فأنا لم ألهُ يومًا بمثل هذه العربة وأنا صغير".

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير