شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الثلاثاء 23 ابريل 2024م12:05 بتوقيت القدس

إطلالةٌ "عريقة" على تاريخ فلسطين من "كوخٍ طينيٍ" بغزة

16 مارس 2021 - 12:24

شبكة نوى، فلسطينيات: حلمٌ لطالما زاره في ليالي الشتاء الباردة، كلما غفا على كتف عمته آمنة، وهي تروي له الحكايا عن عالمٍ نقيٍ عاشه "جيل زمان": كوخٌ بسيطٌ من الطين، يتوسط قطعة أرضٍ تغطيها سجّادةٌ من العشب الأخضر، وأشجار الليمون والعنب".

صورةٌ ارتسمت في مخيلة محمد الفقيه، ورسخت في عقله وتملّكت إحساسه، طوال 40 عامًا، هي فترة حياته على وجه هذه البسيطة. خلقَ اليوم منها حقيقةً "مبهرة"، عندما بنى كوخ أحلامه، في أرضه الخضراء، قافزًا عن سخرية المحيطين، وعبارات التثبيط المُرة.

بدأت الحكاية، في بذرةٍ غرستها الطبيعة في نفسه، كان يعشق تشكيل الطين منذ طفولته، ويشعر بارتياحٍ كلما اقتربَ منه، يعبث بكُتلِه في الأرض، ويشرد بذهنه نحو كوخه الذي سيبنيه عندما يكبر.

"كنتُ أبتسم لذلك السر ولا أُخبر به أحدًا، فعمتي أعطتني كل تفاصيل البناء، وصار الكوخ، هيكله، ومحتوياته رسمًا دقيقًا في مخيلتي" يقول.

تضيف عمته الثمانينية: "أحضر أطنانًا من الطين والقش، وبدأ بتحضير قوالب الحجر الطيني، ثم استمر بالعمل ما يقارب ثلاثة أشهر دون كلل أو ملل".

يقاطعها محمد: "جهّزتُ 5500 حجرًا، ثم بدأتُ البناء بمساعدة أبناء عائلتي (..) لم أصدّق نفسي حين أصبح الكوخُ جاهزًا ينقصه السقف فقط، حينها اضطررتُ لاستخدام ألواح الزينكو، وتبطينه وتغطيته بالطين".

داخل الكوخ لا يشعر الرجل ببرد الشتاء، ولا بحرّ الصيف! هناك دفءٌ ناعم يبعث الطمأنينة في القلب طوال الوقت، "أعيش هنا ولو لفترةٍ قصيرة، تراثنا وحضارة أجدادنا" يعلق.

يتحدث لـ "نوى" عن عملية البحث الطويلة عن قطع التراث القديمة هنا وهناك، ليزين بها تلك الأيقونة التاريخية في منطقته، ويستنشق داخلها عبق الماضي العتيق.

يزيد: "أهربُ طوال الوقت إلى كوخ الطين الذي يأسرني بمقتنياته القديمة، وأسافر من خلاله  إلى التاريخ الذي يفوق عمر الاحتلال، مبتعدًا  فيه عن صخب الحياة".

وتزين جدران الكوخ كثير من المقتنيات، التي كانت تُستخدم قديمًا في الحروب والتجارة، والحياة المنزلية، ويعود تاريخ بعضها ليوثّق الجدور الفلسطينية، تلك التي امتدت في بطن أرض فلسطين، قبل وجود واستقرار "كيان الاحتلال" هنا.

"أردتُ أن يكون كل شيئ قديمًا، لأنني أريدُ أن أقدم دلالةً معينة، ورسالةً تؤرخ للأصالة والعراقة والتاريخ، في وجه سيل التقدم العارم".

يشير الفقيه إلى أرضية الكوخ، التي زينها ببلاطٍ عمره يزيد على ستين سنة، ويكمل: "أردتُ أن يكون كل شيئ قديمًا، لأنني أريدُ أن أقدم دلالةً معينة، ورسالةً تؤرخ للأصالة والعراقة والتاريخ، في وجه سيل التقدم العارم".

تأخذنا الحاجة آمنة بجولة حول الكوخ، تشيرُ بسبابتها نحو جدرانه، وتقول: "لا يتأثر بالمطر، وتنمو على سطحه سنابل القمح، أذكر أننا قديمًا كنا نقطف أوراق الخبيزة من أعلى بيوتنا القديمة المشيدة من الطين".

تزين جدران الكوخ مصابيح إنارة قديمة، وأدوات صيدٍ وحرب، وأخرى للتجارة والترحال، وأوانٍ نحاسية قديمة، بينما تتربع في صدر مدخله طاحونة القمح والشعير والعدس، وبالقرب ينتصب فرنٌ طينيٌ صغير، ومرجونٌ وزيرٌ لحفظ الماء، ومحراث قديم.

يأخذك المشهد، من واقع الحياة العصرية، إلى تاريخ الآباء والأجداد، ما يجعل الحاجة آمنة تقضي غالبية يومها داخل الكوخ مع ابنها وعائلته، تتبادل وإياهم ذكريات الزمن الجميل، وحياة غزة القديمة، تروي لهم حكايات الأجداد، وتكتفي بإنارة أضواء الكاز، وتفتح الشبابيك الخشبية المطلة على الأرض الخضراء.. حيث لا صوت إلا لحفيف الورق، وصفير حشرات الليل المضيئة.

القلق يأكل قلب محمد الفقيه على تراث وآثار فلسطين، يقول: إن الاحتلال يسرقنا، يسرق وجودنا، ونحن منشغلون بمحاولة اجتياز أمواج التطور. "هنا لا يتوقف الرجل أبدًا عن تذكير أبنائه، وتوصيتهم بضرورة الحفاظ على كل ما يربط الفلسطينيين، بالوطن".

كاريكاتـــــير