شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م08:15 بتوقيت القدس

تساءلتا: ماذا لو تم تطبيقه؟ 

"سمر" و"ديمة".. وطعنٌ "إنساني" في القرار بقانون رقم (7)

13 مارس 2021 - 19:05

شبكة نوى | قطاع غزة:

"ليت الزمان يعود"، قالتها سمر هاشم بعد "آاااخٍ" طويلة، خرجت من صميم روحها. وأكملت بانفعال: "ما كنتُ لأقبل بفكرة الزواج أصلًا، لما كنتُ وافقتُ ولو كلفني ذلك عمري".

تشعرُ وكأن الأمل في كلماتها "شيخٌ هَرِم" رغم أنها في الهوية لم تتجاوز العشرين. بدأَت بسرد الحكاية، وقد عادت بذاكرتها إلى ذلك اليوم الذي عادت فيه من مدرستها قبل سنواتٍ أربع، تحمل على ظهرها حقيبةً مثقلةً بالأحلام وخطط المستقبل: عندما ستُصبح صيدلانية "قد الدنيا".

في ذلك اليوم، بدت رائحة البيت غريبة، هناك في مجلس الضيوفة "خطّابة" يطلبونها للزواج من ابنهم! الفرحة تقفز من عيون أمها الثلاثينية، ووالدها نفث زفير الخلاص عندما أحسّ أن حلمه بـ "ستر" ابنته سيصبح حقيقةً بعد وقت.

مباركاتٌ وعناقات وقبلات: "مبارك، سمر الجميلة أصبحت عروسًا"، كانت أمها تغني وهي تداعب خصلات شعرها السوداء، بينما هي تقف مشدوهةً لا تفعل شيئًا سوى أن تسأل نفسها: "عروسًا؟!" كيف؟ وأنا الطالبة المتفوقة التي يلاحقها حلم المعطف الأبيض منذ وقتٍ طويل؟ كيف وأنا لم أوافق بعد؟ طيب.. على الأقل أخبروني من هو العريس؟

نشرت "جريدة الوقائع الفلسطينية" في عددها الصادر بتاريخ 2 مارس/ آذار الجاري، قرارًا بقانون حمل الرقم (7) لسنة 2021، ينص على تعديل قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000.

عندما قررت أن تبوح بهذا كله، صُعقت بردٍ صارم: "حُسِمَ الأمر، أعطينا الردّ لأهل العريس، ولن نجد لكِ أفضل منهم لتعيشي معززةً مكرمة".

خلعت سمر حقيبتها عن ظهرها، وارتمت بين أحضان الوقت تنتظر نفاذ القدر. هو شهرٌ واحد، انتقلت الطفلة بعده إلى بيت "العدَل".. بيتٌ يضم غيرها وغير زوجها 12 فردًا! أصبحَت كنتهم الأولى، "وخادمتهم الجديدة" وفق وصفها لنفسها.

الخلاف، أو لعله عدم التقبّل، بدأ في الليلة الأولى! زوجها الذي يبلغ من العمر 19 عامًا يفرض رجولته على طفلةٍ لم تكن تعرف عن الزواج إلا فستان العرس الأبيض. "كانت ليلةً مليئةً بالخوف، والدماء، لم أصحُ منها إلا وأنا على سرير المستشفى".

تغاضت سمر عن كثيرٍ من تلك التفاصيل بعد أن هزّت رأسها في محاولةٍ لنفض تلك الذكرى عن صدر القلب، ثم أكملت: "لم أحبه يومًا، لم أعد أطيق مروره أمامي، ولا أبالغ إن أخبرتكم أنني كرهت أهلي بعد تلك الليلة أيضًا".

ثلاثة أشهرٍ مرّت بعدها، كانت فيها الخادمة لأهل زوجها –فهذا هو دورها كما جرت عادتهم- بينما عائلتها كانت تقف في وجهها سدًا منيعًا كلما اشتكت، ونفس الرد تلاقيه يومًا بيوم: "إنتي مين إلك غيرهم؟ استري نفسك وعيشي زي ما غيرك عايش وبكفي دلع".

تقول: "هربت خلال تلك الأشهر الثلاثة عشرات المرات، إلى بيت أبي، إلى بيت عمي.. حاولتُ أن أفرض نهايةً لهذه الحياة القاسية، لكن دون جدوى".

هكذا مرت الأيام، حتى قرر الزوج وأهله أنهم "لا يريدونها"! تصف تلك اللحظة بقولها: "فرج، والله فرج"، لكنها لم تكن تعلم ما سيتبعها من مماطلة في تطليقها استمرت عامين.

فترة المماطلة تلك، كانت بالنسبة لعائلة الشابة، فرصةً لمحاولة إقناعها بالعودة، برغم أن زوجها لم يعد يريدها، وهو ما دفعها للبحث عن مؤسساتٍ كانت تسمع أنها "تحمي النساء وتساندهم".

هذا ما تعانيه النساء، وهذا ما تقدمه المؤسسات النسوية من مساندةٍ ودعم. فيا ترى؟ لمن كانت ستلجأ سمر وديمة، وثالثةٌ ورابعة وسادسة وعاشرة من المضطهدات تحت نير المجتمع وعاداته البالية، لو أغلقت المؤسسات النسوية أبوابها؟

تتابع سمر: "لجأتُ إلى إحدى قريباتي، فربطتني بمحامية تعمل في مؤسسة نسوية، تعنى بقضايا النساء، زرتُها بالفعل، وأخبرتها بكل تفاصيل قصتي، فألحقتني بورشات عمل للرعاية النفسية والصحية، ولم أجد الأمور إلا وقد تدحرجت معي حتى تمكنت من إقناع عائلتي بالعودة إلى المدرسة".

مرّ الوقت، وعادت الفرحة تخيّم على قلب سمر، نجَحت في الثانوية العامة بمعدل جيد جدًا، ثم حصلت على الطلاق، "لحظتان تشبهان ببهجتهما العيد تمامًا"، تعقب: "أكثر ما نفعني من دون مبالغة، المؤسسة والمحامية التي أخذت على عاتقها مساعدتي في انتشالي من كل البؤس الذي عشته".

وهذه "ديمة" صاحبة قصةٍ شبيهة، هي لم تتجاوز اليوم (17 عامًا)، خرجت طفلةً لبيت عريسها، وعادت أمًا لطفلٍ حملت به خلال شهرٍ واحدٍ قضته مع زوجها!

"العيشُ بأمان، هذا هو الفقد الذي أعيشه اليوم"، تقول، وتتطرق ببعض الحذر لتفاصيل زواجها: "لم أفكر بالزواج في تلك الفترة أبدًا، أهلي أجبروني، فخُطبتُ لأسبوعين، ثم تزوجت". شهرًا فقط، وعدتُ لبيت أهلي "حردانة".

ذات الخلافات التي عانتها سمر شهدتها ديمة أيضًا، خدمة متواصلة لبيت العائلة الكبير، "بهدلة، وشتائم، وإهانات، لي ولأسرتي" تكمل. 

ديمة التي تمكث في بيت أهلها "معلقة" بين الطلاق والزواج، وضعت مولودها الذي طالته الاتهامات بأنه "ابن حرام" من قبل أبيه وأهله، لم يتكفلوا به ولا بمصاريفه ولا بنفقةٍ خاصةٍ بها، "فلجأت إلى مؤسسة نسوية (تضيف) ساعدتني على رفع قضية على زوجي، لكنه في كل مرة، يفضل أن يسجن 21 يومًا، على أن يدفع النفقة لها.

انتهى المشروع الذي كان يموّل قضية ديمة، وأسرتها –يا للأسف- لا تقوى على دفع أي تكاليف لإكمال إجراءات الطلاق.

القرار بقانون الذي صادق عليه الرئيس، جاء في ثماني مواد، تفرض على الجمعيات والهيئات أن تقدّم تقارير مالية، وميزانيات مدققة بشكل سنوي، ووفق مواعيد محددة

هذا ما تعانيه النساء، وهذا ما تقدمه المؤسسات النسوية من مساندةٍ ودعم. فيا ترى؟ لمن كانت ستلجأ سمر وديمة، وثالثةٌ ورابعة وسادسة وعاشرة من المضطهدات تحت نير المجتمع وعاداته البالية، لو أغلقت المؤسسات النسوية أبوابها؟

سؤالٌ لا بد من طرحه، في هذا الوقت تحديدًا، أمام الوضع الذي قد يفرضُ على الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني، بعد إصدار الرئيس محمود عباس القرار بقانون رقم (7)، الذي يتيح للسلطة التنفيذية، التدخل بعملها "حدّ التحكم والإقصاء".

ونشرت "جريدة الوقائع الفلسطينية" في عددها الصادر بتاريخ 2 مارس/ آذار الجاري، قرارًا بقانون حمل الرقم (7) لسنة 2021، ينص على تعديل قانون الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية رقم (1) لسنة 2000.

والقرار بقانون الذي صادق عليه الرئيس، جاء في ثماني مواد، تفرض على الجمعيات والهيئات أن تقدّم تقارير مالية، وميزانيات مدققة بشكل سنوي، ووفق مواعيد محددة، تتضمن جميع المصاريف والإيرادات، إلى الوزارة المختصة، وأن تقدّم أيضًا تقارير مفصلة بالأنشطة التي قامت بها طوال العام.

تتفق سمر وديمة على أن عمل هذه المؤسسات، هو بمثابة طوق النجاة لكثيراتٍ ممن لا يمتلكن القدرة ولا الجرأة ولا المال للخلاص من واقعٍ صعبٍ يعشنه –على اختلاف ظروفه- وسط مجتمعٍ لا يعترف بالطلاق إلا "كمنكر" تصيب لعنته أي امرأة.. كم من سمرٍ وديمة بحاجة إلى نفس السند؟ هذه المرة: على الحكومة أن تجيب.

كاريكاتـــــير