شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م17:30 بتوقيت القدس

كاميرات المراحيض والتفتيش العاري وصرخات المحققين..

أسيرات مُحرّرات.. وفيضٌ من ذكريات "التحقيق" و"سلامات الإذاعة"

11 مارس 2021 - 20:06

شبكة نوى | الضفة الغربية:

هل نبدأ بأمورٍ طريفة؟ بطريقةٍ أوضح: هل في تجربة الأسر داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، ما يمكن أن يرسم الابتسامة على وجه أسيرٍ أو أسيرة، في حال هبّت أحداثها كطيف ذكرى في ليلةٍ هادئة؟

لمى خاطر أجابت عبر تطبيق "ClubHouse" بقولها: "نعم.. يوجد"، عندما روت تجربتها "كأسيرة"، في يوم المرأة العالمي.

ذات يومٍ من أيام آب/ أغسطس عام 2018، وفي ذروة التحقيق القاسي المتواصل، الذي كان يمكن أن يستغرق 20 ساعةً يوميًا، قال المحقق لـ "لمى": "في بوادر حرب على غزة، لهيك رح نرجعك على الزنزانة".

صوت صافرات الإنذار إنها وفق ما تصفها لمى "لحظات فرج ومواساة، تنتشلنا من التحقيق المرعب"

جملةٌ كان وقعها عظيمًا! ليس من باب "الخشية من الحرب، أو فكرة الحرب نفسها –وإن كان ذلك موجودًا قلقًا وحبًا على أهل غزة"، لكنها كانت "لحظة فرج" لم تتوقعها في تلك اللحظة!

هل فكر الفلسطينيون خارج سجون الاحتلال مرةً، بوقع أصوات صافرات الإنذار على الأسرى؟ إنها وفق ما تصفها لمى "لحظات فرج ومواساة، تنتشلنا من التحقيق المرعب"، يتبعها هدوء مريب يعيشه الأسرى لا يمكن وصفه! "كأنما الجنود اختبأوا، اختفوا! وهذا لو تعلمون كم يمثل بالنسبة لنا كأسرى من دعم معنوي كبير".

وعن أمورٍ أخرى كانت تصنع فارقًا خلف القضبان، تحدثّت لمى عن "الرفقة"، ووحدة الهمّ، وعوامل المواساة الجماعية التي عملت الأسيرات على المحافظة عليها،  تبادل التجارب لأبشع الانتهاكات التي تعرضن لها منذ اللحظات الأولى للاعتقال، مرورًا بالتحقيق، ثم الزنزانة المنفردة، والاعتداء الصارخ على خصوصية المرأة.

عمليةٌ تصفها بقولها: "التحقيق منظومة كاملة.. تجربة، خلالها راح تشعر بأن الزمن توقّف، وإنك مش رح تطلع منها مثل ما كنت قبل ما تدخلها".

صباح الشوربجي، أسيرةٌ محررةٌ أخرى، اعتُقِلَت بتهمة "التخابر" مع عائلتها التي تقيم في قطاع غزّة".

اعتقالٌ جرى تمام الثانية والنصف صباحًا، انتُشل فيه قلبها من بين أحضان أطفالها.. جنودٌ اقتحموا منزلها الذي ظنّت أنه "الأكثر أمنًا" في بلادٍ تقعُ تحت الاحتلال، إلا أن التجربة أثبتت العكس.

مكبلة اليدين، معصوبة العينين، هكذا اقتادها الجنود نحو الجيب العسكري، وبنفس الحالة إلى السجن، "ساعاتٌ طويلةٌ انتظرتها في زنزانة التحقيق، أسمع أحاديث الجنود وكلها بالعبرية التي لا أفهمها، لم أكن أدرك ما يحدث حولي أبدًا".

شبكة نوى، فلسطينيات: صباح الشوربجي، أسيرةٌ محررةٌ أخرى، اعتُقِلَت بتهمة "التخابر" مع عائلتها التي تقيم في قطاع غزّة".

هي أيضًا خضعت للتفتيش العاري، "ذلك الإجراء الذي ينتهك الإنسانية"، والذي كُتب على كل الأسيرات تجربته قبل بدء مرحلة التحقيق، "فإن رفضَت الواحدة منا، يتم تهديدها بتكراره أكثر من مرة، إمعانًا في ذبح خصوصيتها، وانتهاك أنوثتها".

تعود بالذاكرة إلى ذلك الزمان، تتذكر كيف سُحبت إلى جيب الاعتقال أمام عيني طفلتها الصغرى "وكانت تبلغ الخامسة"، ثم تتساءل: "كيف أبعدوني عن أطفالي هكذا؟".

أكثر ما كان يضعف قوة الأسيرة داخل السجن، أطفالها. "صباح" كانت تدركُ جيدًا تفاصيل تجربة الأسر، أنواع التعذيب، وأساليب الضغط النفسي، فهي شقيقةٌ لعدة أسرى محررين، "وهذا هوّن عليّ التجربة" على حد قولها. 

ولك أن تتخيل صديقنا القارىء، أن الأسيرات واجهنَ مرارًا معضلة "كاميرات المراقبة" تلك التي توجهها سلطات الاحتلال داخل السجون الإسرائيلية نحو مراحيضهن!

"أسئلةٌ كثيرة واجهتني (تتابع صباح): كيف سأتصرف؟ كيف سأدخل الحمام؟، هل تراهم زرعوا كاميرات أخرى مخفية في الداخل؟"، مستدركةً بالقول: "حتى أنني ذات مرة، أُجبرت على تغيير الفوطة الصحية خاصتي تحت البطانية، كي لا تكشفني الكاميرات (..) هذه حقيقة، في ذلك المكان المقيت، لا نمتلك أدنى حقوقنا: الخصوصية".

تضيف: "موعد الزيارة هو يوم عيد، عندما يعلن اسمي ضمن قائمة الزيارات، أسأل نفسي فورًا: يا ترى مين راح ييجي؟ شو راح ألبس؟ شو عندهم أخبار؟"، هو بمثابة يوم عيد لدى الأسيرات –تصفه- هو يوم المواساة والفرح أيضًا، "وهو ما كان يصعب على الممنوعات من الزيارة أن يشعرن به".

لكن كانت الأسيرات سندًا لبعضهن، "كانت زميلاتهن توصل سلامهن لأسرهن، عبر أقارب الأخريات، اللاتي كنت يأتين للزيارة".

ولساعة الإذاعة التي كُنَّ يستمعن لها أحلى قصة، حين يسود الصمت في القسم، تسمع الأسيرات أصوات أمهاتهن من خلال الراديو، تذكر صباح أنها في كل مرة كانت تستمع فيها لرسائل الأهالي، تشعر أنها رسالة لها، حتى صادفت مرة صوت عائلتها، تحدثت معها ووجهت سلامها لها عبر الراديو.

أما المُحررة علا مرشود، فبدأت رحلتها مع الأسر بانهيارٍ عصبي، وصدمة لم تكن تتوقعها.

علا الفلسطينية التي هُجّرت عائلتها قسرًا من يافا إلى مدينة نابلس، لم تتخيل يومًا أن تعود إلى مدينتها الأصلية كمعتقلة!

بمجرد أن اقتادها الجنود إلى "البوسطة"، ووضعوا "الكلبشات" بيديها، والعصبة على عينيها، صارت تبكي وتصرخ.

و"البوسطة" التي يصفها الأسرى بأنها "جحيم يمشي على الأرض"، هي عبارة عن سيارة مصفحة محكمة الإغلاق، يتم فيها نقل الأسرى والأسيرات، من وإلى المحاكم الإسرائيلية، أو تستخدمُ للتنقل بين السجون المختلفة، أو النقل إلى المستشفيات خارج السجون، ولكنها تفتقر إلى مقومات السلامة المدنية.

تقول: "إن مساحتها أقل من نصف متر طولًا وعرضًا، هي كرسي بغرفة مغلقة بمفتاح، وضعوها فيها ثم فتحوا الأغاني العبرية بصوت عالٍ وصاخبٍ جدًا.

 ظروف اعتقال مأساوية من مركز اعتقال إلى آخر مرت عليها، ووفق سياسة الاحتلال، لم تصل إلى مرحلة التحقيق، إلا بعد أن خضعت قسرًا للتفتيش العاري، وتحت التهديد.

خلال التحقيق –تروي- استعانوا بشخص كان يرتدي زيًا مدنيًا، يحمل على جنبه نوعًا من الأسلحة التي لا تعرفها، قال لها حرفيًا "أنت هنا في قبضتنا، إذا ما حكيتي كل شي، بنعمل فيك اللي بدنا ياه وما حدا بعرف شو صار فيك"، ثم شتائم، وصراخ، كان يتعالى لإجبارها على التحدث بأمورٍ تعرفها، وأخرى لا تعرفها.

علا الفلسطينية التي هُجّرت عائلتها قسرًا من يافا إلى مدينة نابلس، لم تتخيل يومًا أن تعود إلى مدينتها الأصلية كمعتقلة! "هي مفارقةٌ عجيبة تأتي بعجب وجود الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين" تختم.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير