شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م03:46 بتوقيت القدس

للفقر خيطٌ خَفِي..

"صحة الشباب كمين المرض" ستينيّات يروين تجاربهن

08 ديسمبر 2020 - 15:12
صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

غزة:

عندما أصيبت السيدة أم ياسر بـ"السكري"، كانت بالكاد ولجت الستين. لقد لدغها المرضُ يوم استشهد زوجها في العدوان الواسع الذي شنته "إسرائيل" عام 2014م، عندما أُغمِيَ عليها حزنًا، فاستيقظت لتبدأ رحلة معاناتها مع مرضٍ انقلبت على إثره حياتها رأسًا على عقب.

أم ياسر هي أمٌ لسبعة أبناء، بينهم متزوجٌ يعيش معها في البيت ذاته برفقة زوجته وطفليه، تتلقى منذ زمن المعونات، كربة أسرة لاجئة، وزوجة لأحد الرجال الذين كانوا يعملون داخل الخط الأخضر قبل انتفاضة الأقصى التي اندلعت عام 2000م.

أم ياسر:طبيعة غذائي هيأتني للإصابة بالمرض أصلًا، هذا ما أخبرني به الأطباء، عندما عرفوا أنني كنت أعتمد على ما تجود به علينا الكوبونة

تعلق على هذه النقطة بقولها: "طبيعة غذائي هيأتني للإصابة بالمرض أصلًا، هذا ما أخبرني به الأطباء، عندما عرفوا أنني كنت أعتمد على ما تجود به علينا الكوبونة، من دقيق وأرز ومعكرونة"، بينما كانت البطاطس وجبةً متكررة خلال الأسبوع، كأرخص نوعٍ من أنواع الخضروات المُشبعة لعائلةٍ كبيرة كعائلة أم ياسر.

يوم استشهد زوجها، كانت السيدة التي اكتفت بذكر كنيتها فقط، تعيش أولى سنوات حياتها بعد انقطاع الطمث. ازداد وزنها بوتيرةٍ متسارعة، بينما أدى ارتفاع مستوى السكر في دمها إلى تلوثات والتهابات صعبة أصابتها في المسالك البولية والمهبل، وفق ما شرح لها الأطباء آنذاك.

اليوم، ست سنواتٍ مرت على إصابة أم ياسر بالمرض "المقيت" على حد وصفها، لقد عانت خلالها من مضاعفاتٍ كبيرة، منها عدة جلطات أصابت شرايين أطرافها، كان آخرها في آيار/ مايو الماضي، ناهيكم عن ضعف البصر و"الزغللة"، واضطرابات النوم المتفاقمة، وآلام المفاصل.

وتبعًا للجهاز المركزي للإحصار، في تقريره بمناسبة اليوم العالمي لكبار السن، فإن نسبة كبار السن الذين يعانون الفقر المدقع في فلسطين نسبة 16% في العام  2017م، حيث بلغت في الضفة الغربية 8%، مقابل 35%  في قطاع غزة.

وجاء في التقرير أن نسبة الفقر بين أفراد الأسر التي يرأسها مسن في فلسطين، كانت أعلى مقارنة بباقي الأسر الفلسطينية، إذ بلغت نسبة الفقر بين أفراد الأسر التي يرأسها مسن 32%، مقابل 29 % بين الأفراد لبقية  الأسر.

السيدة أم نزار، قصتها لم تكن ببعيدة، حينما باغتها "ارتفاع الضغط" بمجرد أن تخطت عتبة الثانية والخمسين قبل عشر سنوات، ما اضطرها إلى اللجوء للأطباء، الذين وصفوا لها الكثير من الأدوية التي تلتزم بأخذها ضمن مواعيد محددة حتى الآن.

واقعٌ، تسبب في تفاقم حالتها النفسية السيئة أصلًا بسبب انقطاع الدورة الشهرية عنها قبل وقتٍ بسيط، الأمر الذي جعلها تشعر بأنها دخلت في مرحلة العُمر المتقدم، وما يتبع ذلك من أعراض صحية أخرى مثل نقص الكالسيوم وآلام الأقدام وصعوبة الحركة.

أم نزار: بعد إنجابي لتسعة أبناء، لست مستغربة من إصابتي بهذه الأمراض، خاصة وأنني أنتمي لجيل تربّى على نمط غذائي سيء

تقول السيدة التي تخطت عتبة العقد السادس من عمرها حديثًا لـ "نوى": "بعد إنجابي لتسعة أبناء، لست مستغربة من إصابتي بهذه الأمراض، خاصة وأنني أنتمي لجيل تربّى على نمط غذائي سيء، خاصة بسبب الفقر، كنا نقبل بما هو موجود".

وتضيف: "لكن مع مرور الزمن، تعلّمتُ ألا أترك زوجات أبنائي وبناتي لذات الإهمال، فإنا دائمة التوجيه لهن بأن يعتمدن نمط غذاءٍ صحي، هن وعائلاتهن، وأعرض لهن نفسي كنموذج، ها أنذا أعاني من آلام الأسنان بسبب نقص الكالسيوم خلال مرحلة الإنجاب، حين خدعتنا صحتنا".

وتشير إحصائية وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة لعام 2018م، إلى أن عدد مرضى ومريضات السكري بلغ 92.690 نسمة، تشكّل النساء بينهم نسبة 61.4%، 48% من الفئة العمرية ما بين 40 إلى 59 عامًا، و44% من الفئة العمرية المحددة بـ 60 عامًا فأكثر.

المشاكل الصحية التي تعانيها النساء اللواتي تقدمن في العمر، هي واحدةٌ من الاهتمامات بالنسبة لجمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية في قطاع غزة، كما يؤكد الدكتور حسن زين الدين مسؤول العيادات في الإغاثة.

يقول: "إن مرحلة العمر المتقدم للنساء، تكون ما بين 55 و60 عامًا، وبعدها نبدأ بالحديث عن مرحلة الشيخوخة، فيما تبدأ المشاكل الصحية فعليًا مع انقطا الدورة الشهرية، حيث تظهر مجموعة من الأعراض التي يتساوى فيها الذكور والإناث، لكن بعضها يزيد لدى الفئة الأخيرة لأسبابٍ ذات علاقة بما مررن به خلال مرحلة الإنجاب.

زين الدين: أكثر الأمراض التي تعاني منها النساء هي السكري، بسبب السمنة وسوء التغذية الذي يلازم معظمهن خلال مرحلة الإنجاب

ويوضح أن أكثر الأمراض التي تعاني منها النساء هي السكري، ذلك بسبب السمنة وسوء التغذية الذي يلازم معظمهن خلال مرحلة الإنجاب بسبب الولادات المتكررة، والخلل الذي يحدث في الهرمونات بعد انقطاع الدورة الشهرية، لذا ترتفع نسبة الإصابة بالسكري لدى الإناث عن نسبتها لدى الذكور.

أما هشاشة العظام، فهو واحد من أكثر الأمراض التي تعاني منها النساء على وجه الخصوص أيضًا نتيجة سوء التغذية، فالسيدة في مرحلة العُمر المبّكر تخلط بين التضحية وإهمالها لصحتها، فتعطي الأولوية في التغذية للأبناء والزوج على حساب نفسها، "وهذا ليس إيجابيًا، لأنه يؤثر مستقبلًا على صحتها، لهذا تظهر هذه الأمراض، فالسكري يتبعه الضغط، وغيره من الأمراض المزمنة" يزيد.

أما بالنسبة لهشاشة العظام، فالنساء خلال مرحلة الرضاعة يفقدن كمياتٍ كبيرة من الحديد والكالسيوم وفيتامين (د)، ولا يركّزن على الأغذية التي تقوّي العظام والعضلات، وهنَّ في الحقيقة -والحديث لزين الدين- مظلومات في الاستفادة من الشمس حتى لو تمكّن من الخروج إلى الشارع، متابعًا بقوله: "هذا يتسبب في نقص فيتامين (د) في أجسادهن، بالتالي ما بعد سن الثلاثين تصبح النساء بحاجةٍ ماسّة إلى تناول الفيتامينات والكالسيوم والمكملات الغذائية، فحتى لو تناولت السيدة الحليب يوميًا؛ تبقى بحاجة للمكملات الغذائية".

لكن الظاهرة الواضحة كما يوضح زين الدين، هي قلة وعي النساء بالبدائل الغذائية السليمة عوضًا عن المنتجات غالية الثمن. ماضيًا إلى القول: "الكالسيوم مثلًا ليس شرطًا الحصول عليه من السمك كونه مرتفع الثمن، ولكن بالإمكان الحصول عليه من السمسم الأبيض (غير المحمّص)، فملعقة من السمسم تعادل 2 قرص فوار من الكالسيوم".

وبالإمكان (والحديث له) وضع الطحينة مع السلطة، لتحصل السيدة على وجبة صحية، "كذلك فسمك البذرة أو السردين، يمكن للمرأة أن تستفيد منه بشكل كبير لبناء وتقوية العظام، من خلال أكله بعظامه" يردف.

وقد عملت الإغاثة الطبية وفقًا لزين الدين، على تثقيف مجموعات من النساء حول التغذية السليمة، لكن يبقى الاهتمام بالصحة في عمر مبكّر للنساء له دوره الأساسي، منبهًا إلى نقص الإمكانيات الصحية لدى مستودعات وزارة الصحة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أنروا)، والمؤسسات الخاصة، مثل الإغاثة الطبية، بما يؤثر على مستوى الخدمة وتوفّر الأدوية اللازمة للنساء، ذلك بسبب وجود عجزٍ كبير في المستلزمات الصحية.

كاريكاتـــــير