شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م14:13 بتوقيت القدس

"ولاء" تعيد قانون "الأسرة" لواجهة المَطالِب

11 اعسطس 2020 - 11:58

غزة:

"مش قادرة أكتب مساء الخير، لأنّي مش عارفة وين الخير؟ ووجهي بهاد الشكل"، بهذه العبارة المرفقة بصورةٍ التقطتها لوجهها للتو، بدأت الشابة ولاء السطري سرد قصة الكدمة المزرقة في عينها اليُسرى، والجرح العميق المقطب في أعلى الحاجب، على جمهور صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك".

ولاء الناشطة المجتمعية، قالت في منشورها –الذي حذفته عن صدر صفحتها مساء أمس- إنها تعرضت لضرب قاسٍ "ليس الأول من نوعه" على يد شقيقها الذي لا يتقبل أن يجادله أحد، ما استدعى ذهابها إلى المستشفى، لتقرر أنها هذه المرة لن تسكت أبدًا.

نشرت ولاء –قبل مسح المنشور- ما حدث معها بالتفصيل، على أمل أن يحمي هذا حياتها، ويُعرّف الناس الذين يمكن أن يسمعوا خبر وفاتها في أية لحظة –على يد أخيها- حقيقة الأمور، بدلًا من تأويلها وتفسيرها وانتهائها بذمّ الضحية وتبجيل فعل الجاني كما يحدث على الأغلب في حوادث قتل النساء داخل فلسطين.

يروي المنشور أن ولاء استيقظت مبكرًا، وساعدت والدتها في عمل البيت، ثم جلست تتناول الفطور برفقة أمها وشقيقها، لولا أنه أسكتها بينما كانت تتكلم بقوله: "اخرسي وقومي من وجهي"، لا لشيء سوى لأنها تبدي رأيها.

غادرت وهي رافضة لأن تكون مجرد إنسان آلي، لكنه عاجَلَها بالضرب بمقلاةٍ، ثم هاجمها بالضرب والركل، ولوى رقبتها لأسفل "كما يحدث في حلبات المصارعة" وفق ما تصف، مع توجيه اللكمات لعينها اليسرى حتى نزفت، ليبدأ بعدها بركلها على أعضائها التناسلية بركبته. أفلتت منه الفتاة بصعوبة، وقررت تحرير تقريرٍ طبي بالاعتداء، وتقديم شكوى لدى الشرطة، رغم تهديده لها بأنها إن فعلت، فإنه سيخرج من السجن ويقتلها.

بعد حصولها على التقرير الطبي، توجهت إلى مركز الشرطة لتُفاجأ بمحاولة الشرطي "لملمة القضية

بعد حصولها على التقرير الطبي، توجهت إلى مركز الشرطة لتُفاجأ بمحاولة الشرطي "لملمة القضية" بقوله: "آخر قرار؟ متأكدة؟ بيضل أخوكِ، "الجرح بيضل بالكف"، لكنها أصرّت، وقدمت الشكوى، ثم غادرت بعد أن قطّبت جبينها بخمس غرز في المستشفى إلى بيت صديقةٍ لها، لتبدأ منها هنا نشر الحكاية.

رغم أن الفتاة مسحت المنشور والصورة مساءً، وألحقت ذلك بمنشورٍ جديد تعد فيه متابعي قضيتها بفيديو توضح فيه سبب الإزالة "بعد قليل" حسبما قالت، إلا أن الفيديو التوضيحي لم يُنشر حتى لحظة نشر هذا التقرير، والفتاة "لا حس ولا خبر" على مواقع التواصل الاجتماعي، بل إن تعليقات بعض أصدقائها أوضحت أنهم فقدوا الاتصال بها تمامًا بعد منشورها الثاني.

الحادثة أثارت ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تداعت بشكلٍ  سريع للتضامن مع ولاء التي كان يمكن أن تكون في عِداد الموتى كغيرها من المعنفات الذين توالت أخبارهم متسارعةً خلال الفترة القصيرة الماضية.

وقد شهد العام الحالي العديد من حالات العنف الأسري التي أفضت إلى مقتل إناث، بدءًا من الشابة صفاء شكشك، التي قتلها زوجها، مرورًا بمادلين الجرابعة التي قتلها والدها على خلفية مكالمة هاتفية مع والدتها المطلقة، وإيمان النمنم وغيرهن، وحتى الطفلة آمال الجمالي "10 سنوات" التي قتلها والدها قبل نحو شهر في غزة.

النشطاء تذكروا كل هذه القضايا وهم يعلنون تضامنهم مع ولاء، وطالبوا في الوقت ذاته بالإسراع في إقرار قانون حماية الأسرة من العنف المخبأ في جوارير الحكومة منذ دهر.

الناشطة دعاء بدوان، وصفت ولاء بأنها شابة قوية وشجاعة لأنها :"قدرت رغم كل الضغوطات من محيطها تقدّم شكوى للشرطة، بعد ما اعتدى أخوها المجرم عليها بالضرب المبرح".

وأضافت: "متأكدة أنها ستتعرض للضغط مجددًا كي تتنازل عن حقها في حال تم اتخاذ خطوات قانونية بحقه، وأنه إذا تم حبسه ومن ثم خرج، ستكون حياتها في خطر"، مطالبةً بإقرار قانون حماية الأسرة من العنف.

شهد العام الحالي العديد من حالات العنف الأسري التي أفضت إلى مقتل إناث، بدءًا من الشابة صفاء شكشك، وحتى الطفلة آمال الجمالي "10 سنوات

أما الناشط علي النمس فقال: "إن جرأة ولاء في إعلاء صوتها رغم حجم المُخاطرة، والانتقادات، تحت ظل مجتمعٍ يرى في الصوت العالي فجورًا، وخروجًا عن الأعراف والتقاليد، ألقت الضوء مجددًا على أهمية أخذ زمام المبادرة، والتمسك بالحق في حياةٍ كريمة، ولو كانت النتائج ليست محل ترحيب مجتمعي".

وتابع: "ولاء سلطت الضوء على أهمية إيجاد قانونٍ فاعلٍ لحماية الأسرة، ولمعاقبة من يمارس التعنيف بغض النظر عن جنسه، وتفعيل أدوات حمايةٍ قانونية للمعنفات بعيدًا عن النزعة العشائرية، وهذه ليست دعوة لنزعها عن محيطها، وإنما دعوة للجم المعتدي ومناصريه، والوقوف أمام المسؤولية القانونية، كي لا تتكرر المآسي التي نسمع عنها كل يوم بحق نساءٍ غُلبن بالصرعة".

قويدر:إقرار قانون حماية الأسرة الفلسطينية من العنف، بات الآن أكثر إلحاحًا، خاصة مع تزايد ظاهرة العنف ضد النساء والأطفال

مركز "حياة" لحماية المرأة تواصل مع ولاء بهدف تقديم الحماية والدعم اللازم لها، وخاصةً فيما يتعلق بالمبيت، تقول الأخصائية بالمركز سمر قويدر: "ظاهرة العنف ضد النساء هي قديمة حديثة، تتزايد لأسباب ذات علاقة بالعادات والتقاليد والظروف الاقتصادية والاجتماعية، وما جعل الناس يتحدثون عنها بشكل كبير، هو ما يتم نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي من حوادث مستمرة تتعرض لها النساء".

وأبدت قويدر أسفها لاستمرار تعامل الشرطة بشكل تقليدي "كما حدث مع ولاء"، مستدركةً: "لكن هناك تطور في تعامل بعض المراكز بجدية مع شكاوى النساء وفقًا للقانون، صحيحٌ أن هناك بعض النواقص، ولكن هناك أيضًا حماية".

وذكّرت قويدر بأن إقرار قانون حماية الأسرة الفلسطينية من العنف، بات الآن أكثر إلحاحًا، خاصة مع تزايد ظاهرة العنف ضد النساء والأطفال، والحاجة إلى قانون يحمي الجميع، مؤكدةً أن النساء اللاتي يلجأن إلى بيت الأمان في مركز "حياة" لحماية المرأة من العنف، لا يخرجن قبل ضمان حمايتهن في البيئة الخارجية، قدرتهن على العيش بشكلٍ طبيعي.

وما إن أقر مجلس الوزراء في الـ 11 من آيار/ مايو الماضي، "قانون حماية الأسرة" بالقراءة الأولى، حتى تبع ذلك موجة من المواقف المتفاوتة بين الرفض والتأييد.

وأجمع على تأييد القانون كافة المؤسسات النسوية، بالإضافة إلى حقوقيين رأوا في القانون فرصة مؤكدة للحد من العنف ضد العناصر الضعيفة داخل الأسرة كالمرأة والطفل، في حين تم رفضه من قبل أساتذة كلية الشريعة ومحامين قالوا إنه يحتوي على الكثير من المخالفات الشرعية.

ويقع مشروع "قانون حماية الأسرة" في 54 مادة، ويتضمن سن عدد من العقوبات والغرامات بحق مرتكبي العنف داخل الأسرة، سواء كان هذا العنف جسديًا أو لفظيًا أو اقتصاديًا، كما يعطي مرشدي الحماية في وزارة التنمية، ونيابة حماية الأسرة، صلاحيات الضبط القضائي.

 

كاريكاتـــــير