شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاربعاء 24 ابريل 2024م06:43 بتوقيت القدس

جمعهم الاحتلال بـ"واد النسناس"..

غصة العائدين إلى حيفا "في بيتي مُستوطِن"!

15 مايو 2020 - 10:58

رام الله والبيرة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

75 ألف فلسطيني هجّرتهم العصابات الصهيونية خلال عامي 1947م و1948م من مدينة حيفا، عاد منهم قرابة ألفين فقط، بعد انتهاء المعارك بين الثوار الفلسطينيين والجيوش العربية من جهة، والعصابات الصهيونية من جهةٍ أُخرى.

كانت عودة أهل حيفا من المناطق الجبلية حولها، ومن القرى والبلدات القريبة منها، بعضهم احتمى في أديرة حيفا نفسها، وبعضهم عاد بوساطةٍ من دولة الفاتيكان "وهم قرابة 600 فلسطيني فقط"، حسب إفادة المؤرخ جوني منصور وهو أحد أبناء حيفا لشبكة "نوى".

المؤرخ الفلسطيني جوني منصورشددت حكومة دافيد بن غوريون -أوّل رئيس وزراءٍ لـ"إسرائيل"- الخناق على حيفا كما فعلت مع كل المدن الفلسطينية الساحلية، تنفيذًا لما سُمي بـ"قرار التقسيم"، واستمر الأمر لمدةٍ تراوحت بين شهرين وأربعة أشهر، تخللها نشر الحواجز في الشوارع والأحياء، وفق إجراءات مشددة نفذها القائد العسكري".

وبعد انتهاء الحصار –يقول منصور- سمحت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بالحركة المحدودة للسكان الفلسطينيين، لكن بتصاريح عسكرية، "وكانت العائلات التي عادت إلى حيفا حتى ذلك الوقت: عطا الله، عابدي، حداد" يضيف.

يستدرك منصور روايته مسرعًا: "لكن لم يُسمح للعائدين بالرجوع إلى منازلهم الأصلية، بل أجبرتهم سلطات الاحتلال حينها، على السكن بحي (واد النسناس) المعروف بحيفا، الذي حولته خلال النكبة وعقبها إلى معتقلٍ مفتوحٍ للفلسطينيين".

ويعد الحي المذكور اليوم أفقر أحياء حيفا بفعل سياسة التضييق، التي ما زالت تنتهجها دولة الاحتلال.

"اختفت أحياءٌ بأكملها في حيفا على إثر النكبة، "حي وادي الصليب القريب من مدينة الناصرة على سبيل المثال، الذي يعيش سكانه اليوم في مخيمات جنين وإربد في الأردن".

لقد اختفت أحياءٌ بأكملها في مدينة حيفا على إثر النكبة، بعد أن هُجِّر كلُّ أهلها، "حي وادي الصليب شرق حيفا القريب من مدينة الناصرة على سبيل المثال، الذي يعيش سكانه اليوم في مخيمات جنين وإربد في الأردن".

يزيد المؤرخ منصور: "أما عن الأحياء التي كانت تُشكِّل ملامح "حيفا" قبل النكبة فهي: حي الحليصة، ووادي الصليب، وواد النسناس، وحي المحطة، وحي عباس، وحي البساتين، والبلد التحتا – البلدة القديمة، وحي واد الجمال، وهو آخر الأحياء العربية التي بُنيت في حيفا، أواخر ثلاثينيات القرن الماضي".

ويبلغ عدد سكان حيفا الفلسطينيين اليوم حوالي 50 ألفًا، ما بين السكان الأصليين الذين ازداد عددهم منذ العام 1948م، خلال ما يزيد عن 70 عامًا، بالإضافة إلى الفلسطينيين الذين أتوا من مدن ومناطق قريبة للعمل والسكن، بحكم أن فرص العمل فيها أفضل.

نزحت عائلة منصور من حيفا إلى لبنان عبر ميناء عكا، ثم عادت من لبنان إلى قرية "الجش" قُرب "صفد"، وأقاموا في منزلٍ صغير تملكُه العائلة.

يقول: "حاول والدي إلياس منصور استرجاع منزله في حيفا، فتحت إحدى المُستوطِنات القادمات من أوروبا الباب له، ورفضت مغادرة المنزل. عَمِل والدي لمدة 20 عامًا بعد النكبة، ليتمكن من شراء شقةٍ قريبةٍ من منزلنا الأصلي في حي عباس".

القتل أو الحرق

أما ابنة المدينة "روزيت زهر" البالغة من العمر الآن (83 عامًا)، فكانت في عمر العاشرة فقط، حين اقتحمت عصابات "الهاجاناه" منزل عائلتها في حيفا  أواخر عام 1947م.

تقول لـ "نوى": "في الرابع من ديسمبر/ كانون أول عام 1947م، التاريخ الذي لا أنساه أبدًا، اقتحم الجنود منزلنا بفترة العصر تقريبًا، قاطعوا جلستنا العائلية، حيثُ كنا أنا وأمي وأبي وأخواتي الخمسة وأخي".

"هددوا والدي بالبندقية وقالوا له بالحرف: إن لم تخرج نقتلك هنا ونحرق المنزل، وكانوا يحملون في أيديهم تنكات البنزين".

تكمل سرد المشهد كأنما تراه لتوها: "هددوا والدي بالبندقية وقالوا له بالحرف: إن لم تخرج نقتلك هنا ونحرق المنزل، وكانوا يحملون في أيديهم تنكات البنزين".

كانت والدة روزيت، وتُدعى "مُنيرة" ما زالت نفساء، أي في فترة ما بعد ولادتها بأصغر بناتها الخمسة، رغم ذلك أصرت على أن تبيت في الشارع بجانب أثاث المنزل، بعد أن طردتهم العصابة الصهيونية بتهديد السلاح.

تضيف روزيت زهر: "باتت أمي في الشارع ثلاثة أيام مع أثاث منزلنا، نامت بالقرب منه لتحرسه هي وأختي الصغرى، فيما كان والدي يتدبر أمر خروجنا إلى مكانٍ آمن، وبالفعل، جاء أحد أخوالي من الناصرة، ووضعنا في سيارة شحن".

تذكر زهر كيف اضطر أفراد عائلتها إلى خفض رؤوسهم في الطريق، خشية قنصهم برصاص العصابات الصهيونية المنتشرة في الطرقات، تعقب: "لا أعرف كيف نمت الليلة الأولى خارج منزلنا في حيفا، لقد حزنت بشدة، وشعرت بالقهر لترك المدرسة أيضًا".

بعد ثمانية أعوام، عام 1955م تحديدًا، عادت روزيت زهر مع عائلتها إلى حيفا، حيث استأجر والدها منزلًا صغيرًا تقاسمه مع عائلةٍ أخرى في حي واد النسناس، وفيه قضت والدتها أيامًا طويلة، تندب وتتحسرُ على منزلها الأصلي الذي أرادت العودة إليه. تقول: "كان شعوري سيئًا، أنا في حيفا لكن ليس في منزلنا!".

ليست روزيت وحدها التي تملك قصةً مع حيفا ومينائها، فالفنان التشكيلي عبد عابدي، كان ابن ست سنوات عندما حلت "النكبة"، حين ودّع مدينته إلى عكا، ومنها إلى لبنان، عبر البحر.

تساهل الإنجليز 

يقول العابدي لـ"نوى": "كنا نسكن أنا وعائلتي قبل النكبة بين حيي وادي الصليب وحارة الكنائس، لكننا لجأنا إلى لبنان خلال النكبة، أذكر أن منزل جدي كان في حارة الكنائس، ولم يكن يبعد عن ميناء حيفا سوى 100 متر، كنت أرى كيف يتساهل الإنجليز مع هجرتنا، لم يكن هناك موانع للسفر أو أي تدقيقٍ لوثائقنا مثلًا".

يُضيف عابدي: "خرجنا من حيفا إلى عكا أنا وأمي وأخي وأختين اثنتين، بالإضافة إلى جدتي من أمي، وجدي من أبي، لكن أبي بقي في حيفا، ركبنا السفينة في عكا، وتوجهنا إلى مخيمات لبنان "الكرنتينا" بدايةً في بيروت ثم مخيم "المية مية" في صيدا".

يتذكر عابدي اليوم الذي هُجرت فيه عائلته، "كانت الساعة الثانية ظهرًا، بتاريخ الثاني والعشرين من أبريل/ نيسان لعام 1948".

لم تغادر حيفا الفنان عبد عابدي، كما لم يتركها هو في ذاكرته البصرية والفنية أيضًا، الدليل على ذلك لوحاته التي يُشكل فيها ميناء حيفا "على كيفه وكما يهوى".

عاد عابدي وعائلته إلى حيفا بعد مرور ثلاث سنوات على النكبة، عن طريق ما سُمي حينها بـ"لم الشمل"، لكن شقيقته الكبرى التي كانت قد تزوجت، مُنعت من الرجوع إلى وبقيت، إلى يومنا هذا، في مخيم "اليرموك" قرب العاصمة السورية دمشق، إذ كانت محطة اللجوء الأخيرة للعائلة خارج فلسطين.

كاريكاتـــــير