شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م10:01 بتوقيت القدس

في الصين منذ (25 عامًا)

طبيب فلسطيني: هكذا حاصرت "ووهان" كورونا

06 ابريل 2020 - 14:47

ووهان:

من مدينة "ووهان" الصينية، مصدر فيروس كورونا "كوفيد19"، يجتهد الطبيب الفلسطيني علي الوعري في استثمار مواقع التواصل الاجتماعي لبث رسائل المحبة والتوعية للشعب الفلسطيني، ونقل تجربة الصين الناجحة في محاصرة الفايروس الذي قتل حتى الآن أكثر من 50 ألف إنسانٍ حول العالم.

أخصائي جراحة الصدر، ظل طوال الفترة التي عانت فيها "ووهان" كابوس الموت اليومي والانعزال التام، مواظبًا على ممارسة مهنته الإنسانية. لقد أرسل مؤخرًا تبرعات طبية للشعب الفلسطيني بمبادرةٍ شخصيةٍ منه ومن صديقه الفلسطيني د.محمد أبو ناموس، أول الناجين العرب من فايروس "كورونا" هناك.

عنها يقول في مقابلةٍ هاتفية مع "نوى": "هي رسالة محبة لأهلنا في الضفة الغربية وقطاع غزة، معدّات وقاية مرسلة للطواقم الطبية، ورجال الأمن"، الذين وصفهم بـ "خط الدفاع الأول في مواجهة "كورونا"، وعليه، لا بد من توفير كافة سبل الحماية لهم وللمتطوعين معهم.

المعدات التي أرسلها الوعري، شملت: 100 ثوبٍ واقٍ للأطباء، و4000 كمامة، 600 كمامة من نوع  N95، ونحو 100 نظارة واقية للأطباء، ليبدأ بعدها بتنفيذ مبادرةٍ أوسع، لتوفير أجهزة تنفس صناعي، بات العالم كله يعاني من أجل توفيرها.

يعيش الوعري في الصين منذ 25 عامًا، ويعمل في مجال التكنولوجيا البيولوجية لدى شركةٍ مختصةٍ بتطوير الأدوية، من خلال تجريبها على الحيوان قبل ترخيصها وطرحها في السوق.

بمتابعته للأوضاع في فلسطين، يؤكد أن الجهات الرسمية الفلسطينية تبذل جهودًا مهمة في مجال مكافحة الفايروس ومحاصرته في فلسطين؛ إلا أنه انتقد "ضعف التزام الناس بالتعليمات الطبية، مثل ضرورة لبس الكمامات والقفازات الطبية".

يضيف: "بعض المواطنين يتذرعون بالحصار والاحتلال –يا للأسف- لكن الفايروس لا يعرف حدودًا ولا احتلالًا ولا حصار".

في مدينة ووهان المغلقة منذ 70 يومًا، بدأ مؤخرًا تخفيف الحصار بشكل جزئي عن المواطنين الصينيين، الوضع مملٌ ومرهقٌ رغم سهولة توفير الغذاء –تبعًا للوعري- لكنه السبب في محاصرة المرض.

الصين التي ارتبكت مع ظهور الإصابات الأولى، سرعان ما تماسكت منظومتها الصحية لتخرج بخطة إغلاق المدينة لحصر الإصابات التي كانت أعدادها تتضخم مع مرور كل ثانية، نظرًا لجدّة الفايروس.

يتابع: "في ذلك الوقت، تم ضخ الإمدادات الطبية إلى غرف العناية المركزة، خاصة أجهزة التنفس الصناعي، وحجر كل المشتبه بإصابتهم في فنادق، وفق تقييم المنظومة الصحية الصينية"، لكن الوضع في فلسطين كان مختلفًا "الحجر الاحترازي الجماعي كما حدث في المدارس؛ يمكن أن يتسبب في انتقال العدوى من أي مصاب لأشخاص غير مصابين، والأصل أن يكون الحجر فرديًا".

ومع إدراكه لواقع الحصار الذي تسبب في نقص الإمدادات الطبية، وعدم قدرة القطاع الصحي على توفير فنادق كما فعلت الدول الأخرى، ينصح الوعري بالفصل بين الأشخاص في الحجر، بما لا يسمح حتى لأشيائهم بالاختلاط مع بعضها البعض، "ومع صعوبة توفير حمام لكل شخص، يمكن تخصيص لجان طبية، للعمل على تعقيم المكان كله بشكل مستمر، مع التنويه إلى عدم خطورة وضع المصابين فعليًا في ذات الغرفة".

جدّة الفيروس وعدم العثور على لقاح له حتى الآن، دفعت الوعري للتأكيد المستمر من خلال صفحاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على ضرورة اتباع المواطنين لنظام حياةٍ صحي، بدءًا من النوم المبكر ولعب الرياضة، وصولًا إلى التغذية السليمة التي تحتوي على البروتين النباتي والحيواني، والأغذية التي تقوّي جهاز المناعة، يستدرك: "لكن لا أنصح بالاعتماد على المكملات الغذائية، إنما على الأشياء الطبيعية فقط".

أما كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة، فيرى أن لا حل أمامهم سوى التزام البيوت، مع مراعاة تخفيف التواصل مع الأشخاص الذين يضطرون للخروج إلى الشارع كأبنائهم وأحفادهم، الذين يمكن أن يصيبهم الفايروس فينقلونه إليهم دون أن تكون الأعراض قد ظهرت عليهم بعد.

"لكن، دعونا نقول إن الكثير من المرضى كبار السن تعافوا"، يعلق، ويرجع ذلك إلى الكشف المبكر وما له من أهمية كبيرة في إنقاذ الإنسان قبل تدهور حالته وتمكّن الفيروس منه.

ويشرح بالقول :"الكشف المبكر يكون قبل وصول المصاب إلى مرحلة ضيق التنفس، هذا الفيروس محتال، ويصيب الإنسان بارتفاع في درجات الحرارة لتصل إلى 37.4 تقريبًا، وقد تستمر أسبوعًا أو أكثر، وهذا مؤشر"، أما إن تطورت الحالة بعد ذلك، ووصلت إلى ضيق التنفس، فهنا لا يكون لدى الأطباء الوقت لإنقاذ المريض وتحدث الوفاة.

تصنّف الإصابات بـ"كورونا" إلى ثلاث، الأولى والثانية يظهر فيهما العَرَض الرئيسي: ارتفاع درجة الحرارة، أما الثالثة وهي المرحلة الصعبة، التي يحدث فيها ضيق التنفس.

في هذه الحالة: يكون الفيروس قد وصل إلى خلايا الرئة، وتكاثر داخلها وأعطبها، فلا يعمل الجهاز التنفسي بنسبة100% ، ويصل التليف إلى الأنسجة، ولا تستطيع الرئة تغيير الأكسجين، وبالتالي تظهر أعراض ضيق التنفس، وهذا يمكن أن يسبب أمراضًا أخرى غير كورونا، حسب تأكيد الوعري.

"ووهان" التي تم تخفيف الحصار عنها جزئيًا، ظهرت فيها عدد من الحالات الجديدة، لكن السلطات كانت قادرة على التعامل معها بشكل سريع، إلا أن الوعري يحذر من ما أسماه "موجة ثانية من الفيروس"، قد يندرج تحتها عدة أسئلة: هل حدث له طفرة جينية؟ وهل الناس أصبحت تصاب من جديد بالفيروس نفسه؟

يردف: "حتى اللحظة لم نُسجل حالات حدثت فيها طفرة جديدة للفايروس، ولكن تم تغيير شيء بسيط في سلالته، وهذا لا يندرج تحت مسمى الطفرة الجينية (..) الآن الفايروس أصبح ينتشر بسرعة أكبر، ومن يصاب به بات من السهل أن تظهر عليه الأعراض".

ويعزو الوعري ارتفاع أعداد الوفيات في بعض البلدان كإيطاليا وإيران، إلى حالة الإرباك الشديدة التي أصابت النظام الصحي هناك، وعدم التشخيص المبكر، معقبًا بالقول: "كان يتوجّب على هذه الدول منذ بداية ظهور الفايروس في الصين، أن تحدّث منظومتها الصحية وتغلق الحدود".

وردًا على قناعات بعض الدول "حول إمكانية اختفاء الفايروس بحلول فصل الصيف"، قال: "الفايروسات التي تصيب الجهاز التنفسي، عادةً ما تختفي في الصيف، وهناك أنواعٌ إن تواجدت خارج جسم الإنسان، أو خارج الحيوان الوسيط، سيحد نشاطها في درجة حرارة أكثر من 25 درجة مئوية".

ويزيد: "من المبكر الحكم بأن (كورونا) سينتهي في الصيف، أتابع دولتين هما الهند وأندونيسيا، إذا لم تسجلا حالات جديدة خلال شهر ونصف من الآن، فمن الممكن التصريح بأن الفيروس سينتهي في الصيف، لكنه سيظل موجودًا، وسنعايشه كما نعايش فيروسات أخرى، وسيتم إيجاد لقاح له".

ولدى سؤاله عن إمكانية عودة الفيروس لمن شفي منه أجاب: "هناك إجابتان، الكواشف المخبرية التي نستخدمها في الكشف عن هذا الفايروس لا تعطي نتيجة دقيقة 100% في التشخيص، لأن المادة المحضّرة في الاختبار كونه فايروس جديد، وربما له سلالات كثيرة، تعطينا 30-40% من النتيجة، لذلك يتوجب عند ظهور أن الشخص غير مصاب، إعادة الفحص أكثر من مرة، هذا بالنسبة للمشتبه بهم".

أما بالنسبة لمن تعافوا وسمح الأطباء بخروجهم من المستشفى، فيندرج أمرهم تحت شقين –والحديث للوعري- الأول، هو كاشف الحمض النووي حيث المادة غير حساسة، والشق الثاني، هي أن جميع الأدوية التي تُعطى في البروتوكولات العلاجية، تعطي نتيجة أن الجسم جيد، وبعد انتهاء مفعول الدواء تعود الأعراض، وهذا يشبه ما يفعله فايروس الإيدز، فمصابوه يبدو كأنهم بخير عند تناول الدواء، وتظهر الأعراض عند انتهاء مفعوله.

ومع عدم وجود لقاح حتى الآن، فإن الصين استندت إلى ثلاثة أدوية متداولة هي، الأمريكي الذي يعالج الآيبولا، والياباني مضاد الانفلونزا، وأدوية الملاريا، "لكنها جميعها لم ترخصها بعد هيئة السلامة والغذاء سواء في الصين أو الولايات المتحدة".

وما زالت العديد من الشركات حول العالم تخوض منافسة شرسة من أجل تطوير لقاح يقضي على كوفيد- 19، وهي كما يقول الوعري "لا تزال في مراحل التجارب على الحيوان". أما هو فيتابع تصنيع لقاحين في الصين والولايات المتحدة، ورغم اختلافهما كليًا، إلا أنهما يسيران بنفس وتيرة السرعة.

ونفى الشائعات التي تقول "إن المتعافي من كورونا يمكن أن ينقل العدوى، فالمريض الذي تم شفاؤه يجب أن يوضع في الحجر الصحي بالمستشفى تحت الرقابة الصحية مدة 14 يومًا، بعدها يعود إلى المنزل ويخضع لحجر منزلي، وبرعاية طبية، دون اختلاط بالعائلة لـ14 يومًا آخرين".

بعد غيابه منذ عام 1995م، زار الوعري قطاع غزة آخر مرة عام 2012م، برفقة زوجته الصينية "المناصرة للقضية الفلسطينية" وأطفاله، وكانوا دون خمس سنوات.

بعد أسبوعٍ من وصولهِ شنت مروحيات الاحتلال هجومًا على القطاع استمر ثمانية أيام، حضرها كاملة.

يقول :"تابعت حرب 2009م على التلفزيون، ومن يتابع ليس كمن يعايش التجربة، كانت طفلتي تسأل باللغة الصينية عن القصف فأجيبها "هي ألعاب"، كان الصوت مرعبًا، أما زوجتي فقد أصرت على البقاء في غزة رغم اتصال السفارة الصينية، واستعدادها لنقل العائلة خارج قطاع غزة".

ويضيف: "تسكن عائلتي في منطقة تل الهوا، حين ألقت طائرات الاحتلال مناشير تطالبنا بالرحيل، قلت لزوجتي خذي ما خف وزنه وزاد ثمنه، ثم بكت وهي تغادر البيت، وسألَتْها والدتي: هل أنت خائفة؟ فأجابت: لا أنا حزينة على بيتٍ جميلٍ سنتركه لتدمره طائرات الاحتلال، وبعد الحرب قامت بجولة صورت خلالها آثار القصف على المنازل، ونشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي في الصين وأحدثت ضجة".

يحرص متابعوا الوعري على مواقع التواصل الاجتماعي على توجيه الأسئلة له، وهو يبدو سعيدًا بكونه يقدم تجربته إذ طوّر من خطابه تحديدًا نحو فلسطين، فبات يقدّم بثًا مباشرًا يشرح فيه كيفية الوقاية داخل وخارج المنزل مراعيًا الإمكانيات الصحية الموجودة، وطبيعة المجتمع.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير