شبكة نوى، فلسطينيات: ما أن يرفع الأذان لصلاة العصر حتى يبدأ الخمسيني وليد الحطاب بإعداد العدة للبدء في طهي الجريشة داحل زقاقٍ قريبٍ من بيته في حي الشجاعية، شرقي مدينة غزة.
يشعل الحطاب النار، ويبدأ بطهي الجريشة، بينما يتحلّق حوله الصغار، وفي أياديهم أوانٍ فارغة أرسلتها أمهاتهم معهم لنقل الطعام. كلهم يسألون العم وليد "متى تنتهي؟"، فيجيبهم بابتسامةٍ لطيفة: "تكّة بس".
عشر سنوات مرت على الحطاب، لم يتوقف خلالها عن إعداد شوربة الجريشة يوميًا طوال شهر رمضان، بغرض توزيعها على سكان الحي الذي يقطنه. وحده، وبدون أي مساعدات مادية، فمبادرته فردية، وتقتصر على تقديم شوربة الجريشة، المضاف إليها بعض اللحم إن توفر.
ولا يشترط الحطاب فيمن يتناول طبق الجريشة أن يكون محتاجًا، "فهذا الطبق يصل لكل من يحضر أناءه هنا"، إذ يشكر الناس في المنطقة نكهة الحساء الذي يصنعه، ما يجعلهم يسارعون لملء أوعيتهم بما تيسّر منها.
يمتلئ قلب الرجل بهجة كلما ازداد عدد المقبلين على تناول طبق الجريشة، "فساعتها أعرف أن تعبي لا يضيع هباءً، وأدعو الله من كل قلبي أن يتقبل" يعقب.
يبدأ الحطاب عمله في طهي الجريشة بعد صلاة العصر مباشرة، حتى يتمكن من سكبها في الأواني وتوزيعها قبل أذان المغرب، لتزيين موائد الإفطار.
يقف الأطفال على مقربة من الحطاب يتابعون قدر الجريشة بتركيز، بينما يشعر هو ببعض الراحة لأنه استطاع أن يتشارك وإياهم وقت ما قبل الإفطار.
ويرى الحطاب أن مبادرته تأتي في إطار التكافل الاجتماعي في الشهر الفضيل، داعيًا كل من لديه استطاعة أن يقدم ولو القليل الذي يمكن به رسم البسمة على شفاه المعوزين، في ظل الأوضاع الاقتصادية القاسية والحصار الإسرائيلي الذي ما زال مفروضًا منذ 16 عامًا.
وتعود قصة الحطاب مع الجريشة إلى طفولته، حين وعى الحياة وهو يرى جدته تطهو الجريشة وترسلها للمسجد القريب كي يتم توزيعها هناك.
ظلت صورة جدته وسيرتها حاضرة في ذاكرته حتى بدأ قبل عشر سنوات بتنفيذ ذات الفكرة، لا سيما بعد وفاة زوجته التي اعتادت أيضًا طهي الطعام وتوزيعه على الأهل والجيران، في شهر رمضان المبارك.
والجريشة هي طبق تراثي، يعتمد في طهوه على البرغل وقطع اللحم والملح والفلفل والكمون، اعتاد الفلسطينيون القدماء إعداده في الأفراح والمواسم المختلفة.
