شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 ابريل 2024م04:33 بتوقيت القدس

"عوض" و"سلامة".. 30 عامًا أمام رقعة شطرنج

24 يوليو 2022 - 13:09

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

أمام دكّانه الصغير بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، يحدّق عوض عوض (65 عامًا) في رقعة "شطرنج" بمقاس (50X50) غطّت طاولةً خشبيةً أمامه.

يراقب الرجل خلسةً نظرات صديقة "سلامة" وهي تتنقل بين القطع البيضاء الخاصة به، تحسبًا لأي حركةٍ مباغتة، فقد حصّن لتوّه "مَلِكه" بمجاورة الوزير، ولا مجال للهزيمة "على الأقل حتى هذه اللحظة" يضحك ويقول لـ"نوى".

بحركةٍ خاطفة، أمسك "سلامة" فيله، والتهم به حصان عوض الذي استشاط غضبًا، وضرب الطاولة بيده، ثم انتبه إلى أنه يجلس بين المارة! ضحك الاثنان وجاء دوره.

بتمعنٍ وضع عوض خطةً استراتيجيةً، ولم يترك لزميله "سلامة" (أبو محمد) أي خيارٍ سوى الاستسلام. حاصر الملك بحركةٍ لولبية لحصانه، وسدّ على خصمه كل الطرق، وأنهى اللعبة وهو يردد ضاحكًا: "كش ملك".

انتصار عوض لم يمر مرور الكرام، "فكالعادة"، سلامة لم يفوّت له تذكيره بأنها المرة الأولى "بعد سلسلة هزائم مفزعة" يعود بعضها إلى ما قبل ثلاثين سنة! نعم، ثلاثة عقودٍ منذ التقيا للمرة الأولى هنا في نفس المكان بالصدفة في الخامس عشر من تموز/ يوليو لعام 1991م، بينما كان سلامة يعمل في توزيع المنتجات الغذائية على الدكاكين في المنطقة.

"ومنذ ذلك الحين، يتكرر هذا اللقاء يوميًا" يقول "سلامة"، ويكمل عنه عوض بالقول: "هنا نهوّن على بعضنا هموم الحياة، فالوضع في غزة مأساوي، وهذه حقيقة".

اليوم يحتفل الاثنان بمرور ثلاثة عقود على معرفتهما، وعلى الكثير من الانتصارات والهزائم أمام هذه الرقعة الصغيرة. يحتفلان بذكرياتٍ لا يمكن أن ينسياها، حُفرت في ذاكرتيهما هما فقط.

يقول عوض لـ "نوى": "تحوّل الأمر إلى عادة يومية بيننا. هنا نقضي أوقات فراغنا بعد ساعات العمل الشاقة، ونتبادل أطراف الحديث، وهنا نشعر بأن غزّة التي تحاصرنا، صارت أجمل وأوسع مكانٍ في العالم".

يضحك أبو محمد ويقاطع صديقه قائلًا: "من يلعب الشطرنج يعرف أنها لعبة الملوك والأذكياء، نحن نسخّر كل تركيزنا للمحافظة على سلامة الملك والوزير، ويا فرحة من يفوز في عدة جولاتٍ متتابعة، يعود إلى بيته وكأنه حاز الدنيا وما فيها".

يتحدّث عوض عن أصول اللعبة، فيضيف: "يُلعب الشطرنج على ثلاث مراحل: الافتتاح، والوسط، والنهاية، ولكل مرحلة تفاصيل وقواعد وخطة تؤهل الواحد منا للفوز على خصمه".

هنا يتدخل أبو محمد ليعقّب على كلمة "خصم" فيقول: "بالطبع نقولها مجازًا، هذه الطاولة تشهد بأنه أخي الذي لم تلده أمي".

ويزيد في شرح أصول اللعبة: "لكل قطعة حركة تخصها، فالفيل لا يتحرك إلا بشكلٍ مائل، والحصان يمشي بشكل حرف L بالإنجليزية، أما القلعة فيمكن تحريكها بشكلٍ مستقيم عموديًا أو أفقيًا، ووحده الوزير القادر على الحركة في كل الاتجاهات، أفقيًا ورأسيًا وبشكلٍ مائلٍ أيضًا"، ملفتًا إلى أن اللعبة تزداد صعوبة كلما كان "الخصم" على درايةٍ كافية بالمهارات اللازمة لها.

يصف أبو محمد نفسه بـ "مدمن الشطرنج" اليوم، إذ لا يتخيل أن يمر عليه يومٌ دون أن يقضي 5 ساعاتٍ منه على الأقل أمام الرقعة المربعة، تحديدًا مع صديق عمره "عوض"، "هذه اللعبة تستحق أن يقضي الإنسان وقت فراغه فيها، فهي لا تعتمد على الحظ، ولا تحتمل تضييع الوقت، هي تؤصّل في عقل اللاعب فكرة التخطيط والتركيز والانتباه وحسبان العواقب، كما أن المنافسة فيها تضفي أجواءً رائعة على الوقت بأكمله" يزيد.

يضحكُ بصوتٍ عالٍ، ويشير بإصبعه إلى "عوض" قائلًا له: "اللي ما يطول العنب، حامضاً عنه يقول، فرغم تركيزه الكبير إلا أنني غالبًا ما أحقق عليه الفوز". يوجه كلامه نحوه مباشرةً ويكمل: "والله يا عوض حججك الوهمية غيرت حكومات، ولم تغيرك".

والشطرنج هي لعبة طاولة استراتيجية، تشمل لاعبين اثنين، وتهدف إلى تحريك أنواع مختلفة من القطع التي حُددت لها مجموعة من التحركات المحتملة على لوحة مربعة الشكل، بغرض الإمساك بالقطعة الرئيسية المسماة "الملك".

ووفق تعريف الأمم المتحدة، فإن الشطرنج لعبة من أكثر الألعاب عراقة وتشبعًا بالفكر والثقافة، حيث أنها مزيج من الرياضة، والفكر العلمي، والعناصر الفنية، وهي نشاطٌ شامل، وميسور الكلفة، يمكن أن يمارسه الجميع في أي مكان، دون اعتبارٍ لحواجز اللغة، أو العمر، أو النوع، أو القدرة البدنية، أو المركز الاجتماعي، تشجع على النزاهة، والإدماج، والاحترام المتبادل، ويمكن أن تسهم في تهيئة جو من التسامح والتفاهم بين الشعوب والأمم.

وبمبادرة من الاتحاد الدولي للشطرنج، لا يزال لاعبو الشطرنج في جميع أنحاء العالم، يحتلفون بيوم 20 تموز/يوليو باعتباره اليوم العالمي للشطرنج منذ عام 1966م.

كاريكاتـــــير