شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م12:27 بتوقيت القدس

فازت بجائزة "خليفة" التربوية الدولية..

لم يعد للكيماوي مكان في ذاكرة "نجوى".. المعلمة المبدعة

07 يونيو 2022 - 08:56

غزة- شبكة نوى :

من بين أنياب الوجع ولهيب جرعات الكمياوي، بزغ "الإصرار" شمسًا في قلب المعلمة الفلسطينية نجوى الشيخ علي "أبو سلمية"، في لحظةٍ معيّنة رَفَضَ عقلها الانصياع لفكرة المرض، فنفَضَ عنه غُبار اليأس، وانطلق بقوة "صاروخ" نحو العُلا.

بلقب "المعلم المبدع" تبدأ المعلمة الشيخ علي رحلةً جديدةً في مسيرتها التعليمية، لتتوِّج عُمرًا من التألق في مجال تدريس مادة الثقافة العلمية لطالبات الثانوية العامة، بحصولها على لقب "المعلم المبدع" في جائزة خليفة التربوية الدولية.

من مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غرب مدينة غزة بدأت الحكاية. تقول الشيخ علي لـ "نوى" بينما تترقرق قطرات الدمع في عينيها كنقوش الفضة الصغيرة: "أنا لم أفز بلقب فقط، بل انتصرت على سرطان الثدي الذي داهمني قبل خمس سنوات".

تتلقى نجوى اليوم التهاني كغيثٍ مفاجئٍ في يومٍ حار. لقد فازت بالجائزة عن جملة إنجازات أبرزها 93 فيديو تعليمي، وأكثر من 20 اختبار إلكتروني، وشروحات 79 ملف تعليمي، وأنشطة تلعيب نجحت خلالها في تجاوز أزمة التحوّل إلى التعليم الإلكتروني الذي تم إقراره بشكل مفاجئ إبّان جائحة كورونا، ودخول قطاع غزة في حالة حجر صحي.

وتعدّ هذه الجائزة الأولى عربيًا، وقد حصلت عليها المعلمة الشيخ علي التي تعمل في مهنة التدريس منذ 16 عامًا، بعد سلسلة من الجوائز المحلية التي مهّدت الطريق لخوض هذه المسابقة، فقد حصلت عام 2017 على لقب الموظف المتميز وجائزة مبادرتي عن الأطلس التعليمي لعلم الديدان الطفيلية وجائزة مبادرتي 2020، ثم جائزة فرسان المحتوى الرقمي عام 2020م عن حوسبة مادة الثقافة العلمية، مستفيدة من خبرات سابقة اكتسبَتها كونها تقضي الإجازات الصيفية في التعلّم عن بُعد؛ ما جعلها تتغلب بشكل سريع على أزمة التحول للتعليم الإلكتروني.

تضيف الشيخ علي :"سياستي في التعليم أن أُعامل الطالبات كصديقات، أذهب إلى مدرستي في اليوم الأول بكامل أناقتي فهذا هو يوم التعارف، ومن ثم أعقد صداقاتي بالحب والتقبل والإصغاء والتوعية بنبرة الأم لا المعلمة".

عن اختيارها مهنة التعليم تقول: "هي مهنة إنسانية، فالطلبة يفيضون بالعواطف والميول والاتجاهات المختلفة، والمعلم يحتاج فعليًا إلى جهد لشد انتباههم. في اليوم الأول للدوام أرسم خارطة ذهنية لأتعرف على كل طالبة بشكل منفصل. كيف تفكر حول مسؤولياتها تجاه مادة الثقافة العلمية؟ وما الأسلوب الأنسب للتعامل معها وفق قدراتها وفهمها وميولها أيضًا؟ وفي النهاية أنبّه إلى أن الهدف من المادة تيسير فكرة البحث العلمي، لأن المعلومة التي يبحث عنها الإنسان لا ينساها أبدًا، على عكس المعلومات التي تأتي على شكل وجبات جاهزة".

هكذا إذن ترسّخ المعلمة مفهوم الدور الإيجابي للطالبات، وتنمية مهارة البحث العلمي لديهن، مع استخدام أساليب مختلفة في الشرح للتغلب على قصر الحصة الدراسية البالغة 45 دقيقة، خاصة وأن طالبات الثانوية العامة يحتجن إلى مراعاة مختلفة في المعاملة.

في تلافيف الذاكرة، لا يمكن أن تنسى الشيخ علي، كيف داهمها سرطان الثدي بداية عام 2017م، بينما هي منشغلة في خوض العديد من التجارب العلمية مع طالباتها. لقد فارقتهن مباشرةً بعدها لخضوعها لعملية جراحية، ثم لثماني جرعات كيماوي. "تلك الأيام لا تنسى، لقد كان كالنار يسري في عروقي، ووحده كان كفيلًا بإنهاء مسيرتي كمعلمة، لولا أنني تمالكت قوتي، وكنتُ مصرةً على المواصلة".

تقول: "كانت الجرعات قطعًا من العذاب، نيران تدخل الجسم، سقط شعري كاملًا من أول جلسة، وهذا مؤذٍ نفسيًا، لكن كنت قد استجبت لنصيحة الكثيرات ممن نصحوني بقص شعري قبلها كي أهيئ نفسي لما سيحدث. ورغم صعوبة الوضع، إلا أن إصراري على المواصلة، ودعم كل المحيين بي، جعلني أستمر"، ملفتةً إلى أنها كانت تحصل على إجازة لثلاثة أيام بعد جرعة الكيماوي، ثم تعود لمتابعة العمل مع طالباتي.

وكأن الظروف القاسية تخلق دافعًا إضافيًا؛ منذ أصيبت بسرطان الثدي خاضت المعلمة الشيخ علي العديد من التجارب الناجحة، ومنها تجربة "مبادرتي" التي نفذت خلالها العديد من المبادرات الأخرى مثل: الأطلس التعليمي، ونور على نور لمساعدة ضعاف التحصيل الدراسي، وتحدي كورونا، والمدرسة الخضراء، وساعة تطوع لصالح فلسطين، وغيرها.

لكن ما تجده المعلمة نجوى بارزًا في مسيرتها هو العمل ضمن منحى ستيم، توضح ذلك بالقول:"ستيم القائم على المشاريع تعني دمج العلوم بالتكنولوجيا بالتصاميم الهندسية مع الرياضيات وتطبيقه في مشاريع منهجية لمبحث الثقافة العلمية ومبحث الكيمياء والمباحث الأخرى وما تم إنجازه من مشاريع تم تقديمه لمسابقة لوما ستارت العالمية والتأهل ضمن أفضل عشر مشاريع عالميًا في عام ٢٠٢١ وإدراج اسم فلسطين ضمن قائمة الدول".

"يعني دمج العلوم بحيث تستفيد من بعضها، فمثلًا تصنيع منظفات هو دمج من مادتي الكيمياء والرياضيات وهكذا باقي المشاريع، التي تأهلت فيها ضمن أفضل 10 مشاريع على مستوى العالم".

وتضيف: "انتقلت عام 2019م إلى التعلم من خلال منصة (أريد) للباحثين. لم تكن لدي خبرة سابقة في البحث العلمي، ولكن تعلمت عن بُعد، وحصلت على وسام ناشطة وباحثة مبادرة وهذه أفادتني في البحث العلمي حيث قدمت مجموعة من الأبحاث".

تزامنَت هذه الإنجازات تمامًا مع فترة محاربتها للسرطان، إلا أن رؤية نجاحها كان يدفعها بشكل إيجابي ويرفع معنوياتها ما يجعلها تطمح إلى المزيد، ما كان له أثر مهم في تحسين حالتها النفسية ودفعها نحو المزيد.

تقول المعلمة التي تخضع حاليًا للعلاج الهرموني، وتحاول برفقة زوجها الذي يعمل أخصائي تحاليل طبية، تجاوز أزمة انقطاع أدوية مرضى السرطان، وتوفيرها على نفقتهم الخاصة رغم ارتفاع ثمنها، وما يشكله ذلك من عبء على العائلة.

وتجزم الشيخ علي أنها تجاوزت العديد من المعوقات خلال العمل، تقول: "ضيق الوقت كان عائقًا أساسيًا فكل مشروع يحتاج ما بين 3 و4 أسابيع بينما مدة الحصة 45 دقيقة، أيضًا مشكلة ضعف الإمكانيات، فكنا نضطر لإجراءات فحوصات مخبرية في مختبرات الجامعة، إضافةً إلى أن مختبر الحاسوب بالمدرسة فقط 20 جهازًا، بينما لديّ 48 طالبة في كل فصل".

وما زال في جعبة المعلمة الكثير من الطموحات، فهي ابتداءً تتمنى الشفاء من مرض السرطان وتنفيذ العديد من المشاريع العلمية، موضحة :"أصبو إلى تحقيق جوائز عالمية أخرى وأرقى بمستوى ضعف التحصيل للطالبات وأحظى بفرصة لتطبيق أكبر لتطبيق منحى ستيم القائم على المشاريع و للتعلم المبكر".

كاريكاتـــــير