شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 19 ابريل 2024م11:46 بتوقيت القدس

غزّة.. وحديثٌ عن الحصار و"الحصيرة"

28 مايو 2022 - 09:12

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

لم تكن "نُهى" تعلم عندما أبلغها زوجها بأنه وجد بيتًا للإيجار بعد بحثٍ طويل، أنّ وضعهُ سيكون مُزريًا إلى هذه الدّرجة. بعيدًا عن قِدَم الدهان، وتشقّق الأسقف، كان بلاط الأرضيات من النوع القديم جدًا، بينما البقعُ تتناثر فوقه "ما بين أحبارٍ وشحم يشبه شحم السيارات"، وهذا ما اضطُرها إلى تغطيته بحصيرة!

ما عدنا نشاهد "الحصير" في بيوت معظم سكّان غزة، اليوم، إذ بات للبلاط أشكالًا وألوانًا وأحجامًا ونقشات مختلفة لا تستوجب التغطية، بل على العكس قد يختارها أصحاب البيت ليراها ضيوفه، فيما بات السكان يعتمدون أكثر على السّجّاد في فرش الشتاء، وهو ما لم يترك للحصير فرصةً إلا في بيوت العائلات التي بالكاد تستطيع جمع "دخل الكفاف" يومًا بيوم، عند أولئك الذين عاش معهم طفولتهم فبات وجوده مركزيًا في حياتهم.

تقول السيدة –وهي أم لثلاثة أطفال: "اشتريتُ حصيرةً كبيرة بسعر 30 شيقلًا بقيت من عيديّتي. من الصعب أن أشتري السجّاد، أو حتى أن نبحث عن بيتٍ بديل، فزوجي عاملٌ باليومية وبالكاد يستطيع تأمين طعامنا. إيجار هذا البيت معقول، لكن أسعار السجاد هي غير المعقولة"، ملفتةً إلى أن "الحصيرة" هي صديقة طفولتها التي عاشت في بيتها –كمعظم بيوت الغزيين- أيامًا طويلة، "ولم تبدُ غريبةً بالنسبة لي عندما عدتُ لفرشها اليوم في بيتي".

أنماطٌ أخرى من المواطنين والمواطنات، يجدون في استخدام الحصير "تراثًا"، و"أصالة". الحاجة فاطمة على سبيل المثال، تجد في حصيرة أرضية الغرفة المقابلة للشرفة الكبيرة أساسًا في مكونات المكان. تقول: "جلسة الأرض تريحني أكثر، وفي الصيف، يصلني شعورٌ نفسيٌ وأنا فوق الحصيرة بأن المكان بارد"، مضيفةً بعد أن ضحكت: "منذ وعيتُ على الحياة، كانت الحصيرة ترافقنا، في غرفة الجلوس، وفي المتنزه، وعلى شاطئ البحر، فهي خفيفة الوزن سهلة الحمل، كما أننا كنا نغسلها بالماء البارد وحسب، فتجف بسرعة دون أن يبقى لها رائحة كما هو حال السجاد أحيانًا".

في منزل سماح يبدو الأمر مختلفًا، فهي تنقم على حصيرة بيتها التي ترى أنها "تجربة قاسية" مقابل ما تعيشه شقيقاتها في بيوتهن المفروشة بأرقى أنواع السجاد.

زوج الشابة الثلاثينية عاطلٌ عن العمل، ويعتمد على معونات وكالة الغوث في سد احتياجات عائلته من المأكل شهريًا، وهنا كان "الحصير" فرضًا لا خيارًا. تتحدث عن تجربتها القاسية معه فتقول: "في الشتاء لا يرد البرد، وفي الصيف يصبح كأسياخ النار لا سيما في مضارب الشمس، فهو في النهاية بلاستيك، ناهيك عن أنه بعد فترةٍ من الزمن يتفتت، أوتجتاحه الفجوات، فيصبح غير صالحٍ للاستخدام أبدًا".

وتعد صناعة "الحصير" من الصناعات الشعبية القديمة التي تنتشر بشكل كبير في فلسطين، وترتبط بهويتها، لكن الخناق الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 16 عامًا تسبب بقلة إنتاجه حاليًا.

في المقابل، ووفقًا لصنّاع الحصير وباعته، عاد الطلب على "الحصير" بسبب الوضع الاقتصادي المتردي لأهالي قطاع غزة الذي تمخّض عن الحصار والعدوانات الإسرائيلية المتكررة. يقول إياد حجازي، وهو من أوائل أصحاب مصانع الحصير في فلسطين: "عندما رأينا عودة الطلب على الحصير، حاولتُ برفقة إخوتي التغلب على فكرة الحصار والإغلاقات المتكررة ومنع بعض المواد الخام من الدخول إلى قطاع غزة، بإعادة تدوير بعض أنواع البلاستيك الذي يتطابق مع معايير العمل؛ لإنتاج أشكال متعددة من الحصائر".

ويضيف: "جلبتُ ماكينات من اليابان لتُسهّل الإنتاج بجهدٍ ووقتٍ أقل، وأعدت استخدام النفايات البلاستيكية، فساهمتُ كذلك بتشغيل بعض الأيدي العاملة".

يرى حجازي أن العملية فيها فوائد مركبة، فهناك مصدر رزق للجامعي النفايات البلاستيكية، وهناك عمال في المصنع بات لديهم ما يفعلونه، "ناهيكم عن أننا نحافظ على البيئة من التلوث بهذه النفايات من خلال إعادة تدويرها واستخدامها بما فيه فائدة متجددة، وبأسعار زهيدة يستطيع المواطن احتمالها ببساطة" يزيد.

بدايةً، كان قطاع غزة يستورد حصير "البوص والقش" من تركيا، ثم تدريجيًا لجأ إلى "نول الصوف" لصنع الأبسطة (جمع بساط)، ثم بعد ذلك تطور الأمر لتصنيع منتجات بلاستيكية اقتداءً باليابان، "بأشكال ورسومات مميزة لفتت انتباه المواطنين، وبأسعارٍ أقل من أسعار بساط النول".

ويوضح صاحب الـ(49 عامًا)، أنه بعد تجميع البلاستيك المطلوب، وتقطيعه، تبدأ عملية غسله، وتنشيفه، وإدخاله إلى الماكنة من جديد، ليصبح على شكل حبيبات، ثم يتم غسله مرة أخرى ليخرج بشكل خيوط بلاستيكية تُنسج بآلات وطرق محددة، ليتم إنتاج الحصر بأحجام وأشكال مختلفة، حتى يتم توزيعه في الأسواق.

ويؤكد على أهمية الحصير للفلسطينيين، بقوله: "مع تطور صناعة الحصير بألوان وأشكال وأحجام متعددة، يكاد لا يخلو منزل منه كما الحال منذ مئات السنين، نظراً لأسعاره المنخفضة التي تبدأ من 20 شيكلاً وما فوق بحسب الحجم".

انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة من أهم المعيقات التي تواجه مصانع الحصير في غزة، ما يتسبب بتقليل الأيدي العاملة وكمية الإنتاج.

وبحسب حجازي، فإن العدوان الأخير على قطاع غزة أثر بشكلٍ كبير على الماكنات وأداء المصنع، حيث قُدّرت الخسائر بـ 1800 دولار عنده، إلا أنه نجح في استعادة قدرته على الإنتاج من جديد، معربًا عن أمله بكسر القيود الإسرائيلية بأية طريقة، "حتى تتمكن مصانع قطاع غزة من تصدير منتجاتها عالية الجودة إلى الخارج" يختم.

كاريكاتـــــير