شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م11:37 بتوقيت القدس

74 عامًا و"دير ياسين" تحمل ندوبَ المجزرة

11 ابريل 2022 - 13:33
أحد بيوت قرية دير ياسين وقد تم تحويله لمؤسسة إسرائيلية
أحد بيوت قرية دير ياسين وقد تم تحويله لمؤسسة إسرائيلية

القدس:

"اسمها الآن جفعات شاؤول، بقايا منازلها تحوّلت إلى مستشفى للأمراض العقلية. كلُّها تغيرت، الشوارع والمباني وحتى الأسواق، يسكنها مستوطنون متدينون". هكذا وصف المرشد السياحي المقدسي خضر نجم حال قرية دير ياسين بعد (74 عامًا) على المجزرة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في التاسع من نيسان/ إبريل لعام 1948م، بقيادة مناحيم بيجين، الذي أهلته جرائمه لتولي منصب رئيس وزراء الاحتلال فيما بعد.

منظمتا "شتيرن" و"أرجون" الصهيونيتان، نفذتا آنذاك مجزرةً بحق المدنيين في القرية الواقعة غرب مدينة القدس، راح ضحيتها ما بين 250 و360 إنسانًا قُتلوا بدم بارد، بعد حصارٍ كاملٍ للقرية التي كان أهلها منشغلون بدفن قائد معركة القسطل عبد القادر الحسيني، ورفاقه الذين استشهدوا قبل يومٍ واحد.

يضيف المرشد نجم لـ"نوى": "منطقة شمال غرب القرية أي جنوب قالونيا تحولت إلى مقبرة، لا يسكنها أي فلسطيني، كل شيء تغيّر، بالكاد نجد زيتونة، أو تينة، أو صبرة، كدليل على عروبة القرية، شوارعها أصبحت بالأسماء الدينية اليهودية".

عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى تسمية أحياء القرية بأسماء شخصيات قادوا المذابح ضد الفلسطينيين هناك، فالقرية سكنها الاحتلال بعد النكبة مباشرةً، وليس كما هو متداول أنها بقيت فارغة حتى الثمانينات.

يوجد في القرية حاليًا أكبر مصنعٍ للخبز وهو موجود منذ الخمسينات، كما تم تحويل البيوت لمستشفى في الستينيات، لكن باقي البيوت سُكِنت لاحقًا وفقًا لنجم، الذي تابع بانفعال: "هناك معالم على طريق الواد ما زالت موجودة تشير إلى معركة القسطل، يوجد سيارات بريطانية استُخدمت في المعركة، أعطاها البريطانيون لليهود".

القرية ريفية، وهي الآن مستوطنة يسكنها يهود متدينون متشددون جاهلون، وفي أحراشها أحرق مستوطنون الطفل الشهيد محمد أبو خضير عام 2014م.

تقع دير ياسين على طريق الواد، وهي قرى غرب القدس، وعلى شارع مهمٍ جدًا هو شارع يافا، الذي يمتد من الرملة إلى اللطرون، ويمر عبر القسطل، ويصل باب الخليل بيافا.

وقعت المعارك في القرية قبل أسبوعٍ من المذبحة، فقد كان المقاتلون غير مدربين، ويعانون قلة الذخيرة والسلاح، كما أن عملية الاغتيال لعددٍ كبيرٍ من القادة -بينهم الحسيني- سهّلت على العصابات الصهيونية دخول القرية وارتكاب المجزرة.

رغم عمليات التهويد الشاملة التي استهدفت القرية، إلا أن القليل من المعالم بقيت لتذكِّرَ بفلسطينيتها، "بيت المختار وسط القرية، وبعض البيوت الأصلية بقيت حتى الآن" يقول، مضيفًا: "ورغم قلة من بقوا من شهود المجزرة، إلا أن وسائل الإعلام تحاول دومًا توثيق ذاكرتهم الشفوية".

        الناجية مريم عقل فقدت ستة من أفراد أسرتها و 46 فردًا من عائلة عقل

أحدثُ توثيقٍ أجرته قناة "قصة لاجىء" العام الماضي في ذكرى المجزرة، كان مع الناجية مريم عقل. السيدة الثمانينية كانت تبلغ وقت وقوع المجزرة (12 عامًا)، واستشهد حينها والداها وشقيقها الذي كان حارسًا للقرية مع الثوار، إضافة إلى عمها وجدها، "أما عائلة عقل كلها، فقد استشهد منهم 46 فردًا" تقول.

تروي السيدة التي تسكن حاليًا مدينة القدس تفاصيل ما جرى في تلك الليلة، إذ كان شقيقها محمود يعمل حارسًا مع الثوار، وبمجرد أن لمح مجموعات من العصابات تتسلسل إلى القرية، أطلق صفارته لتنبيه الثوار، وحدثت الاشتباكات.

بغصة تخبر السيدة -القناة التي وثقت شهادتها- بأن والدها كان يعمل تاجرًا في مدينة القدس، وشقيقها الأكبر كذلك، وأن بيتهم كان من ثلاثة طوابق وما زال موجودًا حتى الآن.

تزيد: "قبل المجزرة حاصَرَت العصابات الصهيونية القرية، واضطر والدي للمشي في طرقٍ جبلية للوصول إلى دكان الأقمشة الذي يملكه في القدس. عمتي كانت تسكن القدس، وعرضت عليه المبيت عندها، لكنه عاد ليلة استشهاد الحسيني خوفًا علينا".

في ليلة المجزرة -وفق عقل- هاجمت العصابات بيوت المواطنين، وكانت تفتح الرصاص عليهم وتمزق بطون الحوامل، ارتكبت قوات الاحتلال داخل البيوت مجازرَ لا يمكن تصوّرها؛ لدرجة أنهم أمسكوا برجُلٍ من الخليل كان يعمل فرّانًا في القرية، وألقوه في الفرن وقتلوه حرقًا.

أم مريم خافت عليها وعلى إخوتها فحملتها وألقت بها من النافذة مع اثنين من إخوتها وطلبت منهم الفرار إلى بيت عمتهم في القدس، أما هي فظلّت إلى جوار زوجها وابنها.

تكمل مريم: "مشينا ليوم كامل سيرًا على الأقدام. وصلنا أولًا إلى منطقة عين كارم، ثم انتقلنا إلى باب الخليل بالقدس"، مردفةً بعاميةٍ بسيطة: "هناك بدأت الناس تتعرف على بعضها، لكن إحنا ما لقينا حد".

بعد فترة قصيرة وصل شقيق مريم وزوجته الحامل بعد أن تمكنا من الفرار، فلما رأتهم مريم هرعت تسأل عن شقيقها ووالديها ليخبرها وسط دوامةٍ من البكاء أنهم "استشهدوا".

لا يمكن للسيدة أن تنسى كيف أكل الحر أقدامهم أثناء الفرار، وكيف أنهكهم الجوع والعطش، وكيف كان يجري الناس جموعًا هربًا من الموت المفجع. كانت ظروف اللجوء الأول قاسيةً للغاية، والأقسى أن السيدة التي ما زالت تحلم بالعودة للقرية التي لم يكتب لها رؤيتها منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا.

ويروي الباحث الفلسطيني عدنان أبو عامر في مقاله المنشور في موقع الجزيرة الوثائقية، أن 150 عنصرًا من عناصر عصابة "الأرغون" شاركوا في المجزرة، إذ اقتحموا القرية من أربعة محاور، وباغتوا أهلها النائمين، وأعدموا الناس رميًا بالرصاص بعد أن أوقفوهم على الجدران مرفوعي الأيدي، "بما فيهم الأطفال والشيوخ".

وقدم أبو عامر روايات مفرَّغة لجرائم قتلٍ تمّت في القرية تلك الليلة، مثل بقر بطن امرأةٍ حامل بشكل صليب، وإخراج الجنين وذبحه، مشيرًا إلى ارتكاب الاحتلال في ذلك العام 80 مجزرة أخرى.

القرية الآن مهوّدة بالكامل، بدءًا من اسمها الذي تغير لـ "جفعات شاؤول"، إلى كل التفاصيل الأخرى كما تروي الناشطة المقدسية فاطمة خضر لـ"نوى".

"آخر مرة شاهدت فيها القرية قبل ثلاثة سنوات" تقول خضر، وتكمل: "هي ليست بعيدة عن منطقة سكني في مخيم شعفاط بمدينة القدس، فقط مسافة ربع ساعة، ولكن بسبب تعقيدات الاحتلال فإن إمكانية رؤية القرية ليست متاحة دائمًا".

أوضح ما شاهدته السيدة خضر هناك "مستشفى الأمراض العقلية، وبعض المؤسسات، وبقايا بيوت تم ترميمها يسكنها مستوطنون"، لكن كما تصف فإن "شكل البيوت يوحي بأن أهالي القرية كانت أوضاعهم الاقتصادية ممتازة".

ويوجد في القرية مستوطَنة فيها محلات تجارية لليهود، أما المباني فعملوا على تغييرها وتهويد أسماء الشوارع، "ولكن هناك أشجار متفرقة، قليلة جدًا تدل على عروبة المكان كبعض نبات الصبر، بالإضافة لسور القرية، أما سكانها الأصليين فهم الآن لاجئين ما بين رام الله والقدس".

وتكمل خضر: "جدتي قالت لي إن دير ياسين ليست المجزرة الوحيدة ولا حتى كفر قاسم، هناك الكثير من المجازر، ولكن تم تسليط الضوء أكثر على دير ياسين من أجل تخويف الناس".

وتابعت: "هناك مؤسسات يهودية كانت تتواجد إبّان المذبحة، وهذه المؤسسات هي من عملت على ترهيب الناس وتخويفهم، بل وجلبت أعدادًا من الشاحنات من أجل نقل الناس خارج القرية بغرض إفراغها من سكانها".

وتابعت خضر -اللاجئة من قرية دير أم نعيم- وتعيش حاليًا في مخيم شعفاط بالقدس: "يعمد الاحتلال إلى تغيير كل الأسماء وتهويدها، قرية دير أم نعيم حاليًا اسمها مستوطنة (مودعين) بالعبرية، وجدتي أخبرتني أننا في البلاد كنا نسكن منطقةً اسمها حارة الشرف، لكنني أعرف أن الكثير من معالم قريتنا ما زالت موجودة، حتى أن بعض أبناء القرية تعرفوا على بيوتهم عندما زاروها بعد وقتٍ طويل".

جانب من مشاهد المجزرة

صور حديثة لقرية دير ياسين 

كاريكاتـــــير