شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 28 مارس 2024م22:02 بتوقيت القدس

"المسحّراتي" الدبّاس.. رائحة الشام في غزّة

04 ابريل 2022 - 13:00

إنها الثانية بعد منتصف الليل. أمام المرآة يُنهي المسحّراتي "سوريُّ اللهجة" نزار الدبّاس استعداده لجولة "المناداة" الليلة بتعديل طربوشه الأحمر. يحمل طبله وعصاه، ويغادر بيته وقد بدأ ينادي في الناس "أن قوموا للسحور، يرحمني ويرحمكم الله".

في شارع منزله، يصدح بصوته الشجيّ "إصحى يا نايم، وحّد الدايم، سبّح بحمد الله، العمر مو دايم"، ويطرق وجه الطبلة بعد كل مقطع ثلاث طرقات.

هو يقول "إن ذلك يضفي البهجة على قلبه، وفي شوارع المدينة التي عانت ما عانته من ويلات الفقد تحت أزيز الطائرات وحمم الحرب".

من سوريا إلى غزة.. عاد اللاجئ الفلسطيني "الدباس" صاحب الصوت الشجي، يوقظ الناس للسحور، وهو الذي اعتاد ذلك منذ عشرين عامًا عندما كان "مسحّراتي" مخيم اليرموك في سوريا، قبل أن يرجع إلى غزة في أوائل التسعينات.

يرتدي الرجل زيّ "المسحّراتية" السوري الشهير، الدشداشة، والكوفية على الأكتاف، وطربوش الباشاوات، ثم يهمّ به إلى الشوارع ليُتمّ المهمة التي يؤكد أنه يطلب من ورائها "أجر الله لا أجر العبد" وفق قوله.

يقول: "أمشي قرابة الساعة والنصف، وأستمتع بكل دقيقةٍ أدقُّ فيها على الطبلة، وأترنم بالابتهالات والأناشيد الدينية التي ألِفها أهل هذه المدينة بصوتي منذ عدة أعوام". يصمت قليلًا ويبتسم ثم يضيف: "شكل المنازل عندما تضاء ويحييني أصحابها بعد إيقاظهم، يجعلني مبتهجًا وكأنني التقطتُ نجمةً من السماء".

وتبعًا لما أخبرنا به نزار، فقد تأثر منذ صغره بعمل "المسحّراتي"، إذ كان يهرول نحو النافذة كل ليلة يترقب قدومه قبل السحور في سوريا، وقد تحققت "أمنيته" بأن أصبح مكانه اليوم "وكله خير" حتى لو اختلفت الأماكن.

يتجول الرجل برائحة الشام –هكذا يصف نفسه- فلا يزالون يقولون إن السوري أتى، حتى بعد عودته لغزة قبل أكثر من عقدين. "إنهم يشعرون بدفء صوتي، ويدعونني من مناطق أخرى لأوقظهم أيضًا" يعقب.

وطقوس فترة السحور في قطاع غزة -حسب رأي الدباس- مبهجة، يصحو الأطفال فينزلون إلى الشوارع، ويرافقون المسحراتي قائلين: "بدنا نسحِّر معك"، يُنشدون بعض أناشيد المديح النبوي، ويغنّون للشهر الفضيل بصوتٍ واحد. "فهذا رمضان، وهذه الألفة التي تكاد لا تتكرر بانقضائه".

يتابع الدباس: "في كل يوم من أيام شهر رمضان، وعندما أخرج لتنبيه الناس بقرب موعد أذان الفجر في هذه المدينة الجميلة، أتأمل ملامحها جيدًا، إنها قريبة جدًا من ناحية الشكل وأسلوب البناء من معالم التراث السوري العريق".

والمشهور عن المسحراتي هو حمله للطبل أو المزمار، والعزف عليهما بهدف إيقاظ الناس قبل صلاة الفجر، وعادةً ما يكون النداء مصحوبًا ببعض التهليلات أو الأناشيد الدينية. يقول الرجل إن أقربها إلى قلبه: "قوموا لسحوركم، إجا رمضان يزوركم.. رمضان كريم".

كاريكاتـــــير