شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م16:45 بتوقيت القدس

أسير مُحرّر يشرح الـ"تكتيك"..

"انتفاضة السجون".. هكذا يدير "أعزل" معركة وينتصر!

07 مارس 2022 - 22:46

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

سجون الاحتلال تغلي. حراكٌ تقوده الحركة الفلسطينية الأسيرة منذ بضعة أسابيع أشعل فتيل الغضب احتجاجًا على سياساتٍ عدائية تمارسها ما يسمى بإدارة "مصلحة السجون" ضد الأسرى، ازدادت حدةً عقب عملية الفرار الكبير من سجن "جلبوع" في أيلول/ سبتمبر الماضي.

زهاء خمسة آلاف أسير فلسطيني، بينهم 34 أسيرة، يشاركون في الحراك الذي وصفته منظمات فلسطينية بـ "الانتفاضة"، ولكل منهم مطالبه التي هي في الأصل "حقوقٌ أساسية". منهم المضرب عن الطعام احتجاجًا على سوء الأوضاع المعيشية داخل الزنازين، لا سيما ما يتعلق بالنقل التعسّفي، وتقليص مدة الفورة (الفسحة اليومية)، ومنهم من يخوضه رفضًا للعزل الانفرادي، والمئات منهم اليوم، يقاطعون وللشهر الثالث على التوالي المحاكم المنعقدة رفضًا لسياسة الاعتقال الإداري.

قرر الأسرى تشكيل "لجنة الطوارئ الوطنية لإدارة الأزمة"، وحل "الهيئات التنظيمية"، التي تعد "حلقة التواصل" بين الأسرى و"إدارة مصلحة السجون"، لكن ماذا يمتلك هذا الأسير الأعزل من وسائل وأدوات ضغط، تجبر الاحتلال على الخنوع والتراجع؟ وما هي الوسائل النضالية المتاحة للأسرى في انتفاضتهم المشروعة؟ هذه الأسئلة وغيرها، يجيب عنها الباحث في شؤون الأسرى، والأسير المحرر د.رأفت حمدونة.

يقول حمدونة الذي خاض تجربة الأسر خمسة عشر عامًا لـ"نوى": "الحركة الوطنية الأسيرة ورغم قلة إمكانياتها المادية، إلا أنها راكمت عبر نضالات مستمرة، الكثير من التجارب والخبرات، ونجحت في تحقيق إنجازات كبير"، مقسمًا الوسائل النضالية إلى وسائل سلمية ووسائل عنيفة، "وكل منها تنقسم إلى نوعين، تكتيكية واستراتيجية".

ووفقًا لحمدونة، فإن لجنة الطوارئ الوطنية العليا هي المسؤولة عن اختيار وسيلة النضال الأكثر تأثيرًا وأقل تكلفةً، والرد على سياسات الاحتلال بالخطوات التكتيكية أو الاستراتيجية المناسبة، سواءً بالوسائل السلمية، أو العنيفة.

وفي دراسةٍ حديثة أعدّها، يوضح حمدونة أن الوسائل السلمية التكتيكية، تتضمن: "إعلان حالة التعبئة من خلال التعميمات والبيانات، كوسيلة لجلب الدعم والمساندة من الخارج، وللإرشاد والانضباط والتوجيه للأسرى داخل السجون"، بالإضافة إلى المراسلات والحوارات مع مصلحة السجون، لشرح خطورة الوضع قبل مرحلة التصعيد، ومحاولة ثنيها عن قراراتها العدائية.

خطوة حل الهيئات التنظيمية، تعني الانتقال من مرحلة الحوار والاستقرار، لمرحلة الفوضى، والتصرفات الفردية، التي تعطي الحق لأي أسير بأن يجتهد بطريقته

وخلال "الانتفاضة" الحالية -والحديث لحمدونة- لجأ الأسرى إلى وسيلة حل الهيئات التنظيمية، كخطوة تعني نهاية مرحلة الحوار والاستقرار، والدخول في مرحلة اللاحوار والفوضى، والتصرفات الفردية غير المسؤول عنها التنظيم، التي تعطي الحق لأي أسير بأن يجتهد بطريقته، ووسيلته للدفاع عن ذاته، وعن الأسرى.

وأوضح حمدونة أن حل التنظيم يعني التصعيد مع إدارة السجون، وبداية عصيان منظم، "وهي رسالة قوية لإدارة السجون مفادها: إذا تحللتم من التزاماتكم، فنحن كهيئات قيادية تحللنا من التزاماتنا، ولن تتمكنوا من إدارة الشأن اليومي في حياة الأسرى وهذه هي الآن قواعد اللعبة".

ويتبع ذلك، بحسب حمدونة، رفض التفتيش السلمي للغرف والأقسام، ورفض الخروج لساحة الفورة كما في حالة الأسير زكريا الزبيدي الذي يمتنع عن الخروح لساحة الفورة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع احتجاجًا على التنكيل به، "كما يواصل أسرى سجن نفحة رفضهم الخروج للفورة منذ نحو شهر، رفضًا لمرورهم عبر بوابات إلكترونية وضعتها إدارة السجن على بوابات الأقسام".

ومن بين الوسائل السلمية التكتيكية أيضًا "رفض مبدأ المقايضة، الذي تهدف مصلحة السجون من ورائه إلى زعزعة خطوات الأسرى النضالية، بالإضافة إلى إغلاق الأقسام، وإرجاع وجبات الطعام، ومقاطعة ممثلي إدارة السجون، ومقاطعة العيادة، ومقاطعة المحاكم".

أما الوسائل السلمية الاستراتيجية، فتتضمن (والحديث لحمدونة) الإضرابات المفتوحة عن الطعام، وهو أسلوب يصفه بـ"السلاح الاستراتيجي الفتاك" إذ أثبت فاعليته في مرات كثيرة، وتلجأ إليه الحركة الأسيرة بعد استنفاذ كافة الخطوات النضالية التكتيكية، قائلًا: "هناك أهداف ومسميات للإضرابات المفتوحة عن الطعام، ومنها: الإضرابات الاحتجاجية، والتضامنية، والمطلبية، والسياسية، ومنها الجماعية والفردية".

كما يشمل هذا النوع من الوسائل، الإضراب عن الخروج لمرافق العمل، ما يدفع مصلحة السجون إلى استجلاب مدنيين للقيام بمهمة توزيع الطعام واحتياجات الأسرى، "وهو الأمر الذى يشكل حالة ضغط على السجانين وادارة السجون، وهنالك خطر من تجنيدهم لصالح الأسرى بتهريب بعض الاحتياجات الممنوعة" يعقب.

ويتدرج الأسرى في استخدام الوسائل النضالية في معركتهم مع السجانين –يزيد حمدونة- "حتى أنهم إذا استدعى الأمر، يستخدمون الوسائل العنيفة، التي تنقسم كذلك إلى قسمين تكتيكية واستراتيجية".

تشمل الوسائل التكتيكية التكبير، والطرق على الأبواب، وهذه الخطوة تكون بناء على توافق فصائلي، وتتسبب في خلق الذعر في أوساط السجانين

ويفصّل حمدونة في شرح هذا النوع من الوسائل النضالية، بالقول: "تشمل الوسائل التكتيكية التكبير، والطرق على الأبواب، أو ما تعرف بـ "موجات الإزعاج والإرباك"، وهذه الخطوة تكون بناء على توافق فصائلي، وتتسبب في خلق الذعر في أوساط السجانين، وقد تصل لحد التمرد الذي يكلف السجانين حياتهم"، وضمن هذا النوع أيضًا، " رفض التفتيشات العارية، والاقتحامات الليلية، والاحتكاكات، والمشادات اللفظية".

أما الوسائل الاستراتيجية العنيفة، فيقول حمدونة: "إنها تشمل عمليات الطعن، ويتم اللجوء إلى استخدامها بشكل فردي، أو بتغطية، وبقرارٍ تنظيمي جماعي، يهدف لخلق معادلة رعب مع إدارة السجن، التي لن تسلم من الرد حال أي اعتداء على أي أسير".

وقد شهد حمدونة عمليتي طعن خلال سنوات اعتقاله، الأولى عام 1990م، عندما أقدم الأسير أحمد شكري، المحكوم بالسجن مدى الحياة على "تشفير شرطي"، وطعن ضابط القسم، احتجاجًا على سوء الأوضاع المعيشية، أما العملية الثانية فحدثت عام 2000م، بعد تفتيشٍ غير مقبول لزوجة أسير فى يوم الزيارات.

يردف: "يومها عمت حالة الغضب الجماعية، ونُشر تعميم داخلى بضرورة الرد، وحضر مدير السجن للأسرى واعتذر عما حدث وتعهد بعدم تكراره، الا أن الأسير هانى جابر من سكان الخليل لم يقف على العدد، ليتم إنزاله للمحاكمة فى غرفة المدير أو نائبه بوجود عدد من طاقم الإدارة، فذهب وقد تمكن من تخبئة سكينٍ قام بصنعها بنفسه من قطعة معدنية، وطعن المدير بالإضافة إلى ضابطٍ وشرطى ردًا على الحادثة".

وحسب حمدونة، فإن مثل هذه الحوادث تكررت عشرات المرات، ودفع الأسرى ثمنها الدماء، بالإضافة لسنوات طويلة من العزل،  والغرامات، والمنع من الزيارات، والتضحيات الجسام، "إلا أنها حافظت على الأسرى وكرامتهم، وخلقت حالة من الإرباك والقلق لدى إدارة مصلحة السجون، وعزّزت إرادة الأسرى وثقتهم بإمكانياتهم، وقدراتهم، وأسلحتهم النضالية، التى أوصلتهم لمعادلة توازن الرعب مع جلاديهم رغم قلة الامكانيات" يتابع.

إضافةً لعمليات الطعن، يلجأ الأسرى لسياسة الحرائق التي بدأ العمل بها أول مرة عام 1970م، عندما أحرقوا منجرة سجن بئر السبع تعبيرًا عن غضبهم

وإضافةً إلى عمليات الطعن، يلجأ الأسرى لسياسة الحرائق كوسيلة استراتيجية، بدأ العمل بها أول مرة عام 1970م، عندما أحرق الأسرى منجرة في سجن بئر السبع للتعبير عن غضبهم، وتكرر استخدامها مرات عدة، عبر إحراق محتويات الغرف والأقسام، كإعلانٍ لحالة التمرد والعصيان.

ولا يبدو أن الأسرى يؤمنون بالمثل الشعبي الذي يقول "الكف ما بيواجه مخرز"، ويقول حمدونة: "الأسرى لديهم من الخبرة والتجربة ما يؤهلهم للانتصار فى معركتهم الحالية، ذلك عبر استخدام المتاح لديهم من وسائل احتجاج سلمية وعنيفة منوعة لانتزاع حقوقهم"، مؤمنًا بأن سر نجاحهم في مواجهة السجان يكمن في تسلحهم بعدالة قضيتهم، والاحتراف في المواجهة من خلال مناقشة جماعية مستفيضة، واستخدام كل الوسائل والبدائل، والانتقال من مرحلة تكتيكية إلى أخرى استراتيجية، ومن وسيلة سلمية بسيطة إلى وسيلة عنيفة معقدة، وانتقاء الفرصة المواتية لبدء المعركة.

كاريكاتـــــير