شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م05:01 بتوقيت القدس

"يما هذي أرضنا" قالها لأمّه ومَضَى..

كرم القاضي.. هبّ لنصرة النقب فاختفت أخباره!

19 يناير 2022 - 14:37

النقب:

عبثًا تحاول السيدة أم كرم القاضي تهدئة صغارها الجاهشين بالبكاء خوفًا على شقيقهم كرم، الذي اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلية منذ أيامٍ عدة، أثناء مشاركته في فعاليات هبّة النقب، "ولا نعرف عنه شيئًا حتى الآن" تقول.

ملامح وجه السيدة الشاحب، وصوتها المتقطّع، كانا كافيين لتلخيص مشاعر عشرة أيامٍ لم ترَ خلالها النوم خشيةً من أن يصيب مكروهٌ ابنها البالغ من العمر (18 عامًا) أثناء التحقيق. عشرات الأسئلة تنهش قلبها وهي تحاول أن تجد إجابةً تبرّد ناره: في أي سجن هو؟ ما التهمة التي ألصقوها به؟ كيف ينام؟ وكيف يأكل؟ هل يشعر بالبرد؟ هل جلبوا له أغطية؟ أم أنهم تركوه يتعذّب؟

أما تفاصيل الحكاية فمركزها "قرية شقيب السلام" في الجنوب الشرقي لمدينة بئر السبع في النقب المحتل، التي تسكن فيها السيدة وعائلتها. في ذلك الثلاثاء الذي وافق تاريخه الحادي عشر من الشهر الجاري، هاجمت دوريات تتبع لشرطة الاحتلال عدة منازل لعائلة الأطرش في قرية "سعوة الأطرش" لهدمها، فخرج عدة شبان من شقيب السلام للدفاع عنها، "وخرج كرم معهم" تضيف.

ظروف أم كرم، التي تعيش مع أبنائها الثمانية بمفردها بعد منع الاحتلال لوالدهم من دخول النقب كونه من قطاع غزة، دفعتها لمحاولة منع ابنها (الوحيد من الذكور) من المشاركة بالهبة، بقولها: "يا ابني احنا ملناش غيرك"، لكنه رفض وأجابها: "هذه أرضنا يمّا، ولازم ندافع عنها".

في اليوم ذاته، وصل السيدة خبر اعتقال ابنها من بين أكثر من مئة معتقلٍ من شبان وشابات النقب الذين شاركوا في الهبّة، "لكن الوجع ازداد، عندما رفض الاحتلال الإدلاء بأي معلومات عنه" تردف، مستدركةً: "أنا حتى لا أعرف في أي سجن هو؟! ما عرفته من خلال المحامي أنه تم تحويل ملفه إلى جهاز الشاباك الإسرائيلي فقط".

تعيش أم كرم منذ سنوات مع أبنائها الثمانية وحدها، فقد تزوجت عام 1998م من رجلٍ يسكن مدينة رفح في قطاع غزة، وحاولت جاهدةً الحصول على تصريحٍ له للإقامة معها في النقب. أنجبت منه أبناءها الثمانية، قبل أن يرحّله الاحتلال إلى القطاع، ويمنعه نهائيًا من دخول النقب، لتصبح "المعيلة الوحيدة" لهم وسط الظروف الصعبة التي يعيشها فلسطينيو النقب بالعموم، بسبب إجراءات الاحتلال العنصرية معهم.

وكما غيرها من أهالي النقب المحتل البالغ عددهم 300 ألفًا من البدو، تعاني السيدة من سياسة الإهمال التي تفرضها سلطات الاحتلال، ابتداءً من الخدمات الحياتية من كهرباءٍ وماء، وليس انتهاءً بتقديم الرعاية الصحية "التي تقدم ضمن أضيق الحدود". تعلق بأسف: "نسبة الفقر عندنا مرتفعة جدًا (..) يوجد عيادات ولكن من لديه المال فقط يستطيع الحصول على الأدوية والعلاج، أما من لا يملكه فلا حول ولا قوة.. نحن هنا منسيّون ومهمّشون".

تسكن أم كرم مع أبنائها في بيتٍ بسيطٍ مكوّنٍ من ثلاثة غرف مغطّاة بالزينكو، وتعمل في حضانة أطفال بالكاد يكفي ما تحصله منها نفقات البيت البسيطة. تقول: "لا أمل عندي في إصلاح البيت المتهالك، أو تحسين وضعنا المعيشي (..) نحن نغرق في كل شتاء بسبب المطر".

أما "كرم" فكان يعمل في كثير من الأحيان باليومية، وبدخلٍ محدود بغرض مساعدة أمه في تأمين حياةٍ أفضل لأشقائه الذين باتوا يعدّونه أبًا لهم، رغم صغر سنّه.

سلطات الاحتلال الإسرائيلية، وبالإضافة إلى ما ترتكبه من انتهاكات بحق أهالي النقب، تتعمد إقامة مصانع المواد الكيماوية قرب بيوتهم، في تجاهلٍ واضح لما قد تسببه مخلفاتها من أذىً للسكان. تزيد: "كثيرًا ما نشتمّ روائح سيّئة تنبعث من هذه المصانع، وهي بالتأكيد تضرّ بصحتنا (..) نحن لا نعلم ماذا يفعلون فيها؟ ولا ماذا يجربون؟".

كثيرًا ما تحدث اشتباكات بين شرطة الاحتلال الإسرائيلي والمواطنين الفلسطينيين في النقب، وفي كل مرة يتم تنفيذ حملات اعتقالات مختلفة، وهو الأمر الذي يجعل النساء ومنهم "أم كرم" في حالة قلق دائم على أبنائهن. تزيد: "هذه الاشتباكات المستمرة تؤثر على نفسياتنا بشكلٍ كبير، فلا نرتاح ولا نشعر بالأمان على أبنائنا أبدًا".

"هنا في النقب، علينا البحث عن عملٍ مهما كان شاقًا، فمن لا يعمل لن يجد ما يعتاش عليه" وفقًا للمرأة الأربعينية، "بل إن العمل يأخذ معظم نهارنا، وبالكاد نجد وقتًا بسيطًا لمتابعة دراسة أبنائنا".

وسط هذا الواقع المعيشي القاسي نشأ كرم يعاني من سياسة التمييز الإسرائيلية وحالة الفقر المفروضة على عائلته وسكان النقب عمومًا، وفوق كل هذا حرمانهم من والدهم الذي تزوج لاحقًا، "وهذا ما جعل الفتى يكبر قبل أوانه، ويستشعر المسؤولية صوب إخوته رغم صغر سنه".

تقول الأم التي تحاول ابتلاع صدمتها: "في غياب زوجي، زوّجتُ ابنتين من بناتي، وهنّ أكبر من كرم، رغم ذلك يشعر أنه المسؤول عنهما وعن كافة أخواته، كان طموحه دومًا أن يتمكن من افتتاح مشروعٍ خاصٍ به، يوفر له دخلًا يساعدني ويرفع عن كاهلي بعض العبء، لكن لا نعلم الآن ماذا ينتظرنا في ظل هذه الظروف الصعبة".

كل ما يشغل بال وقلب الأم الآن هو الاطمئنان على "كرم"، عادت السيدة لإجراء العديد من الاتصالات مع محامين لعلّهم يساعدونها في الحصول على أية معلومة تطمئن قلبها، لكنها حتى الآن لم تصل لشيء.

جانب من المواجهات 

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير