شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 29 مارس 2024م17:14 بتوقيت القدس

مؤتمر "الإعلاميات يتحدثن 6"..

شهاداتٌ حية.. صحفيات ومشاهد من قلب "المواجهة"

29 نوفمبر 2021 - 16:30

شبكة نوى، فلسطينيات: "لم أكن أتخيل أن الصحفيات أيضًا يعانين" همست في أذني ناشطة نسوية كان مقعدها يجاور مقعدي خلال مؤتمر "الإعلاميات يتحدثن 6"، الذي عقدته مؤسسة "فلسطينيات" أول أمس السبت تحت عنوان "الإعلاميات الفلسطينيات في المواجهة"، بالشراكة مع مؤسسة CCFD الفرنسية.

بدا الأمر غريبًا بالنسبة لي. رفعتُ حاجبيَّ وابتسمت مستهجنة، وقلتُ لنفسي حينها: "الحق معها. كيف يمكن أن يشعر بمعاناتنا من لم يمارس مهنتنا –لاسيما خلال تغطية اعتداءات "إسرائيل"- ونحن اللواتي نصدّر دومًا صورنا القوية كصاحبات رسالة؟

"هذه حقيقةٌ.. نعم، فالناس لهم الظاهر، لا يخطر ببالهم وهم ينصتون أو يقرأون أو يشاهدون رسالتنا الإعلامية، أن الصحفية في النهاية زوجة، وابنة، وأم.

أخذني الحديث معها فيما بعد إلى زوايا عديدة. أمواجٌ عاتيةٌ من الذكريات حملتني إلى حيث كنت أحمل أوراقي وأقلامي إلى بيوت أهالي الشهداء تحت نيران القصف لأنقل الحكاية.

وجدتني أقول لها: "عنوان المؤتمر هذا لم نختره جزافًا.. نحن في مواجهة حقيقية، بل نحن نعوم في دوامة صراعات، داخل ذواتنا، وأيضًا خارجها، مع المجتمع حينًا، ومع النظام الحاكم أحيانًا، ومع المحتل دومًا. صراعاتٌ وتجارب كثيرة نمر بها وتمر بنا، نمضي عنها وتمضي عنا، إلا تجربة تغطية العدوان هذه التي كلما تذكرناها ضعنا في غياب لحظاتٍ لطالما ظننا أنها الأخيرة في حياتنا".

استمر الحديث حتى بدأت شهادات الصحفيات تتوالى خلال جلستَي المؤتمر. صحفياتٌ قدِمن ليتحدثوا عن معاناتهن من شمال الوطن إلى جنوبه، كان بعضها مبكيًا، وبعضها الآخر يبث النور، وبعضها يدعو إلى الفخر بصحفيات.. زوجات، وأمهات، كُن السند وكلمة الحق في وجه الظلم والاستبداد.

بابتسامةٍ واثقة، وترديدٍ مستمر لعبارة "غزة قادرة على أن تنهض مهما اشتدت بها الخطوب"، بدأت الصحفية أمل حبيب حديثها، بعد أن عرفت نفسها بـ "الصحفية الأم" حيث لا انفصال بين الاثنتين: "بكيتُ مع أسر الشهداء، وأنا أتنقل بين ركام المنازل، واستمع لرواياتهم، كيف لا؟ وأنا أم لطفلة تحمل ذات الاسم التي كانت تحمله الشهيدة مريم التلباني، تلك الطفلة التي كانت تجهز نفسها للعيد. كانت تحب الحياة كما أخبرني أهلها، فأخذتني إلى حيث طفلتي في البيت "مريم"، التي كانت تقول لي مع كل رجفة لبيتنا تحت الصواريخ المنهمرة "ماما، بديش أموت".

ختمت أمل شهادتها المختصرة بجملة قالتها لها طفلتها الكبيرة أثناء النزوح في إحدى المرات: "ماما إذا عشنا، إحنا بنكون نادرين، ونحن فعلًا نادرين".

أما المصورة الصحافية مريم أبو دقة، التي كانت تغطي العدوان من شمال قطاع غزة إلى جنوبه لمؤسسة عربيةٍ تراسلها، فقالت: "غزة اشتعلت كما النار، بيوتها وأبراجها ومؤسساتها كلها تعرضت للقصف الإسرائيلي الهمجي دون أي استثناء".

إحدى الإشكاليات التي واجهت مريم -عدم امتلاكها معدات السلامة- التي يمنع الاحتلال إدخالها، "فأنا أخرج للتغطية، لكن لا أعلم إن كنت سأعود على قيد الحياة، حتى أنني كنت أحاول أن أبرز الكاميرا طوال الوقت رغم أنني أثق بأن الاحتلال لا يستثني الصحفيين من الاستهداف" تضيف.

وتردف: "انتهى العدوان ميدانيًا، وما زالت آثاره تحاصر نفوسنا وقلوبنا (..) بعد أن انتهت الحرب، بقيت رائحة الدماء والشهداء تلاحقني في كل مكان".

وإلى الداخل الفلسطيني المحتل، حيث شهادةٌ أخرى للصحافية إيمان الجبور من مدينة الناصرة، حول ما تعرضت له الصحافيات خلال هبة آيار 2021م إذ قالت: "تعرّضتُ برفقة الصحافيين والصحافيات للقمع من قبل جيش الاحتلال، لكن الاعتداءات الأكثر خطورة، كانت تلك التي تعرضنا لها من قبل المستوطنين الذين اعتدوا علينا بالأسلحة والهراوات، تحت حماية شرطة الاحتلال في مدينة اللد بالداخل بالمحتل".

وقدمت الصحافية هند الشريدة شهادتها حول ما تعرضت له من اعتداءات عقب اغتيال الناشط والمعارض السياسي نزار بنات فقالت: "تعرضت للضرب من قبل الأجهزة الأمنية الفلسطينية أثناء مشاركتي في التظاهر احتجاجًا على اعتقال الأمن لزوجي الذي كان مشاركًا في الاحتجاجات على قتل الناشط بنات".

وأضافت الشريدة: "تعرضتُ للضرب والسحل، واقتادوني إلى مركز الشرطة، وهناك وجدت عدة نساء تعرضن للصفع، والشتم بألفاظ جنسية، وشعرت في هذا التحدّي بأنني وحيدة في ظل غياب تام لوزارة شؤون المرأة، ومحافظة رام الله والبيرة".

تروى هند كيف أنها بعد خروجها من الحجز، توجهت للعمل في اليوم التالي مباشرة، وكذلك  اليوم الذي يليه، في وقتٍ لم تكن فيه قد استوعبت بعد ما حدث لها، "لكنني لاحقًا أدركتُ ما تعرضت له من اعتداءات وانتهاكات بحقي، حتى أن رواسب التأثير النفسي ما زالت تلاحقني حتى اليوم".

ومن القدس قدمت الصحفية الشابة  نسرين سالم شهادتها حول اعتقالها أثناء تغطيتها هبة أيار، فقالت:
"معاناة الصحفية تنقسم إلى شقين، نحن نعاني عنفًا مجتمعيًا كوننا نساء أولًا، ثم نعاني معاناة العمل كوننا صحفيات".

لا تنسى نسرين ليلة 28 أيار/ مايو، التي تصفها بـ "الفارقة" في حياتها، إذ تم الاعتداء عليها آنذاك من قبل جنود الاحتلال قبل اعتقالها. تضيف: "ضربوني، وسحلوني خمس درجات من باب العمود للجيب العسكري، حتى أن الجندي الاسرائيلي قال لي: إنتي مش شايفة حالك؟ شوفي كيف لونك؟ إنتي بالنسبة إلنا عبدة".

علقت سالم على قوله: "صحيح أنه حاول أن يتنمر علي بسبب لون البشرةـ، لكن فعليًا نحن بالنسبة للاحتلال لسنا سوى أرقام أسرى أو شهداء".

انتهت الشهادات التي روتها بعض الصحفيات، وهذا ليس إلا غيض من فيض الألم. كلهن ختمن شهاداتهن بأمنيات تقول: "لعل القادم أفضل"، بتوفير بيئة عمل آمنة للصحفيات بما يضمن سلامتهن وسلامهن الجسدي والنفسي.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير