شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم السبت 20 ابريل 2024م05:47 بتوقيت القدس

"رياضة" ضدّ "كورونا"..

"هرمون السعادة" ينشَطُ في شارع "الكورنيش"!

10 مايو 2020 - 12:18

شبكة نوى، غزّة:

"كل غزة في شارع البحر" عبارةٌ كان يقولها أحدهم لصديقه في الوضع الطبيعي، إذا أراد أن يصف له حالة الازدحام الشديدة ناحية شارع "كورنيش غزة".

ذلك الشارع بتفاصيله القريبة إلى القلب، لم يمل من استقبال آلاف الوجوه، التي كانت ترى فيه ملاذًا من قهر الحصار يوميًا، ولم يتعب تحت سطوة أحذية زوّار الصبح من الرياضيين الذين كانوا يجدون في متسعه وهدوءه فرصةً لممارسة هواياتهم بعيدًا عن عيون "الممتعظين"، هكذا حتى باغته "كورونا"!

منذ إعلان حالة الطوارئ مطلع آذار/ مارس الجاري، والتزام معظم المواطنين في قطاع غزة بإجراءات الحجر المنزلي، خبا ضجيج الكورنيش. لم تعد ضربات قلوب المنهكين جريًا تُسمع هناك، وغدا البحرُ وحيدًا مع أسرار زوّاره.

قد يكون الحجر القسري الذي فرضته جائحة "كورونا" على العالم صعبًا، إلا أنه أصعب -في الحقيقة- على حوالي مليوني إنسان، يعيشون داخل قطاع غزّة في معزلٍ عن العالم منذ ١٤ عامًا، بفعل الحصار الإسرائيلي الخانق. إذن: لقد قرر بعضهم "التمرد".. التمرد على "كورونا" حرفيًا.

تقول علا الوادية: "نزلتُ البحر أخيرًا، مشيتُ طويلًا، تنفسّت بعمق، وجددتُ طاقتي لاستيعاب الوضع العالمي الجديد".

التزَمَت علا التي كانت تزور "كورنيش غزة" بشكلٍ يوميٍ تقريبًا، برفقة أسرتها بالحجر المنزلي بداية الأمر، إلا أنهم سرعان ما ملوا واكتأبوا، وقرروا خوض المغامرة، واستعادة روتين حياتهم التي كانوا يعيشونها ما قبل "كورونا" بالتدريج، "لا سيما في ظل الوضع المُطمئِن داخل قطاع غزة الخالية من الإصابات على المستوى الداخلي حتى الآن" تضيف.

علا وخطيبها أحمد، عادا ليمارسا رياضة المشي بشكلٍ يوميٍ هناك، وإلى جانبهما عادت تتدفق مئات الأرجل التي تحمل أجسادًا من القصص التي تروي سيرة غزّة وحصارها والعدوان عليها، وعلى النقيض ترسم تأملات شبان وشاباتٍ تجاوزا الثلاثين عامًا دون أن يغادروها على متن طائرةٍ أو سيارة، أو حتى دراجة في يومٍ ما.

تصف الشابة الوادية حالها كلما التقت بأسراب الرياضيين يسابقون الحصار على شارع الكورنيش، بالقول: "أشعر بأن هرمون السعادة لدي وصل مستوى المليون، راحة نفسية تنغرس في داخلي بخطوات الناس وضحكاتهم للبحر الذي يستقبلهم في أي وقت، ويفتقدهم حين يغيبون".

نيللي المصري، الصحافية الرياضية التي كانت تطير كالفراشة بين الملاعب لمتابعة المباريات من جهة، وللكتابة عنها من جهةٍ أخرى، كيف أقلمت نفسها مع إغلاق الملاعب بسبب كورونا؟ "لم يكن أمامي سوى هذا المكان الذي يتسعُ لأحلامنا وواقعنا وفضفضاتنا، هذا البحر صديقنا الوفي في وقت الحزن وفي وقت الفرح، صديقي وصديق كلّ الفصول" تُجيب.

أسبوعان فقط، أجبرَت الشابة نفسها خلالهما على المكوث في المنزل، تُعِدُّ التقارير عبر الهاتف ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي أيضًا، إلا أن الفكرة لم ترُق لها! 

تضيف: "تابعتُ بعض المبادرات الرياضية التي أطلقها الرياضيون بهدف تشجيع الجميع على ممارسة الرياضة لتقوية المناعة، ذلك ضمن إجراءات الحماية من كورونا، ومن هنا قرّرَت الخروج لتغطية هذه المبادرات"، ولم تكتفِ بذلك: اختارت بحر الكورنيش لتسير على مدى شارع الطويل يوميًا، تحدثه بما فعلت "كورونا" بغزة.

تلفت نيللي إلى أن "خلو قطاع غزة من الإصابات على المستوى الشعبي"، هو الذي جعلها تقرر استعادة روتين حياتها –حيث الشغف الذي لا ينقطع ما بين عشق الرياضة، وعشق البحر في آنٍ معًا.

ما لفت انتباه نيللي، مجموعة من الأخوات الرياضيات، كُنَّ يخضن تدريبات خفيفة عند الكورنيش برفقة والدهن، حفاظًا على لياقتهن، تردف: "تواصلت معهن في البداية لإعداد تقرير صحفي، ثمّ كوّنت معهن علاقة صداقة، واتفقنا جميعًا على الخروج للمشي بشكل جماعي يوميًا".

التفاحة التي أسقطها "كورونا" على رأس نيللي، كانت سببًا في تغييرٍ كبيرٍ أصاب حياتها، حين تعلّمت خلال الجائحة ركوب الدراجة الهوائية على أيدي لاعبات الدرجات الهوائية على كورنيش غزّة، تعلق: "كان الأمر ممتعًا للغاية، وأبسط ما يكون أمام تعقيدات المجتمع".

ولا تخفي نيللي ذهولها من الكم الكبير للسيدات والفتيات وأيضًا الرجال من مختلف الأعمار، الذين يخرجون جميعًا لممارسة الرياضة منذ ساعات الصباح الأولى في نفس المكان.

كريم أبو هاشم، رجل سبعيني، يصطحب هو الآخر زوجته آمنة في كل صباحٍ أو مساء، فيتجولان في شارع الكورنيش، وعند أي تعليقٍ يردهما من المحيطين بهما حول كثرة زيارتهم للمكان –رغم الجائحة- يكون رد الرجل بسّامًا جاهزًا: "إحنا شو إلنا غير الكورنيش وغير البحر؟ هو اللي مصبّرنا على هالعيشة".

"كوباية شاي، وكوز ذرة، وحبة فستق، ونَفَس بحرك يا غزة"، يصف الرجل جلسة الكورنيش، التي تُعد سببًا في تكوين زوجته لعلاقاتٍ جديدة مستمرة، في كل مرة يخرجون فيها سويًا إلى البحر.

"منذ سنوات على نفس المنوال"، يقول أبو هاشم، الذي وعند الإعلان عن إصابات "كورونا"، وبدء الإجراءات الاحترازية التي فرضتها الجائحة، خاف قليلًا في البداية، حتى قرر أن يستمع إلى نصيحة أولاده التي تقول: "الرياضة تقي من كورونا"، يعلق ضاحكًا: "عقلتُ وتوكلت وتابعت نشاطي اليومي أنا والحجّة".

كاريكاتـــــير