شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 ابريل 2024م04:06 بتوقيت القدس

عن جريمة تلفزيون فلسطين بحق ذوي الإعاقة..

"مقلب عالماشي".. و"اعتذار عالماشي"!

07 مايو 2020 - 22:38

غزة/ شبكة نوى- فلسطينيات:

فقدت دلال التاجي نعمة البصر منذ الولادة، لكنها لم تفقد البصيرة، وأكملت مشوارها التعليمي حتى أصبحت محاضرة في كلية التأهيل التابعة لجمعية الهلال الأحمر بغزة، كل هذا من أجل أن تتخطى حاجز الصورة النمطية التي رسمها المجتمع للأشخاص ذوي الإعاقة، لكنها لم تتخيل أبدًا أن تصل الجرأة ببعض مقدمي المحتوى الإعلامي "الذي يفترض أن يوجه المتلقين نحو سبل دمجهم" إلى إنتاج حلقة "كاميرا خفية" تستهتر بقدراتهم، وتجعلهم عرضةً للسخرية وترسخ تجاههم قيم النبذ والتهميش.

وكان تلفزيون فلسطين، بثَّ قبل عدة أيام حلقةً ضمن برنامجٍ رمضاني بعنوان "مقلب على الماشي"، يطلب فيها المذيع من الناس تقليد ذوي الإعاقة، مقابل مبلغ مالي معين، ما أدى إلى غضبٍ شعبي اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، رافقته مطالباتٌ للتلفزيون الرسمي بحذف الحلقة والاعتذار من فئة ذوي الإعاقة لما تسببت بهم الحلقة من إهانةٍ مباشرة.

 نزار الغول، مدير عام البرامج، أصدر بدوره بيانًا تقدم فيه بالاعتذار لجمهور المشاهدين كافة، ولذوي الإعاقة تحديدًا، مؤكدًا استجابة التلفزيون لمطالبات حذف الحلقة من اكافة المنصات الإعلامية التابعة لتلفزيون فلسطين، بما يشمل منصات التواصل الاجتماعي.

ضحكت التاجي كثيرًا عندما سمعت اعتذار التلفزيون، ووعوده بتشكيل لجنة تحقيق في مضمون الحلقة وتنفيذها، وقالت: "ماذا سوف يعود علينا من هذا الاعتذار؟ بعد أن بُثت الحلقة وأساءت لذوي الإعاقة".

وتؤمن التاجي، أن القائمين على مثل هذه الحلقة –ولا بد- تنقصهم معطيات الوعي والإدراك للجريمة التي ارتكبوها، متساءلة: "كيف تم تمرير مثل هذه الأفكار المبتذلة على شاشة التلفزيون الرسمي الذي تطل على الشعب الفلسطيني كله، والذي يفترض بأنه يضم إعلاميين يملكون الوعي ليقودوا مؤسسات إعلامية".

وتنص مسودة قرار بقانون حقوق ذوي الإعاقة في المادة (99)، على أنه يعد عنفًا كل فعلٍ أو امتناعٍ من شأنه حرمان الشخص ذي الإعاقة من حقٍ أو حريةٍ ما، أو تقييد ممارسته لأي منهما، أو إلحاق الأذى الجسدي أو العقلي أو النفسي به، على أساس الإعاقة أو بسببها.

ويحظر على أي شخص القيام باستخدام أية مصطلحات أو أوصاف أو ألفاظ، أو القيام بأي فعل يقصد منه التقليل من شأن أو من قدرات الأشخاص ذوي الإعاقة، أو ازدرائهم بأي شكل من الأشكال.

كما تنص المادة (100) على أنه: يعاقب بالحبس مدةً لا تقلُ عن سنتين، أو بغرامةٍ لا تقل عن ألفي دينار أردني، أو بكلتا العقوبتين، كل من ارتكب أي شكل من أشكال العنف المنصوص عليها في المادة (99) من هذا القرار، وعند تكرار أي شكل من أشكال العنف المنصوص عليها في المادة (99) يعاقب بالأشغال الشاقة مدةً لا تزيد على خمس سنوات، مع عدم الإخلال بأي عقوبة أخرى أشد ينص عليها أي قانون آخر.

د.فاطمة قاسم: "تحملنا سخافات كثيرة في الحلقات السابقة، أما أن تطلبوا من الناس القيام بحركات تمثل كيف يكون ذوي الإعاقة، هذا غير أخلاقي أبدًا".

ووصفت د.فاطمة قاسم رئيسة صالون "القلم الفلسطيني" الحلقة بكلمة واحدة: "لا أخلاقية"، إذ قالت عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "تحملنا سخافات كثيرة في الحلقات السابقة، أما أن تطلبوا من الناس القيام بحركات تمثل كيف يكون ذوي الإعاقة، هذا غير أخلاقي أبدًا".

وتتساءل د.فاطمة قاسم: "ما الذي يمكن أن يبعث على الضحك في السخرية من ذوي الإعاقة؟"، مطالبة بمحاكمة ومقاضاة القائمين على البرنامج –وفق القانون- حتى وإن اعتذروا "ليكونوا عبرة لكل المتنمرين فيما بعد".

وكان الائتلاف الفلسطيني للإعاقة، استنكر في بيانٍ رسمي ما تم تناولته الحلقة التي بُثت على فضائية فلسطين، مستهجنًا موافقة إدارة الفضائية على بث هذه الحلقة "المسيئة".

الآثار النفسية

ويحذر د.درداح الشاعر، من الآثار النفسية السلبية التي من شأنها أن تصيب شريحة ذوي الإعاقة،  نتيجة التعرض للسخرية أو التهكم من إعاقتهم، "فما بالنا ونحن نتكلم عن مثل هذا التهكم على الملأ؟ على شاشةٍ يشاهدها الملايين من الفلسطينيين والعرب؟".

د.الشاعر: "لا يمكن النظر إلى الإعاقة على أنها وصمة، فكل شخص يمكن أن يكون معاقًا في أداء مهمةٍ معينة (..) لا يوجد على الأرض من يستطيع فعل كل شيء".

وقال لـ "نوى": "لا يمكن النظر إلى الإعاقة على أنها وصمة، فكل شخص يمكن أن يكون معاقًا في أداء مهمةٍ معينة (..) لا يوجد على الأرض من يستطيع فعل كل شيء"، ملفتًا إلى أن ذوي الإعاقة كما غيرهم من الناس، قادرين على الإنتاج والعطاء والإبداع وفق حدود قدراتهم، وهو ما ينطبق على الأسوياء أيضًا.

وشدد الشاعر على ضرورة زرع هذا المفهوم مجتمعيًا، فمحدودية القدرة في مجال معين لا يمكن أن تكون وصمة، عادًا السخرية من هذه الفئة قصورًا في العقل والأخلاق والقيم الإنسانية.

وأشار د.الشاعر إلى أن الأصل في الإعلام الهادف، ترسيخ المساواة بين كافة فئات المجتمع وشرائحه ودمجها، منبهًا إلى مخاطر جمة يمكن أن تحيط بمثل هذه السقطات، وعلى رأسها: "خلق مساحات من التنمر تجاه ذوي الإعاقة، من خلال تبني البعض أو تأثرهم بالمحتوى المعروض حتى ولو كان غير مناسب".

قراءة إعلامية

ومن ناحيةٍ إعلامية، يقرأ د.أمين وافي رئيس قسم الإعلام في الجامعة الإسلامية، مثل هذه السقطات الإعلامية على أنها "حالة من غياب التخطيط والرؤية لدى الإعلام الفلسطيني".

ويقول لـ "نوى": "لا يخفى على أحد، أن من أهم المهام الملقاة على عاتق الإعلام، القيام بوظائف إرشادية وتوجيهية، فما بالنا والموضوع يتعلق بفئة حمتها كافة القوانين والنظم"، مضيفًا: "ذوو الإعاقة هم أصحاب حقوق ولا تنقص الإعاقة من حقوقهم شيئًا، حتى أن القانون الأساسي الفلسطيني اشتمل على وجوب أن تكون لهم حصة من الوظائف  بما لا يقل عن 5%".

وأبدى د.وافي دهشته من فكرة أن يتم تناول ذوي الإعاقة كمادةٍ للسخرية، معقبًا: "على الجهات المسؤولة، محاسبة كل من يقف وراء هذا الأمر، عبر تشكيل لجنة تحقيق رسمية حقيقية وفاعلة، حيادية ومهنية، تطال الشركة التي نفذت، والجهة التي سمحت بالبث، وحتى ممول هذا العمل، كون في مثل هذه السقطات إساءة للقيم والمقدرات الوطنية".

وقلل وافي من أهمية بيان الاعتذار، عادًا إياه "غير رادع" لإمكانية تكرار مثل هذه الهفوات، مؤكدًا أن الاعتذار الحقيقي، يكون بنشر نتائج لجنة التحقيق، وإعادة الاعتبار لذوي الإعاقة.

بتحقيق ذلك، يرى وافي أنه من المهم أن تتكاتف كافة الجهات المختصة للمناداة بتشكيل هذه اللجنة، وإعلاء الصوت لمطالبة جهات الاختصاص، بالوقوف أمام مسؤولياتها، وإعادة هيكلة مؤسسات الإعلام الرسمي، وإعادتها لمسارها الوطني، والعمل وفق استراتيجية تتلاءم مع احتياجات المجتمع الفلسطيني.

كاريكاتـــــير