شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 ابريل 2024م23:43 بتوقيت القدس

مَن الذي يوجّهُ مَن؟

"الحقيقة" إذا لم تَرُق للجمهور.. هل تنسحب الصحافة؟

03 مايو 2020 - 21:01

غزة:

شدٌ وجذبٌ كان قد أحدثه تقريرٌ نشرته شبكة "نوى" في السادس من نيسان/ إبريل الجاري، حملَ عنوان: "حجر الفنادق.. مَن سمِعَ ليس كمَن رأى"، عندما لم يُعجب محتواه بعض القراء في قطاع غزة، فهاجوا وماجوا يتهمون الشبكة وصحفياتها بشن حملة "لانتقاد" و"مهاجمة" الجهود الحكومية بغزة، لا سيما وأن الشبكة أيضًا غطّت تفاصيل الحجر في أيامه الأولى داخل بعض المدارس، وتطرقت إلى النواقص وانتهاكات الخصوصية هناك، التقرير الذي لولاه ربما لما تحسّنت ظروف الحجر إلى الشكل الذي صارت عليه الآن.

"إنتو ما بيعجبكم العجب" أقل عبارةٍ قيلت، بينما تم إرفاد التعليقات على المنشور الذي احتوى رابط التقرير المذكور (حجر الفنادق) بصور مراكز الحجر في بقاعٍ أخرى من العالم، فيما بدأ البعض ينادي بـ "احمدوا ربكم، وضع غزة على إمكانياتها الضعيفة أفضل بكتير من أماكن أخرى في دول متقدمة وثرية". مع العلم أن المقاربة تلك لم تكن منطقية، فالتقرير لم ينتقد المكان ولا ظروفه، بل بعض الإجراءات التي بالإمكان تحسينها "قنينة كلور لكل شخص مثلًا بدلًا عن كوب كرتون لكل واحد بمعدل كل يومين"!

الوكالة التي كانت تواصلت مع الناطق باسم وزارة الصحة د.أشرف القدرة، قبل نشر التقرير ولم تجد منه ردًا، اضطرت إلى إيقاف التقرير عدة ساعات حتى أخذت رده، وأعادت نشره من جديد على نفس هيئته، ما جعل السؤال الذي يطرح نفسه حينذاك: مَن الذي يفترض أن يكون قائد المعلومة، وموجه الرأي العام؟ الصحافة، أم الجمهور؟ وهل على الصحافة أن "تُهادن" بإجراء عملية تجميلٍ للواقع الصعب لتكسب رضا المسئولين ومناصريهم على حساب الحقيقة المرة في أحيان كثيرة؟ لم تجد "نوى" أفضل من هذا اليوم كي تجد فيه إجابةً عن هذه الأسئلة: الثالث من آيار/ مايو الذي يوافق اليوم العالمي لحرية الصحافة.. دعونا نتابع معًا:

نشر الحقيقة لا المجادلة فيها

خليفة: لا يمكن الجزم بأن الجمهور يوجه الصحافة أو العكس، فالطبيعي أن توجّه الصحافة الجمهور من خلال المعلومات

ترى الصحافية شيرين خليفة، بأنه لا يمكن الجزم بأن الجمهور يوجه الصحافة أو العكس، فالطبيعي أن توجّه الصحافة الجمهور من خلال المعلومات التي تطرحها عبر موادها الإعلامية، كرافعةٍ للدفاع عن حقوق المواطنين والمواطنات، وواحدة من أدوات الرقابة على تطبيق القانون.

وتقول: "يحدث أحيانًا أن تكون بعض الموضوعات على غير ما اعتاده المجتمع، لهذا يتعرض الصحافيون والصحافيات الذين يتطرقون لقضايا تخالف التابوهات الاجتماعية للتهجم والتنمر، ما يضع الصحفي والصحفية تحت "خُنّاق" الرقابة الذاتية"، مستدركةً: "لا يعني ذلك أن الصحافة باتت تقوقع نفسها في إطار ما يريده المجتمع فقط، فثمة محاولات دائمة للكتابة في الكثير من القضايا التي يدرك أصحابها أنها لن تروق لمجتمع متابعيه وقرائه".

تروي شيرين تجربةً عاشتها شخصيًا، حين قامت بتغطية قصة تتعلق بمطالبة أمٍ بحضانة طفلتها التي بلغت السن القانوني للانتقال إلى حضانة والدها، وبينما أصرت الطفلة على البقاء مع أمها، تعرّضت الأم للاعتقال بسبب رفضها تسليم الطفلة.

تعقب شيرين: "عندما نشرت القصة، فوجئت بالكثير من الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي، الغالبية يدافعون عن موقف الأب بحجة أن الطفلة مكانها بيت أبيها"، ملفتًة إلى أن الجدل يحدث عادة على مواقع التواصل الاجتماعي –تحديدًا فيس بوك- إذ إنها رغم محاولتها شرح موقف الأم، كانت تقابَلُ بالمعارضة، ما جعلها تدرك أن دورها كصحفية "نشر الحقيقة، لا المجادلة فيها".

شاهين: ممكن أن يكون تناول الصحافة للقضايا في بعض الأحيان تشاركيًا بين الصحفي والجمهور لكن هذا لا يعني أن يملي الجمهور على الصحافيين آلية الكتابة

توافقها الرأي الصحافية سمر شاهين، سكرتيرة التحرير في صحيفة فلسطين اليومية المحلية، فتقول: "الصحافة من مهامها نقل الأحداث دون تدخلٍ وإضافات غير واقعية في سياق تناول قضية ما، لكن من الممكن أن يكون تناول الصحافة للقضايا في بعض الأحيان تشاركيًا بين الصحفي والجمهور أيضًا"، مستدكةً: "لكن هذا لا يعني أن يملي الجمهور على الصحافيين آلية الكتابة وزاوية التناول، ليبقى من حقه المطالبة بتوضيحها ومناقشتها وتفنيدها".

وتتابع سمر: "هناك قضايا تطرحها الصحافة من تلقاء نفسها، وتتناولها أحيانًا من زوايا مقصودة، بهدف إيصال رسالة معينة، وهذا ما نسميه توجيهًا مباشرًا للجمهور، بل ودفعٍ للجمهور من أجل تبنى سلوك او موقف ما"، مردفةً: "تعتمد الصحافة في ذلك على أسلوبٍ يسهل من خلاله تمرير ما يصبو إليه القائمون عليها".

وتشير شاهين، إلى أن بعض الاعلاميين يفضلون أن يكونوا ناقلين لما يطلبه الجمهور، وبالتالي، "الجمهور هنا هو من يملي عليهم ما يريد، دون مناقشة، أو تناول آراء مغايرة، أو مخالفة، وبالتالي يكون الصحفي هو الموَجَّه في ما يقدمه".

والمطلوب هنا (والحديث لها) هو عملية التوازن في تناول القضايا من قبل الإعلاميين والإعلاميات، "أن تخدم الجمهور، لكن أن يتم تناولها بمهنية عالية، دون تدخل من قبل الجمهور أو طغيانٍ لرغباته على ضمير الصحفي ورسالته الكاملة".

علاقة الصحفي بالمواطن

من جهته، يرى الصحافي علاء شمالي، بأن هنالك علاقة قوية بين الصحفي والمواطن، "وسير الأحداث هو غالبًا الحاكم لهذه العلاقة".

شمالي: هنالك علاقة قوية بين الصحفي والمواطن، "وسير الأحداث هو غالبًا الحاكم لهذه العلاقة

يقول لـ "نوى": "في بعض الأوقات يمكن أن يوجه المواطن الصحفي، ذلك نظرًا لكم الأحداث والمعلومات المتوفرة، وفي أحيان أخرى يكون الصحفي هو الموجه للمواطن، نظرًا لحاجة المواطن لكم معلومات حول قضية معينة، تكون أحيانًا بعيدةً عن متناول المواطن".

ويضيف علاء: "دائمًا ما أحاول انتقاء الأفكار والمواد التي تناسب الجمهور، والتي يحتاج إلى معرفة المزيد عنها بشكل كبير، لكن لم يسبق وأن واجهت أي مشكلة أو انتقاد لأي مادة قمتُ بإعدادها من قبل الجمهور"، منبهًا إلى أن العناوين في أحيان كثيرة تكون هي سبب الجدل، "إذ يكتفي بعض القراء –تبعًا لتوجهاتهم- بقرائتها لأخذ الموقف وتبنيه بل والدفاع عنه، دون قراءة المادة وما يريد الصحفي إيصاله من خلالها".

ويؤكد أن العلاقة التقاربية الحديثة بين الصحفي والمواطن، أضعفت صلب فكرة التوجيه الإعلامي، التي تعتمد على أن يكون تأثير الصحفي على المواطن، أكبر بكثير من تأثير المواطن على الصحفي، "ولو رجعنا إلى تاريخ الصحافة، وأحداث العالم الكبرى المتسارعة، لوجدنا أن حالة الضعف هذه تصاعدت بشكل تدريجي مع مرور الوقت، لتصبح عملية التوجيه اليوم غير منوطةٍ بطرفٍ واحد.. مَن يوجه مَن؟ ومَن يؤثر في مَن؟" يكمل.

الحسني: الصحافة كانت هي من تحرك الرأي العام وتقوده، وكان الإعلام موجهًا بشكلٍ كبير لتسليط الضوء على قضايا معينة

في السابق تبعًا للصحافي فادي الحسني، فإن الصحافة كانت هي من تحرك الرأي العام وتقوده، وكان الإعلام موجهًا بشكلٍ كبير لتسليط الضوء على قضايا معينة، "لكن مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشارها واستخدامها الهائل، انتقلت الديمقراطية من الشارع إلى منصات التواصل".

ويقول: "أضحى باستطاعة كل مواطن، أن ينتقد أي شيء يخالف قناعاته، وأن يسوق خلفه جيشًا من النشطاء، بمعنى أن الإعلام هنا صار موجَّهًا من قبل المواطن، بما يخدمه ويتماشى مع تفكيره".

وهذا لا يشكل خطرًا بالمعنى الحقيقي على الإعلام والرسالة الموجهة، كما يرى الحسني، "وإلا لماذا وجد الإعلام إلا ليكون سلطة رابعة؟ وأن يعلو بأصوات الجماهير؟" يتسائل.

ويضيف: "بالمفهوم العام للرقابة الذاتية، سابقًا كانت رسمية تفرضها السلطات على الصحافيين، والأخرى ذاتية، لكن اليوم ظهر نوع جديد من الرقابة فرضه الجمهور على الصحفي، وهنا أصبح الصحفي يخشى الجمهور"، معبّرًا عن رأيه للحل –كما يراه هو مناسبًا- "كأن يسير الصحفي بخطٍ متوازٍ مع الجمهور، من أجل خدمة قضاياه، ومن النادر أن يطرح الصحفي قضايا تختلف مع وجهة نظر الجمهور في الغالب".

ويكمل: "علينا أن نفرّق بين ما يطرحه الصحفي على مواقع التواصل الاجتماعي، وبين ما يطرحه النشطاء، وهذا ما يحدث الإرباك أو المشكلة، لأن الصحفي من المفترض أنه يعمل من أجل خدمة قضايا الجمهور طالما كانت منطقية، بخلاف النشطاء الذين يطرحون قضايا، ربما تختلف مع قناعات الشارع وهنا يجدون الكثير من المعارضين".

بالمجمل، يمكن تعريف المنهج الصحفي بأنه السعي للوصول إلى الحقيقة، أو ما يقرب إليها، وجمع وتحليل المعلومات حولها، والتحقق من مصداقيتها، وتقديمها للجمهور في الوقت المناسب بطريقة سليمة موضوعية وحيادية.. هذا التعريف كفيلٌ بالحديث عن الهدف الأساسي من الصحافة كمهنةٍ ومنهج، وهو "الحقيقة" أعجبت الجمهورَ أم لم تعجبه، طالما أنها لم تنتهك خصوصية، أو تخترق عُرفًا أو تمس ديانة.

كاريكاتـــــير