شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 28 مارس 2024م18:57 بتوقيت القدس

غزة.. باقات الورد "هدية" للمواشي!

21 ابريل 2020 - 09:35

خانيونس:

لم تَعُد الأزهار هنا هديةً بين أيدي المُحبِّين! فتنة الطبيعة وعرسُها الدائم، وكِساء الأرض المزركش بألوان الفرح، تدوسها اليوم داخل قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من عقدٍ أقدام الحيوانات، فتمزق أوراقها الرقيقة!

مُكرهًا يحمل المزارع ماهر أبو دقة، وروده التي غرسها ورعاها وسقاها مدة ثمانية أشهر، ويُلقي بها تحت أقدام الأغنام طعامًا، "كورونا" فرضت على الشاب الذي يزرع الورود منذ عدة سنوات أن يتلفها بيديه.

يشيح بوجهه يمينًا ويسارًا، يداري حزنه، كأنما يتحاشى النظر إلى أزهار القرنفل والجوري، التي كانت تمتد قبل عدة أيامٍ كبساطٍ منقوشٍ في رحم الأرض لتزهر مباسمه على سطحها بمساحة 7 دونمات.

يقول الشاب محاولًا -دون جدوى- التغلب على ألمه وإحباطه: "يوميًا، ومنذ بداية إعلان حالة الطوارئ، أقصُّ مجموعةً من الزهور وألقيها إلى حاوية النفايات، أو أعطيها لأغنام جارٍ لي كي تأكلها، أنا أزرع للسوق المحلي، ومارس وإبريل، هما موسم المناسبات الاجتماعية والوطنية التي تشهد حركة إقبالٍ كبيرة على الشراء".

ماهر هو خريج خدمة اجتماعية، آثر العمل في أرضه، وتشغيل سبعة من العمال، الذين عجز بسبب الوضع الحالي عن دفع رواتبهم، وحتى تسديد التزامات بيته، وأطفاله الستة.

"هذا ليس كل شيء" يعلق ماهر، موضحًا أن زراعة الأزهار كانت تكلفه يوميًا من 600 إلى 700 شيكل، ما بين سماد، وكيماويات، وكهرباء، ومياه عذبة (إذ يشتري الكوب الواحد بأربعة شواكل)، وهي أمورٌ يلجأ عادةً لأخذِ معظمها من التجّار على اتفاق السداد عند البيع، وفقًا لما هو متعارف عليه بين المزارعين والتجار في قطاع غزة، لكنه الآن بات مُثقلًا بكل هذه الديون.

"لست نصابًا ولا أريد أن أبدو هكذا"، يردف الشاب الذي لن يتمكّن من تسديد ما عليه من التزامات للتجار، "لكن هي مناشدة للرئيس محمود عباس، وللحكومة الفلسطينية، ولوزير الزراعة، بضرورة التحرّك سريعًا لإنقاذ مزارعي الورود في قطاع غزة، في ظل الخسائر التي لحقت بهم بسبب حالة الطوارئ" يضيف.

مزارعوا الورود، يعانون منذ سنواتٍ عديدة، بدءًا من الاحتلال الإسرائيلي وحصاره لقطاع غزة منذ عام 2007م، وصولًا إلى الأزمات المتلاحقة التي ضربت الاقتصاد المحلي فحرمتهم تصدير الحب إلى العالم، إلا أنهم يصرّون في كل عام، على إبقاء الأمل مشتعلًا، فهذا الذي علمهم إياه الورد.

يتابع الشاب أبو دقة الذي يُصرُ برغم خسارته الفادحة على مواصلة زراعة الأزهار: "الورود هي رسل الحب والمودة والصدق، وبها يعبّر الناس عن قيم التسامح والسلام والأمن، قطاع غزة الذي يعيش فيه 2 مليون مواطن، يحتاج أيضًا إلى رسائل الحب والسلام، وأهله يفضلون دائمًا شراء الأزهار المحلية، لا المستوردة".

ووفقًا لمركز المعلومات في وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، فإن قطاع غزة، كان حتى عام 2000م، يزرع نحو 1200 دونمًا من الورود، بمعدّل دخل سنوي يصل إلى 25 مليون دولار، تقلّصت بفعل اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي،  حتى لم تعد تتعدى زراعتها عدة دونمات فقط.

الحالة لا تختلف كثيرًا بالنسبة للمُزارع لبّاد حجازي، من مدينة رفح جنوب قطاع غزة، فقد اضطر هو الآخر إلى خنق وروده بيده، وخلعها ليلقي بها إلى التهلكة، يقول بصوتٍ خنقته عبَرات مكتومة: "الورد، رمز السعادة والحب والراحة النفسية، مصيرُها اليوم مكبات النفايات، وأقدام المواشي".

في أرض حجازي، المقدّرة مساحتُها بـ 10 دونمات زراعية، لم يتبق من الزهور سوى سيقانٍ تظهر فوق التراب لا يتعدى طولها عدة سنتيمترات، مشهد خراطيم المياه الممتدة بين ممرات الدفيئات الزراعية، يشي بأن ثمة ورود كانت تنبض بالحياة هنا.

يتابع لشبكة "نوى": "في شهري مارس وإبريل من كل عام، يزيد إقبال الناس على الورود لكثرة المناسبات الاجتماعية، والأعياد الوطنية، واحتفالات المدارس والجامعات، إلا أن جائحة كورونا كبدتنا خسائر فادحة، بعد إلغاء كل هذه المناسبات".

ما لا يقل عن 800 شيكل، هي التكلفة اليومية لرعاية الأرض –تبعًا للمزارع حجازي- على مدار 7 شهور مضت، ما بين مبيدات، وأسمدة، وتكاليف مياه، وكهرباء، وعمال، "فمن يصدق أننا اليوم ننتظر مرور رعاة الأغنام لنقدمها لماشيتهم كغذاء، بدلًا من انتظار موتها وزيادة الحسرة في قلوبنا" يُكمل.

والد لبّاد يزرع الورود منذ عام 1991م، على مساحة 50 دونمًا زراعيًا، وكانت وروده مخصصة للتصدير، إلا أنه، ومع توقف التصدير منذ عام 2011م، تحوّل عمله فقط إلى السوق المحلي، فقلّص الأرض المزروعة بالورد إلى 10 دونمات فقط.

الحقيقة أن جائحة "كورونا" هي الحلقة الأصعب بالنسبة لمزارعي الورود في قطاع غزة، رغم أن الظروف السيئة تكالبت عليهم منذ عام 2000م، مع بدء الاجتياحات الإسرائيلية لقطاع غزة، وصولًا إلى عام 2007م حيث فرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي للحصار الشامل على القطاع، وتحكّمت بعمليات التصدير، وقلصت مساحات الأراضي المزروعة بالورود، حتى توقف تصديرها بالكامل من القطاع عام 2012م.

يقول أدهم البسيوني الناطق الإعلامي لوزارة الزراعة في قطاع غزة: "إن فرض حالة الطوارىء في الضفة الغربية وقطاع غزة، انعكس سلبًا على المزارعين الفلسطينيين، ومنهم مزراعي الورود في قطاع غزة.. إلغاء كل المناسبات الاجتماعية والوطنية التي يتم تسويق منتجاتهم فيها، جعلهم يضطرون إلى إتلاف ورودهم، أو جعلها طعامًا للأغنام".

وقدّر البسيوني حجم خسائرهم بمليون دولار، مؤكدًا أن الوزارة تحرص على توفير الدعم والتعويض لهم، من خلال المؤسسات المانحة، "وستشهد المرحلة المقبلة التواصل مع المانحين من أجل مساعدة هؤلاء المزارعين" يضيف.

وذكّر البسيوني أن أزمة مزارعي الورد ليست الأولى من نوعها، فهي ممتدة منذ بداية تعرّضهم للخسائر مع انطلاق انتفاضة الأقصى عام 2000م، وبدء الاجتياحات الإسرائيلية التي جرّفت الكثير من الأراضي.

وبعد أن كان قطاع غزة يصدّر سنويًا 55 مليون زهرة إلى مختلف أنحاء العالم، ويشغل آلاف الأيدي العاملة، تقلصت مساحة الأراضي، ولم يعد يعمل في هذا المجال سوى عدد محدود جدًا من المزارعين، ذلك لأن الزهور والورود التي كانت للتصدير، باتت فقط تُغطي السوق المحلي، بسبب الحصار الإسرائيلي، لا سيما وأن الأزهار تحتاج إلى تكلفة إنتاجية عالية جدًا.

صور لورود المزارع ماهر أبو دقة

صور لورود المزارع لبّاد حجازي - رفح

صور من وكالة صفا لمواشي تلتهم الورود التي لم يتم تسويقها

كاريكاتـــــير