شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الاربعاء 24 ابريل 2024م05:39 بتوقيت القدس

بعد إغلاق مستوصفهم صباحًا..

سكان مخيم النصيرات.. لا تمرضوا إلا ليلًا!

19 ابريل 2020 - 21:57

النصيرات:

بدا المشهدُ مرعبًا، الوقت يقترب من منتصف الليل، بينما "خالد" الذي تعرّض لحروقٍ من الدرجة الثالثة أثناء حريق "النصيرات" مطلع آذار/ مارس الماضي يختنق!

أمه فاطمة أبو شاويش التي تسكن مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، كانت تسابق الوقت كي تصل به إلى مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح –على بعد نحو 6 كيلومترات- في الوقت المناسب.

مستشفى شهداء الأقصى، باتت المركز الصحي الأقرب لعائلة أبو شاويش وكافة أهالي المخيم، بعد أن أصدرت وزارة الصحة بغزة، قرارًا يقضي بإغلاق مستوصف النصيرات، الذي كان يعد ملجأ المرضى والحالات الطارئة على مدار الساعة.

كانت السيدة فاطمة (وكنيتها أم علي)، تعتمد بشكلٍ كبير في الخدمات الصحية التي تحتاجها، على المستوصف المذكور، الذي كان يقع في الطابق السفلي من مبنى بلدية النصيرات، والذي كان وبالرغم من صغر مساحته، يؤدي الغرض المرجو منه بالنسبة لسكان المنطقة، "القرار كان صدمة للكل، مش بس إلي" تعلق.

اتخذت وزارة الصحة قرارها في الثلاثين من آذار/ مارس الماضي، وأغلقت المستوصف الذي يخدم أكثر من 120 ألف نسمة في المخيم، ونقلت الخدمة إلى مستوصف شهداء النصيرات، في منطقةٍ تسمى مخيم (2)، ما أثار حنق المواطنين، لا سيما وأن العيادة الجديدة، بعيدة عن التجمّع السكاني.

تقول أبو شاويش: "تعرّض ابني للاختناق بعد ثلاثة أيام من إغلاق المستوصف، ورغم قيام المستشفى بكل ما هو مطلوب، إلا أن وجود الخدمة الصحية داخل المخيم أفضل، وأوفر للوقت في حالات الطوارئ"، موضحةً أن آلاف المواطنين كانوا يعتمدون على وجوده في التطبيب كونه يقع وسط تجمعٍ سكنيٍ كبير، "بينما مستوصف شهداء النصيرات، يحتاج إلى ركوب مواصلتين، وهذا عبء على الناس، بالذات أصحاب الدخل المحدود منهم".

القرار في ظل الواقع الذي يعيشه سكان المخيم، دفع الفصائل الفلسطينية في المنطقة، إلى تشكيل لجنة طوارئ، للمطالبة بإعادة فتح المستوصف للعمل كما كان سابقًا، وبعد مشاورات مع وزارة الصحة، وافقت الأخيرة على عودة الفترتين المسائية والليلية.

ذلك لم يكن كافيًا بالنسبة للمواطنين، الذين يحتاجون إلى خدمة صحية قريبة من منطقة سكناهم في أوقات النهار أيضًا، الشاب محمود طبازة مثلًا، تعرّضت طفلته رحاب ابنة الـ "10 سنوات" لكسرٍ في ذراعها ظُهر يوم 12 نيسان/ إبريل الجاري، فاضطر لنقلها إلى مستشفى شهداء الأقصى، "ورغم أنها تلقت الرعاية اللازمة، إلا أن المنطق يقول أن إسعاف مثل هذه الحالات، يجب أن يكون في مكانٍ قريبٍ من المنطقة" يقول.

قرار فتح المستوصف لفترتين، هو كسرٌ لحالة الإغلاق، في ظل تخوّف الناس من إغلاقه نهائيًا

ويضيف :"وقبل إصابتها بأسبوع، تعرّض طفلي محمد (4 سنوات) لجرحٍ عميق، ونقلته أيضًا إلى المستشفى وتم تقطيب جرحه، صحيحٌ أن المستوصف كان يفتقر إلى عيادة أسنان وجلدية، إلا أننا نفضل بقاءه رغم ذلك بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الذي نعيشه، في الحقيقة، لقد تضرر من إغلاقه الجميع".

ووفقًا لطبازة فرغم صغر المكان، إلا أنه كان ملجأ البسطاء أيضًا حتى من سكان المناطق القريبة، كالبريج، والزهراء، والمغازي، يعلق بالقول: "كان الأصل تطويره، وليس إغلاقه".

تمامًا، هذا ما تؤمن به لجنة الطوارئ، التي قادت الحوار مع وزارة الصحة، إذ يقول منسق اللجنة هاني مزهر: "إن قرار فتح المستوصف لفترتين، هو كسرٌ لحالة الإغلاق، في ظل تخوّف الناس من إغلاقه نهائيًا"، مؤكدًا تلقيهم وعودًا تفيد بعودة المستوصف إلى العمل كما السابق (على مدار اليوم) بمجرد انتهاء أزمة جائحة فايروس "كورونا".

ونفى مزهر، أن يكون مستوصف شهداء النصيرات مناسبًا كمانٍ للسكان، فهو يقع على أطراف المخيم، ويعمل فقط لغاية الساعة الثانية، متابعًا بالقول: "محاولات إغلاق المستوصف قديمة، فقد سبق لوزارة الصحة ذلك في ديسمبر 2019م، ولكن وقفة أبناء المخيم حالت دون ذلك، والآن مع فرض حالة الطوارئ، عاد التخوف من إغلاقه يطفو على السطح من جديد".

المستوصف يقدم خدمات متكاملة للاجئين، فهو يخدم بالإضافة إلى 120 ألف نسمة من سكان مخيم النصيرات، ما يزيد عن 200 ألف من سكان البريج والزهرة والمغراقة وأحيانًا المغازي

وتكوّنت لجنة الطوارئ من ممثلين قادوا الحوار مع وزارة الصحة، عن أحزاب سياسية هي "فتح-حماس-الجهاد الإسلامي-الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-الجبهة الديمقراطية"، بالإضافة إلى اثنين من المخاتير.

ووفقًا للوضع الحالي، يتوجّه الناس إلى مستوصف شهداء النصيرات الذي يعدّه السكان بعيدًا عنهم "نهارًا"، فيما يلجأون إلى مستوصفهم القريب في الفترة المسائية، "إلا أن النصيرات كما يرى ممثلوها ليست بحاجةٍ فقط إلى تطوير المستوصف، بل إلى بناء مستشفى كاملة، بعد أن تكشّف لأهلها ضعف الخدمة الصحية وهم الذين ودعوا قبل وقتٍ قريب 25 ضحية، نتيجة حريق النصيرات الهائل" يكمل.

ويناشد مزهر وزارة الصحة بتطوير المستوصف حتى يرتقي إلى الدرجة الرابعة، لا إغلاقه، مردفًا بالقول: "المستوصف يقدم خدمات متكاملة للاجئين، فهو يخدم بالإضافة إلى 120 ألف نسمة من سكان مخيم النصيرات، ما يزيد عن 200 ألف من سكان البريج والزهرة والمغراقة وأحيانًا المغازي".

جودة: ضمن خطة الوزارة وإجراءاتها الوقائية لمواجهة فايروس كورونا، تقليص خدمات الرعاية الصحية في قطاع غزة، لاستثمار كافة المقومات المتوفرة لديها على الوجه السليم

وفي رده على مطالبات سكان المخيم بإعادة تشغيل المستوصف، يقول ناهض جودة مسؤول الرعاية الأولية في المحافظة الوسطى بوزارة الصحة: "من ضمن خطة الوزارة وإجراءاتها الوقائية لمواجهة فايروس كورونا، تقليص خدمات الرعاية الصحية في قطاع غزة، لاستثمار كافة المقومات المتوفرة لديها على الوجه السليم "، موضحًا أن ذلك تم إعلانه عبر مؤتمر صحفي، بالإضافة إلى الحديث عن المراكز الصحية التي ستعمل في جميع محافظات قطاع غزة، وما هي الخدمات التي ستقدمها في ظل مواجهة فايروس كورونا.

ويضيف: "ارتأت الوزارة بعد ذلك زيادة خدمات الرعاية الصحية الأولية، فتم فتح بعض المراكز الصحية ومنها مركز النصيرات القديمة، على أن يعمل في الفترتين المسائية والليلية، جميع أيام الأسبوع، وذلك بترحيبٍ من المؤسسات والشخصيات الوطنية والإسلامية في مخيم النصيرات"، مؤكدًا اعتماد وزارة الصحة سياسة المراجعات المستمرة لإجراءاتها، "بما يكفل تحقيق الخدمة للمواطن، وتحصين المجتمع من جائحة كورونا في الوقت ذاته".

المستوصف –على حد تعبير جودة- صغيرٌ وغير مؤهل لتقديم خدمات صحية، "لكنه يخدم عددًا كبيرًا من المواطنين، وبالتالي لن يغلق بالكامل، لكن تطويره غير ممكن في نفس المكان"، ملفتًا إلى أن مستوصف شهداء النصيرات يتمتع بمساحةٍ كبيرة، ويستوعب عددًا أكبر من الحالات، "والهدف من قرار إغلاقه كان تقليل الازدحام فقط" يزيد.

المواطنون الذي اتجهوا بطموحاتهم صوب إقامة مستشفى، أنشأ عدد منهم صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بعنوان "صحي النصيرات"، وطالبوا فيها بإعادة فتح المستوصف، وتطوير الخدمات الصحية المقدمة للمنطقة.

يقول الناشط طلعت أبو شمالة الذي يعمل في الحقل الصحي منذ سنوات، وأحد القائمين على الصفحة: "الصفحة انطلقت لتكون منبرًا، نرفع من خلاله الصوت لنقول (النصيرات تستحق واقعًا صحيًا أفضل) بدءًا بإعادة فتح المستوصف بشكلٍ كامل، وصولًا إلى إقامة مركز صحي متكامل يليق بالنصيرات ويلبي احتياجات أهلها".

ويشير أبو شمالة إلى تدهور الواقع الصحي في مخيم النصيرات، مقارنةً بالكثافة السكانية العالية، ونموها المتصاعد، إذ يفتقد المخيم إلى أبسط الاحتياجات، في ظل تسارع التطور الاقتصادي والاستثماري، مستدركًا: "لقد كشفت فاجعة النصيرات هشاشة الوضع الصحي في المخيم، والحاجة الماسة لتحقيق واقع صحي يتناسب حجم ومقدرات النصيرات".

وفقًا لأبو شمالة، فالمستوصف يزوره يوميًا نحو 400 حالة، "وهؤلاء أصبحوا بفعل القرار، بلا ملاذ صحي".

يطالب القائمون على صفحة "صحي النصيرات" بإعادة فتح المستوصف وتطويره، والإعلان عن خطة مُجدولة زمنيًا لذلك، بدءًا من فرز البلدية لقطعة أرض من أجل إقامة مستوصف متكامل، ووضع حجر أساس لمستشفى مستقبلًا.

كاريكاتـــــير