شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الخميس 18 ابريل 2024م22:17 بتوقيت القدس

"بلديات الساحل" وعدت بالحل..

بِرَك النصيرات.. "قانون البيئة" الذي انتُهِكَ ببشاعة!

15 ابريل 2020 - 17:07

غزة:

تشتاق أم رامي أبو معلا، لطفلتها البالغة من العمر (12 عامًا)، بعد رحلت إلى منزل شقيقها في مدينة "الزهراء" كل تحظى بقسطٍ من حياةٍ مناسبة، تاركة منزل أمها وأبيها غرب مدينة النصيرات وسط قطاع غزة، الواقع تحديدًا: قرب برك معالجة مياه الصرف الصحي، التي يشتكي الناس هناك من محاصرتها لتفاصيل حياتهم، حتى أطلقوا عليها اسم "برك الموت".

في تفاصيل قصة "برك الموت"، فقد أنشأت مصلحة مياه بلديات الساحل عام 2012م، مشروع أحواض معالجة مياه الصرف الصحي لتخدم المدينة، وتستوعب في ذات الوقت، المياه العادمة التي تمر في وادي غزة، لمعالجتها قبل أن تصب في البحر مباشرةً.

احتج الناس حينها، ونفذوا إضراباتٍ واعتصاماتٍ، ولكن دون جدوى! إنشاء البِرك تم بالقوة.

البرك التي حوّلت المنطقة إلى "مكرهةٍ صحية" على حد وصف سكانٍ هناك، تقع بمحاذاة الطريق الساحلي، الذي يشهد عادةً مرور السيارات التي تتنقلُ بين شمال قطاع غزة وجنوبه.

يقول بعضهم: "لا يمكن للركاب تجاوز المنطقة إلا بإغلاق أنوفهم"، ورغم أن مدة العبور لا تستغرق دقيقةً، إلا أنها تكفي لتصيب المارة بالغثيان والشعور بالاختناق، "فما بالنا بمن فُرضت عليهم الحياة هناك بقرب تلك البرك؟".

تعيش طفلة أم رامي معظم أيام الأسبوع في بيت شقيقها أو عمتها، هربًا من الاختناق برائحة مياه الصرف الصحي، حتى أم رامي نفسها، تركت بيتها مدة عامين قضتهما برفقة زوجها في مصر "هربًا من هذه الحال" تقول.

وتتحدث عن الإحراج الذي يصيبها كل مرة، عندما يزور بيتها ضيف فتقول: "مهما استخدمت من أدوات التعطير والتنظيف والتعقيم، لا يمكن لأحد إلا أن يستنشق رائحة المياه العادمة، وهذا دفع بكل معارفي –حتى قبل حالة الطوارئ هذه- إلى تفادي زيارتي، أو فعل ذلك في حدود ضيقة للغاية".

وتؤثر البرك مباشرةً وبشكلٍ متفاوت على نحو 16 ألف نسمة، برائحتها الكريحة، وما يسببه التواجد بقربها من الأمراض كالحساسية، والطفح الجلدي، وبعض أمراض التنفس، ناهيك عن خسارة إمكانية الزراعة في الأراضي المحيطة بالوادي.

زوج أم رامي يحملُ همًا إضافيًا، فالرجل كما يقول "كان يُلقبُ سابقًا بـ"ملك العسل" في قطاع غزة، إذ كان يمتلك نحو 500 خلية نحل، لولا أنه كان يخسر في كل عام –منذ إنشاء تلك البرك- جزءًا منها بسبب تأثير الدبابير والحشرات الضارة، ما اضطره إلى حمل ما تبقى منها، والنجاة بها من أرضه التي يملكها، نحو أرضٍ بعيدة عن "تلك المكرهة"، يدفع لها إيجارًا ما قيمته ألف دولار.

أم شاهر، هي الأخرى تعيش في ذات المنطقة، وتعاني أساسًا من أزمة في جهازها التنفسي، وقد تفاقم وضعها كثيرًا بسبب "تغوّل الرائحة الكريهة"، تقول: "أضطر لإبقاء بخاخ التنفس إلى جواري طالما أنني أمكث في البيت، وهذا ما لا يحدث عندما أذهب إلى مناطق ذات هواء نظيف".

أطفال المنطقة أيضًا احتجوا، وطلبوا من "نوى" إيصال شكاواهم، فهم لا يجدون مكانًا للعب حتى داخل أراضيهم، فرائحة المياه الآسنة تؤثر سلبًا عليهم، ما يضطرهم للبقاء في منازلهم، أو تحمّل الرائحة النتنة التي تشبه "البيض الفاسد" من أجل أن يحظوا بلحظاتٍ للعب في الخارج.

يقول الطفل يوسف أبو معلا 12 عامًا: "الريحة بتجيب أمراض بنخنق منها، بنلعب مرات جنب البرك وبننزعج كثير، يا ريت يزيلوها ويريحونا، عشان نعرف نلعب".

ويضيف زميله عبد الله الذي يماثله في العمر: "بنلعب قريب من البركة، البركة بتسبب أمراض وحبوب (بثور)، وبتخنقنا وبتجيب باعوض وناموس".

نوى، أعدت تحقيقًا صحفيًا حول "برك النصيرات" أواخر عام 2017م، حينها تقاذفت كل الأطراف المسؤولية: بلدية النصيرات، وسلطة جودة البيئة، ووزارة الحكم المحلي، ومصلحة مياه بلديات الساحل، وكلهم شرحوا حينها أن المشروع أُنشئ مؤقتًا لمعالجة مشكلة الصرف الصحي في النصيرات كلها، ومعالجة المياه العادمة، على أن ينتهي العمل به عام 2017م، مع افتتاح محطة المعالجة المركزية الممولة من ألمانيا، شرق مدينة البريج، إلا أن إنشاء المحطة لم يكتمل، وتحوّل المؤقت إلى "وضعٍ دائم".

حسب المادة الثانية من قانون البيئة الفلسطيني رقم (7) لعام 1999م، فإن هدف القانون حماية البيئة من التلوث بكافة أشكاله، وحماية الصحة العامة، والحفاظ على التنوع الحيوي.

أما في مادته الخامسة، فقد نص على حق كل إنسانٍ، بالعيش في بيئة سليمة ونظيفة، والتمتع بأكبر قدر ممكن من الصحة العامة والرفاه، وهو ما تم انتهاكه فعليًا من الأطراف التي تقاسمت حينها تنفيذ المشروع، ثم تنصلت من المسؤولية عن تعثره. منذ ذلك الحين، ظل الوضع عالقًا في المنطقة، بل باتت الأمور أسوأ!

يؤكد د.أحمد أبو معلا، وهو محاضرٌ جامعي، وناطقٌ باسم سكان المنطقة المتضررين، أنه منذ ذلك الوقت لم يطرأ أي تغيير، بل إن مصلحة المياه التي نفذت المشروع، وعدت بإزالة البرك، وهذا لم يحدث، فقط كل ما تغيّر هو تغطية بركة المعالجة الأولى بالنايلون!

ويقول: "أخبرنا المهندس نهاد الخطيب، أنه سيتم الانتهاء من أمر البرك في شهر مارس، وانتهى مارس ولم يتم تجفيفها، واكتشفنا أن العملية تحتاج إلى 3000 شيكل، وهو ما صدمنا! نحن جاهزون لجمع المبلغ من الناس لأجل حل هذه المعضلة التي يعاني منها صغيرنا وكبيرنا"، ملفتًا إلى أكثر من 200 دونم زراعي، أثر عليها وجود البرك سلبًا لا سيما تلك المحيطة بها مباشرة.

ويتابع: "ذهبنا إلى النائب في المجلس التشريعي د.عبد الرحمن الجمل لإطلاعه على المشكلة، وقد أبدى استياءً كبيرًا من استمراره، فهو مَن مرر المشروع عام 2012م، ولكن بشرط أن لا يصيب الناس أي ضرر، وقد وعدنا بالاتصال بالمسؤولين عن الأزمة، ولكن لم يصلنا أي رد منه حتى الآن".

د.أبو معلا، همَس في أذن نوى بقوله: "في عام 2012م، المجلس التشريعي الفلسطيني بممثلين عنه، اصطحب من المنطقة رجلان، وأقنعوهما بأن المشروع لن يتسبب بأي مضرة على أي صعيد، بينما الرجلان في الحقيقة غير مؤهلان علميًا لفهم الخطورة التي يمكن أن يشكلها مشروعٌ كهذا"، مردفًا بانفعال: "لم ينصبهما أحد أصلًا كي يمثلا سكان المنطقة".

يصر د.أبو معلا، على أن البلدية تتحمل جانبًا من المسؤولية، "فالمنطقة هي ضمن نفوذ بلدية النصيرات، وليس سواها، وكان يجب ألا تسمح بتنفيذ المشروع"، مؤكدًا أن فعاليات وضغط المواطنين سيتواصل حتى الانتهاء من أمر البرك تمامًا.

زوجته أم عايش تروي جانبًا من مخاوف نساء المنطقة، اللواتي يواضبن أكثر من غيرهن على تنظيف البيوت، واستخدام المعقمات والكلور وإغلاق الشبابيك، ومع ذلك يتواصل دخول الباعوض والحشرات، ناهيك عن الرائحة النتنة التي تكاد لا تفارق البيوت.

تضيف: "الأطفال هنا يشتكون من حساسية الجلد، والبقع الحمراء، وتواجد القوارض بدرجة كبيرة،

حتى إغلاق النوافذ طوال النهار لا ينقذ الناس الذين أصبحوا يحرمون من زيارات الأقارب".

مشكلة المنطقة كما تقول أم عايش، أكبر من البرك "فالمنطقة مهمَّشة، ولا يوجد فيها جمعية تخدم السكان، ولا روضة أطفال، وحتى أقرب عيادة تحتاج إلى نحو ساعة كي تصلها، كل هذا بحاجة إلى جهد منظم يترافق مع إغلاق البرك" تكمل.

يملك زوجها د.أحمد نحو 15 دونمًا يزرعها حاليًا بالقمح، ولكن حتى المحصول لديه غير جيد، فهو كما غيره من أصحاب الأراضي تتلف زراعته بسبب قربها من البرك.

مصلحة مياه بلديات الساحل هذه المرة تحملت المسؤولية مباشرة عن المشكلة، المهندس نهاد الخطيب مسؤول التشغيل في محطات الصرف الصحي، قال: "إن برك النصيرات هي أحواض معالجة أقيمت مؤقتًا لحين إنشاء المحطة المركزية شرق البريج، التي لم تجهز بعد، ولا يمكن إقفال هذه الأحواض قبل تجهيز الأخرى المركزية".

وأوضح أن البرك لا تعمل منذ عام ونصف بالشكل المطلوب، بل إن جزءًا من المياه يذهب إلى الوادي، والمحطة باتت بحاجة إلى تجفيف الأحواض لإزالة المكرهة الصحية التي يشتكي منها الناس، عازيًا تعطّل تنفيذ مشروع المحطة المركزية إلى قلة الإمكانيات.

وأقرّ بأن الواقع الموجود هو بمثابة انتهاكٍ لقانون البيئة الفلسطيني، ولكن :"الإمكانيات الضئيلة المتوفرة، لا تكفي لتوفير احتياجات المواطنين".

وأشار إلى أن البركة الأولى التي تنتج غاز الميثان، تم تغطيتها، وهي التي تسبب الرائحة "أما البرك الأخرى، فاليوم من المفترض أن يبدأ تجفيفها "الأمر يحتاج لأسبوعين، وبعد ذلك لن يكون هناك مكرهة صحية، وستنتهي المشكلة".

هذه المرة كان الوعد واضحًا بتجفيف البرك، وإنهاء معاناة الناس، ما لم يحدث هذا، فإن كافة الأطراف- سابقة الذكر- التي تدخلت لإنشاء البرك، ستكون موضع مراجعة ومساءلة أمام الصحافة دون قبول مبررات.

اخبار ذات صلة
كاريكاتـــــير