شبكة نوى، فلسطينيات
gaza2023
اليوم الجمعة 19 ابريل 2024م20:32 بتوقيت القدس

حجر الفنادق.. من سمِعَ ليس كمَن رأى

06 ابريل 2020 - 23:25

شبكة نوى، فلسطينيات: "أحتاج إلى طبيبٍ نفسي، ولا أظنه سيكون قادرًا على أن يخرجني من تأثير فترة الحجر الصحي، مجرد أن تنقطع عن حياتك الروتينية الطبيعية أيامًا طويلة كفيلة بأن تحتاج بعدها لعلاج نفسي" بهذه الكلمات بدأت "أم مصعب" حديثها لـ "نوى" ملخّصةً ما آل إليه وضعها بعد (21) يومًا بالتمام والكمال أمضتهم برفقة طفلها في مراكز الحجر الصحي، ما بين معبر رفح وفندق "بلو بيتش" "ذاك الذي يحسدنا الناس على وجودنا فيه، لكن في الحقيقة من يسمع ليس كمن يرى ويشاهد" تضيف.

تنتظر السيدة الثلاثينية هي وقرابة 60 مواطنًا قدموا من جمهورية مصر العربية في السابع عشر من آذار/ مارس الماضي، أن يتم إبلاغهم في أي لحظةٍ بانتهاء حجرهم وعودتهم إلى بيوتهم سالمين، لكن حتى ذلك الحين، "قد تغدو الغصة أكبر، وقد يختنق القلب بما يحمله" تقول.

قبل أن تبدأ أم مصعب حديثها عن بعض الثغرات التي "فات على القائمين على الحجر الالتفات إليها" على حد تعبيرها، أكدت أنها تتفهم تمامًا إلزامية الحجر في هذه الفترة، والحاجة الملحة إليه لمصلحة الكل التي تعلو بطبيعة الحال على مصلحة الفرد، "أنا لا أنتقد المكان، ولا الجهات، هنا أنا أنتقد ظروف الحجر التي يظن الناس أنها أشبه بالاستجمام داخل الفندق، ولأننا فقط نقيم هنا تحت مظلة كلمة "فندق" ربما لم يلتفت الناس أو حتى النشطاء إلى ما يمكن أن نعانيه أو نفتقده من أساسيات تتوافق مع فكرة الحجر الصحي".

تقيم أم مصعب في غرفة فندقية مع طفلها واثنين من أفراد عائلتها، بينما يشاركهم في غرفة داخلية أربع نساء أخريات.

مع مرور الوقت وتمديد الحجر من 14 يومًا إلى 21، أصبحت تشعر بأن خروجها من الحجر الصحي أضحى حلمًا بعيد المنال، "وهذا طبيعي لأي شخص يعيش ظروف الانقطاع هذه" تعلق.

تؤكد أم مصعب أن الأيام التي أمضتها في الحجر بمعبر رفح وحدها، يمكن أن تعدها أيام حجر صحي بالمعنى السليم المتعارف عليه، وتشرح بالقول: "كل شخص كان يقيم في غرفة وحمام مستقل، وكنا نتعرض للشمس بشكل يومي اختياريًا، ناهيك عن تعقيمنا بشكل كامل وباستمرار، وفحص حرارتنا بشكل يومي"، مستدركةً: "أما رحلتي نحو بلو بيتش، كانت غريبة الظروف، لقد اختلطنا جميعًا بعضنا ببعض أثناء انتقالنا بالباص، واستخدمنا ذات المصعد دون أن نرتدي أو نستخدم أي أدوات وقاية".

لكن أكثر ما جعلها تصل ليلها بنهارها بموجة بكاء مستمرةٍ، هو أن "الرجل الذي تم اكتشاف إصابته في الفندق، كان قد مكث معهم في نفس الجناح لساعات قبل أن يتم نقله، ومن ثم إحضار غيره دون أن يخضعوهم لتعقيم، أو حتى أن يطهروا المكان"، تعقب بانفعال: "اكتشفنا بعد 14 يومًا أنه كان مصابًا، وهذا جعلنا لا نستبعد فكرة إصابتنا بالعدوى نتيجة مشاركته لنا المكان وقتًا ليس ببسيط".

وتتابع: "خوفي الأكبر كان على طفلي المريض "مصعب" ابن الست سنوات، وذو المناعة الضعيفة أصلًا، سيما عندما ارتفعت حرارته فجأة، ورفض الطبيب المتواجد في الحجر أن يقترب منه"، موضحةً أنهم أحضروا لها –على مضض- خافض حرارة لم يؤتِ مفعوله حتى انتهائه بعد خمسة أيام، بينما هي غير قادرة على الخروج لاستقدام طبيب من خارج المركز ليقدم له الرعاية والعلاج المناسبين.

تتساءل السيدة باستنكار: "أتفهم خشية الطبيب من العدوى، ولكن أما كان بإمكانه ارتداء سترة الوقاية والكمامة، وفحص ابني فقط لطمأنتي عليه؟ كان بإمكانه أن يعقم جسمه قبل أن يخرج من الغرفة، للأسف هو لم يراعي مشاعر كوني أمًا مع طفلٍ مريض".

"وبعد محاولات عديدة لم أجد أمامي سوى أن أطلب من زوجي إحضار مضاد حيوي، فتم إرساله لي من مدينة خان يونس جنوب القطاع حتى باب الفندق، وحتى هذا لم يحدث أي تقدم في الحالة"، تكمل، مردفةً: "بعد ستة أيام بأكملها من القلق والهواجس، أحضر طبيبٌ آخر، غير ذلك الموجود في المركز، العلاج الناجع الذي استجاب الطفل له".

في غرفة أخرى في نفس المركز "بلو بيتش"، أعد الحاج أبو سيف جرغون عدته، وجمع ما لديه من ملابس، في انتظار أن يتم الإعلان عن انتهاء فترة الحجر الاحترازي، التي امتدت منذ دخوله قطاع غزة عائداً وزوجته من تركيا في السابع عشر من مارس الماضي.

"19 يومًا مرت ثقيلةً وصعبة، لم نعد نحتمل أكثر"، قالها أبو سيف (60 عامًا) معبرًا عن ما وصلت إليه حاله في فترة الحجر على الصعيد النفسي، مضيفًا: "في الأيام السبعة الأولى تم حجرنا في معبر رفح، وكانت الإجراءات غايةً في الدقة، وتناسب ظروف الحجر الصحي السليمة، كنا نقيم كل شخص في غرفة بحمام مستقل، ولكن بعد أن تم نقلنا إلى فندق بلو بيتش، انقلب الحال، وشعرنا بالفرق".

ويتابع باستغراب: "لا يوجد أي أسرّة هنا، ننام على الأرض، ما بين 6 إلى 8 أشخاص، وبالكاد بعد أيام من المطالبات تم توفير أدوات تنظيف للمكان (مكنسة وقشاطة)، أما عن أدوات التعقيم فتصلنا كل يومين بكأسٍ كرتونية بها قليل من الكلور، وأخرى فيها صابون سائل. لكنها بكل الأحوال لا تكفي  وفقًا للعدد الموجود".

يتساءل جرغون مستهجنًا: "أليس في مقدرة القائمين على الحجر، تخصيص قنينة من الكلور والمعقم لكل مستضاف؟ القضية ليست قضية طعام وشراب فهذه كانت على أفضل وجه، القضية هي قضية احترام للخصوصية والاحتياجات فقط"، مبينًا أنه يتفهم الإمكانيات المحدود والقدرات الاقتصادية الضئيلة لحكومة قطاع غزة، "لكن ما نطلبه ليس في نطاق القدرة، طبيب فقط يتابعنا، ومعقمات وزجاجات صابون مخصصة، لا يضطرون إلى طلبها مرارًا في حال لم تكفِ".

ينتظر "أبو سيف" بفارغ الصبر، الإعلان عن نتائج العينات الأخيرة للمحجورين في "بلو بيتش"، وحلم الخروج من الحجر لا يكاد يفارقه، فأيضًا هو لا يملك كفايته من الملابس، ولا يوجد في الفندق أي وسائل تمكنهم من غسل ملابسهم، ناهيك عن حالة الضغط النفسي الذي يعيشه منذ الإعلان عن إصابة ثلاث حالات من ذات المركز.

من جانبه، يستغرب صلاح أبو حطب العائد من جنيف، الذي يقيم بذات الغرفة مع  جرغون، أن هذه الأمور الخاصة لم ينتبه إليها أحد، "لم يُسمح لنا باصطحاب حقائبنا، ولم يسألنا أحد هل تسير أمورنا على ما يرام، ويتابع: "يظن الناس في الخارج، أن المحجورين في فنادق، يعيشون بارتياحٍ كامل، وكافة الإمكانيات هناك تحت إمرتهم، لكن في الحقيقة نحن لا نتحرك إلا في حدود الغرفة، ولا نرى الشمس إلا من خلال النافذة، حتى أدوات النظافة والتعقيم شحيحة، ولا تحضر إلا إذا طلبناها، والأهم أن لا أحد يفكر في أن يتابع حرارتنا مطلقًا".

"وعن الدعم النفسي، فحدث ولا حرج"، يزيد أبو حطب، مكملًا: "لا نرى أحدًا، وإذا فكر أحدنا بفتح الباب فقط لتغيير أفق الرؤية، يقابَلُ بنهي الشرطي في الخارج"، مستهجنًا أن "الإيجاز اليومي" لم يخاطب المحجورين هنا بتاتًا، "ولم يفكر معدُّوه في أن يوجهوا أي رسالةٍ من شأنها أن تخفف عنا، وأن تدعم صمودنا داخل الحجر بمثل هذه الظروف".

يعقب بالقول: "ربما لأن كلمة فندق مطبوعة في الذهن البشري وفق صورة نمطية معينة، نحن نعذر ذلك، لكن في الحقيقة على الجميع أن يضع نفسه مكاننا،"، مؤكدًا احترامه للجهود المبذولة في سياق إتمام فترة الحجر "لكن تحسين ظروفه مطلوبة طالما أنها ضمن المقدرة".

ويوجد في فندق بلو بيتش 350 محجورًا، وتم اكتشاف ثلاث إصابات بين المحجورين هي لـ(رجل وامرأتين)

حاولت نوى التواصل مع الناطق باسم وزارة الصحة في قطاع غزة د. أشرف القدرة لعرض شكاوى المواطنين أعلاه، لكنها لم تحظ بأي رد بالخصوص حتى موعد نشر هذا التقرير.

كاريكاتـــــير