شبكة نوى/فلسطينيات: قبل عدة أشهر حظيت الفتاة رهف شمالي التي تقطن مدينة غزة، بانتشارٍ واسع بين جمهور الشارع الفلسطيني، الذي تداول اسمها –إلا من رحم الله- في سياق انتقادات سلبية وجارحة، ذلك بعد ظهورها إلى جانب مجموعة من الشبان الموسيقيين في كليب غنائي تراثي "جفرا"، تم تصويره في محيط معلمٍ بارز داخل مدينة غزة.
ألفاظٌ نابية، وعباراتٌ قاسية، نشرها بعض مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي على مدار أيامٍ طويلة، استقبلتها ابنة الأعوام الـ (16) بصلابة منقطعة النظير، ذلك لكونها هيأت نفسها قبل أن تظهر أول مرة لما سيحدث، فهي تعرف جيدًا طبيعة المجتمع الفلسطيني المحافظ "الذي لا يُظهر انتمائه للقضايا النسوية، ودفاعه عن حقوق النساء، إلّا بعد أن تفقد إحداهن حياتها" تقول رهف لشبكة "نوى".
تدلل على ذلك بإشارتها للتفاعل الكبير الذي حدث في قضية الشابة "إسراء غريب" التي أُزهقت روحها بدمٍ بارد على يد مجموعة من أفراد عائلتها، بعد فترةٍ عاشتها في المستشفى تعاني من كسرٍ في عمودها الفقري دون أن يلتفت إليها أحد.
"أرى في طموحي حقًا، لا يجوز لأحد أن يتدخل به، طالما أنني لا أؤذي أحدًا، ولا أسيء لأحد، أحترم وطني، وشعبي، وأسعى لخدمتهما من خلال فني المحافظ".
"أرى في طموحي حقًا، لا يجوز لأحد أن يتدخل به، طالما أنني لا أؤذي أحدًا، ولا أسيء لأحد، أحترم وطني، وشعبي، وأسعى لخدمتهما من خلال فني المحافظ" تضيف الفتاة التي انتظمت بالعمل مع فرقة "صول باند" المحلية مؤخراً، متسائلة: "هل يجب أن أقتل على يد أحد المعارضين للفن، حتى يخرجوا ويدافعوا عن حقي في ممارسة هواياتي، ومتابعة شغفي؟ هل علي أن أنتظر وقوع كارثة حتى أجد في ظهري أحد؟".
وتوضح رهف أنّها -وحتى اليوم- ورغم مرور قرابة خمسة أشهر على ظهورها لأول مرة مع الفرقة التي تصفها بـأنها "حسنة السير والسمعة" في الفيديو الذي صدحت به بالأغنية التراثية "جفرا"، تواجه نظرةً مجتمعية تقابلها بامتعاض –إلا ممن رحم الله- سيما بعد أن خرج شيخٌ بعد تداول مقطع فيديو غنائي لها، وأفتى بتحريم أنشطة الفرقة، ووصفها بأنها "فعل منكر ظاهر"، مؤكدًا أن منعها واجب في حق صاحب السلطان.
في تلك الفترة ثار الجدل، لكن الملفت أن الحديث في قضية رهف –تحديدًا- ووجودها كفتاة ضمن أفراد الفرقة، أخذ وقتًا أطول بكثير من الوقت الذي أخذته قضايا مثل قضية إسراء، أو روان أبو هواش، أو صفاء شكشك، لدرجة أنها حتى اللحظة تجد من يعلق ويرفض، مقابل أناسٍ كثر أيضًا رأوا في وجودها "حياة" للفن المحافظ التراثي الجميل.
رهف التي ورثت صوت جدتها الجميل، انطربت أذنها لسماع أغنيات فيروز وأم كلثوم، عبد الوهاب، وبدأت تغني لهم في حضن عائلتها التي قدمت لها كل الدعم، بدءًا من والدتها التي ألحقتها بعد اكتشاف موهبتها في الكثير من المراكز التدريبية وعلى رأسها "فرقة الكورال التابعة لمركز القطان للطفل".
تخصصت رهف في غناء الطرب القديم، والأغاني الوطنية، والأغاني التراثية التي يعرفها الشعب الفلسطيني، بهدف إبراز الوجه الحضاري لفلسطين (على حد تعبيرها)، موضحةً أن أغلب الأعمال التي شاركت فيها تأخذ طابعًا وطنيًا، من خلال "أغاني الفلكلور، والدبكة الشعبية".
أول صعودٍ لها على المسرح كان في مهرجانٍ تراثيٍ غنّت فيه أغنية "ستي إلها توب وشال"، وكان التشجيع والتصفيق الذي رأته في حينها سببًا في أن تكسر حاجر الخوف والقلق، ودافعًا لتطوير موهبتها بشكل أكبر.
التحقت رهف بمعهد "سيد درويش" للموسيقى بغزة، وعاشت وقتًا بين الأجهزة الموسيقية المتطورة التي كانت تسمع بها ولم تشاهدها أبدًا، تقول: "في تلك الأيام بدأت أشعر بأن حلمي تحقق، كل يوم تنمو موهبتي وتزداد خبرتي، وفجأة قررت مع مجموعة من زملائي هناك تشكيل فرقة فنية كنتُ أنا فيها الفتاة الوحيدة، أطلقنا عليها اسم صول باند".
كان هدف الفرقة في بدايتها تغيير الصورة النمطية عن فلسطين، وتوصيل صوت شعبها إلى العالم عن طريق الفن والموسيقى، لكن الأمر لم يكن سهلًا رغم وجود الكثير من المعجبين بالفكرة.
"تعرضنا للكثير من المضايقات، وسمعنا الكثير من العبارات المزعجة التي كان مضمونها يعبر عن رفض للعمل، حتى أننا قد مُنعنا من إقامة قرابة 30 حفلة"
تضيف: "تعرضنا للكثير من المضايقات، وسمعنا الكثير من العبارات المزعجة التي كان مضمونها يعبر عن رفض للعمل، حتى أننا قد منعنا من إقامة قرابة 30 حفلة فنية بحججٍ غير مقنعة، كانت الصريحة منها أن الفرقة مكونة من أربع شبان وفتاة "غير محجبة".
"العادات والتقاليد تقتل كل جميل في قطاع غزة، لكن الأمل لم يغب عن مخيلتنا داخل الفرقة، كنا على يقينٍ بأننا سننجح في النهاية" تزيد، مستدركةً: "لكن لا ننكر أن في هذا المكان شيء جميل بأهله أصحاب العقول المنفتحة، فعلى الرغم من أن الفرق في غزة كثيرة، لكن بسبب أنها كلها تعتمد على الذكور في تشكيلتها، صارت فرقتنا ملاذًا للكثيرين ممن يفضلون الفرق المتنوعة، وصاروا يعتمدون علينا في الكثير من المناسبات والحفلات الغنائية".
الفرقة تخطت حدود القطاع العام الماضي، لتشارك في أول حفلةٍ خارجية تم تنظيمها بمدينة رام الله في الضفة المحتلة، "وهنا كان الفرق" تقول رهف.
الانفتاح الكبير الذي تعيشه الضفة الغربية المحتلة (والحديث لها) جعل الأمر هناك متقبلًا جدًا، لقد علا صوت التصفيق يومذاك، والهتافات كلها كانت تشكرنا على أدائنا، وتتابع: "غمرتنا السعادة، وتمنينا لو أن حبيبتنا غزة تقبل بمواهبنا كما حدث في رام الله".
أكثر المواقف التي جرحت الفتاة كانت "إطلاق فتوى تحريم نشاطات الفرقة"، تعلق: "لقد بث الكثير من الناس كراهيتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ووصفوني بألفاظ نابية، حتى أن بعضهم كان يتحدث بطريقة غير لائقة عني، رغم أنني ابنة شعبهم، أي أختهم، وأمهم، وزميلتهم".
ترجع إلى قضايا النساء منتهكات الحقوق، وتتساءل: "لماذا كل هذا الهجوم على شيء أفعله لأنني أحبه، ولم أؤذ به إنسانًا؟ أين مثل هذا الهجوم عن قتل النساء دون ذنب؟ لماذا نسوا إسراء وغيرها من المغدورات، وبقيت أنا في ذاكرة المرضى منهم "أحرض على المنكر" كما أفتى الشيخ بغزة؟".
أغلب أعمال رهف وطنية وتراثية، تؤرخ لقضية فلسطين، وتحاول تغيير الصورة النمطية لها أمام العالم.
أغلب أعمال رهف وطنية وتراثية، تؤرخ لقضية فلسطين، وتحاول تغيير الصورة النمطية لها أمام العالم، تشرح بالقول: "نحاول توثيق الأغاني الوطنية بطابع جديد يقبله الجيل الجديد ويحبه، فيبقى مطبوعًا في ذاكرته بدل أن يذهب في طي النسيان مع تقادم الزمن".
تحمل رهف اليوم رسالة فنية تدعو إلى البعد عن التعصب الفكري "افعل ما تحب، واترك الناس لما يحبون طالما أنهم يتحلون بالمسئولية، ولم يخدشوا حياء المجتمع أو فكره أو شريعته"، وتعدُّ الهجمة التي تعرضت لها "درسًا جيدًا وتجربة مميزة" كان لها أثرًا معاكسًا حينما تسببت برفع مستوى المشاهدات لأعمالها.
تختم حديثها لـ "نوى" بقولها: "كل ما أردناه أن نري العالم صورةً أخرى لغزة، غير صورة الدم والشهداء.. أردنا أن نريهم حب الوطن والتمسك بتراثه في أغنية".























